الدون كيشوتية عندي
اعتبر نفسي مثل دون كيشوت لا استطيع مواصلة لة الحياة بدون " ملهمة " أتوجه إليها بكياني و كينونتي و مشاعري و حبي و
تلهفي اسعي إليها و اعرض ذاتي عليها خادما وعابدا في محرابها ..
احيانا أصارحها القول برقة و حذر خشية أن تفاجئ بي و بموقفي منها .. أحاول أن اشرح لها اني لا ابغ منها شيئا سوى السماح
لي بالتعبد فيها و لها .. بعضهن يقبلن و يوافقن على ذلك وقد تستمتع بعضهن بهذه الحالة التي لم يكن يعرفنها من قبل .. أن
شخصا مثلي له بعض التقدير و الاحترام في " محيطه الخاص " يحول نفسه برغبته إلى "خادم " لهذه الشخصية الأنثوية التي
قد ترى نفسها مجرد انثى عادية " تأكل الثريد و تسعى في الأسواق " بينما ارفعها أنا إلى مقام الربات المعبودات ..
وقد تكون واحدة من هاته الملهمات زوجة وام منشغلة بحياتها و بيتها تحاول أن تجد قوت يومها و قوت بيتها في ظروف
اقتصادية صعبة و مرهقة لأظهر أنا لها و اقول لها كما يقول الجني في خاتم سليمان " شبيك لبيك عبدك بين يديك "
في أحيان كثيرة تستمتع بعضهن بأن كاتبا معروفا إلى حد ما يقول لها انها تلهمه و يكتب لها ( اكتب لها ) صلوات و ابتهالات
فتعجبهن وتقمن بأحاسيسهن الخاصة بتلبية مطالبي و فانتازياتي ( بدون الدخول في علاقة جنسية ) لكن بالتعبد فيهن نظريا
واحيانا عمليا استأذنهن في أن يصبحن " شخصية " عندي في رواية ما تكون معلقة بين الفضاء و بين الكي بورد .. وأحيانا
يوافقن بحذر خوفا من أن تفتضح شخصياتهن للقراء لكني أؤكد لهن بصدق و شرف اني لن انشر شيئا دون أن يقرؤهن قبل النشر
و اني سأوافق على كل تعديل يرونه بدون نقاش ..
وقد حدث هذا بالفعل أكثر من مرة في " غواية الوصال " وفي "ايثاكا" كما فاجأت صديقة كانت تمر بأزمة نفسية انها ألهمتني
شخصية في زهرة الصمت و بعثت لها بالمادة المتعلقة بها فسعدت .. لني كنت أحاول أن أخرجها من منطقة كآبة مزمنة دخلت
فيها بعد أن اكتشفت خيانة الحب و المحبين .
وفيي أحيان أخرى أتعبد لهن دون أن اطلب منهن شيئا سوى أن يقبلن بي كعابد وكاهن في محرابهن .
هي تجربة صعبة و محفوفة بالمخاطر كما انها محفوفة بالملذات السرية إذا ما تفهمت الملهمة المعبودة رغباتي التي لا تذهب إلى
جنس فعلي بقدر ما هي فيتشية مثل تعلقي بالأقدام مثلا وهو تعلق قديم لم أكن أجرؤ بالإفصاح عنه الا مؤخرا خاصة إذا ما
أحسست بالاطمئنان تجاه " البت " التي أتعامل معها ,
اعتقد اني بدأت الإفصاح عن هذا التعلق في نهاية ستينياتي وهنا في هولندا مع سيدة وافقت ؛ بل استمتعت هي أيضا – كما قالت
و أفصحت – بصراحتي عن رغباتي .
وقد كتبت فصلا قصيرا في غواية الوصال بعنوان "غواية القدم "
****
غواية القدم
*إن بصمة القدم هي عالم قائم بذاته
*حينما يشرع العاشق بعمل مساج للقدم يجب أن يراعي عدم الضغط بقوة حتى لا يتسبب في إحساس بعدم الراحة . الهدف هو إيجاد
الإحساس بالاسترخاء وتنشيط الدورة الدموية وزيادة حيوية وتناغم الشخصين المعنيين . في الأزمنة السابقة كان مساج القدمين هو
الوسيلة المتبعة لمعرفة الشخص الآخر . إن فعل الحب يسارع ويضاعف الطاقة المتدفقة عبر الجسدين الملتحمين ولهذا فمن الأهمية ألا
تضيع الطاقة الجنسية متدفقة خارج الجسدين عبر اليدين والقدمين والفتحات الجنسية في الجسد . إن تكنيك تاتنربس الذي يُستخدم في
الأوضاع الجنسية يُعرف باسم باندهاش ( أي إقفال الفتحات بحيث يعيد جريان الطاقة من خلال اليدين والأقدام ) .
في نص " شانداماهار و ساما تانترا " الهندي من القرن التاسع عشر نجد به الشرح التفصيلي بالرسم لثلاثة عشر وضعا
جنسيا له علاقة بالقدم ، وبوصف تفصيلي . ترجمة العنوان هو " الفلك الكبير للقمر معنيّ بالتحولات عبر قوة الفعل الجنسي "
يقول إنه منذ العصور الغابرة اُعتبرت القدم مركز توازن الجسد . توجد شبكة من الأعصاب تربط القدم بالأعضاء الداخلية .
تقبيل القدم والتوله بها جزء من طقس قديم جدا يربط الفم بالأرض الأم . وحينما كان العاشق المحارب يرجع من الحرب كان
أول شيء تقوم به الرفيقة هو غسل أقدامه ودهنها بالزيوت العطرية . إنه أيضا طقس يُخصص للأشخاص الذين هم موضع
احترام .
في الصين القديمة اُعتبرت الأقدام النسوية الصغيرة علامة على الرفعة والنبالة وكان يُعتقد باحتوائها على طاقة
جنسية . في الفن الايرتوكي تمثّل القدم رمزا جنسيا . فحينما تضم المرأة باطن القدمين فإنهما يمثلان حالة شبقية .
أصابع القدم المحنية بعض الشيء ترمز لمنقار الطائر الذي يوُضع في الفم بين الشفتين .
سألت الإلهة بارفاتي الإله الأكبر شيفا أسئلة كثيرة ؛ منها سؤال حول الطعن في العمر وعواقبه في فعل الحب وما يترتب على
الشيخوخة من ظهور العنة .
قال شيفا إن الكهولة والشيخوخة مرحلة انتقالية . يمكن لكبر السن أن يكون له أثر مؤسف ويؤدي إلى إحساس عميق بالتأسي
. إنه أيضا يجب أن يكون مرحلة للتخلي عن الملذات الدنيوية والاستعداد لاستقبال الموت بدون خوف . الحب الجنسي تقل
مرات حدوثه عن أيام الشباب . قوة الذكر الجنسية تتناقص أسرع من المرأة . إن التغيرات الجسدية في الرجل والمرأة شيء
طبيعي لكنها ترتبط بفقدان المتع الدنيوية . لهذا فإنها تعطي الإحساس بالخسران . إن تكتيك تانتاريس يتمحور في إلغاء الأداء
الجنسي عند الطرفين ، و يستبدله بالتناغم الهارموني بينهما وبالمتعة المتبادلة . إنه يساعد كبار السن أن يتسلقوا بسهولة
قمم اللذة ويمكثوا وقتا أطول مما لو كانوا شبابا .
تقول جويس منصور
رذائل الرجال ميدان اختصاصي
جراحهم مغانمي اللذيذة
أحبُ أن ألوك نواياهم الخسيسة
لأن دناءاتهم تصنع جمالي
( جويس منصور )
اعتقد أن هناك ارتباط سحري خاص بين التصوف كنمط من التعبد خاصة أن الحضرة احيانا تكون مرتكزة على كلمة "الجلالة
" لله أي اختصار التعبد في كلمة واحدة يهتف بها المتعبدون .
بالتالي يكون الجسد الانثوي ( او الذكوري ) قد اخصه الفيتشي في مكان صغير واحد يتعبد هو أيضا فيه !
****
لعل دون كيشوت الذي خلقه كاتبه كان المقصود به السخرية من براءة هذا الفارس " العجوز او الكهل "حيث جعله المؤلف
سرفانتس في حدود الخمسين من العمر يقيم في قرية صغيرة .. فها نحن هنا امام كهل اعطى لنفسه مهمة انقاذ السيدات اللاتي
يطلبن العون من " الفارس النبيل" لكن بعضهن لم يكن من لحم ودم بل "طواحين هوائية " طنها الكهل نساء صارخات تطلبن
العون !
****
لفراس السواح دراسة عميقة و رائعة بعنوان " الالوهية المؤنثة واصل الدين و الاسطورة "- ط 5- عام دمشق - 1993 وفي
الصفخات الأولى نجد نشيدا بعنوان "عشتار تتحدث عن نفسها "
أنا الأول و أنا الآخر
أنا البغي و أنا القديسة
أنا الام و أنا الابنة
أنا العروس و أنا العريس
السادية والمازوخية.. تاريخ الخزي والنشوة
2016 سبتمبر 03 ● فاروق عادل
ويب سايت " المنصة "
ظل درسا دو ساد و مازوخ حاضرين أمام جميع الكُتاب الذين تناولوا السادية و المازوخية، فيمكن أن تتعرض للسجن مثل
الأول، أو تلتصق بك السمعة السيئة مثل الآخر.
أربعة رجال أثرياء للغاية، يتبنون الأفكار الإباحية، ويحاولون الوصول إلى أقصى درجات إشباعهم الجنسي، فيذهبون إلى قلعة
"سان مارتن دي بيلفيل "بفرنسا، مع 4 عاهرات خبيرات، و 46 ضحية من الشباب والشابات الذين تم اختيارهم بناءً على درجة
جمالهم، وعذريتهم، ومعهم 8 مضاجعين من الرجال تم اختيارهم بناءً على طول أعضائهم الذكرية. تقوم العاهرات بحكي أكثر
مغامراتهن الجنسية إثارة، وأكثر رغباتهن المخفية للرجال الأثرياء، ويحاولن تطبيقها على الضحايا ال 46 بمعاونة ال 8
مضاجعين .
هكذا تدور أحداث رواية " 120 يومًا في سدوم"، التي كتبها الماركيز دو ساد، النبيل الفرنسي الشهير، والذي تسببت فضائحه
. الحياتية ودعواته للحرية الجنسية المطلقة في إلقائه في المصحات النفسية والسجون التي ظل نزيلًا بها حتى توفى عام 1814
الماركيز دو ساد
كتب الماركيز دو ساد الرواية في سجن الباستيل، ووصفها بأنها رواية عظيمة، ولكنه اعتقد أنها فُقِدَت أثناء اقتحام السجن وقت
الثورة الفرنسية، وأخذ يبكي على فقدانها لدرجة إنه وصف دموعه عليها بأنها "دموع من دم". وبعد وفاته وجدها الطبيب الألماني
إيفان بلوخ عام 1904 عند عائلة فرنسية ثرية - كانت حصلت عليها من رجل وجدها بالسجن قبل يومين من اقتحامه، ولا
يعرف أحد عن الرجل شيئًا سوى أن اسمه "آرنو دو سانت ماكسيمان– " وقام بلوخ بنشرها في طبعة من 180 نسخة بدون
أن يفصح عن كونه الناشر.
مع بداية القرن العشرين، أعادت نشر الرواية الأذهان إلى ماركيز دو ساد، الذي اقترن اسمه بالممارسات "السادية" حتى الآن.
ليوبولد فون مازوخ
وفي عام 1870 يحكي لنا الأديب النمساوي" ليوبولد فون زاخر مازوخ "قصة رجل حلم بالإلهة فينوس مثلما رسمها الفنان
الإيطالي تيتيان في لوحة" فينوس أمام المرآة"، عارية ولا ترتدي سوى الفراء، يحدثها في حلمه عن الحب، وعن تصوره
للعلاقات العاطفية، ويحكي ذلك الحلم لصديقة "سافرين"، الذي يعنفه بشدة، ويعطيه مخطوطة تحمل عنوان "مذكرات رجل مفرط
الحساسية" ويطلب منه قراءتها ليتخلى عن ضلالاته ويعرف حقيقة الحب. المخطوطة مقتبسة من مذكرات "سافرين" الذي يطلب
من البطلة "واندا" أن يكون "عبدها"، ويطالبها بإلحاق الأذى به، محققة له المتعة والنشوة التي طالما حلم بها.
هكذا تدور أحداث رواية "فينوس في الفراء"، والتي ضمنّها مازوخ في مجموعته "وصية قاين" عام 1870 ، وفيها يتعمق
"مازوخ" في وصف الأحاسيس التي يشعر بها "سافرين" وكيف يحقق إشباعه الجنسي عن طريق تعرضه الإذلال والألم.
وكان مازوخ يتمتع بشهرة كبيرة في حياته، الشهرة التي جعلته مفضلًا لأدباء كبار مثل فيكتور هوجو. شهرته وكتابته عن مشاعر
غير معتاد التصريح بها في هذا العصر، جعلت الطبيب النفسي الألماني ريتشارد إيبينج يستخدم اسمه في وصف "المازوخية"،
رغم اعتراض مازوخ على التسمية التي التصقت به إلى الأبد .
ازدهار في الخفاء
كانت فرنسا مركز ازدهار الأعمال الأدبية المتعلقة بالممارسات السادية والمازوخية في بداية القرن، ولكن ظل درسا دو ساد
ومازوخ حاضرين أمام جميع الكُتاب الذين تناولوا الموضوعين، فيمكن أن تتعرض للسجن مثل الأول، أو تلتصق بك السمعة
السيئة مثل الآخر .
دأب الكُتاب الفرنسيون على استخدام أسماء مستعارة، وازدادت الروايات الجنسية مع مرور الوقت، ثم بدأت تصاحب الروايات
رسوم تعكس الأدب المكتوب .كانت هذه الروايات تسد الحاجة إلى تعاطي "البورن" لدى القراء، مثلما قامت بذلك مجلات
"البورن" بعد ذلك ثم الأفلام الجنسية الخالصة. وكان لهذه الروايات مكانها وقراءها رغم ظهور أعمال أدبية فرنسية عظيمة في
هذا الوقت، وحصول 7 أسماء فرنسية على جائزة نوبل للأدب في النصف الأول من القرن العشرين .
من رسوم فوستي
كانت الأعمال "محلية" للغاية، منحصرة في فرنسا، تُطبع في طبعات خاصة محدودة، ربما لارتفاع سعر الورق، ولم يتم ترجمتها
إلا في الثلاثينيات، وكانت تباع في محلات خاصة للبالغين، أو تُرسل عبر البريد فقط، كما إنها ركزت أكثر على المشاعر السادية
لل "المتحكم" أو "المسيطر" أو "الصافع "وحالة المتعة التي يشعر بها عند إيذائه للشخص الأخر، الذي كان غالبًا فتاة في سن
المراهقة أو أصغر قليلًا .
وكانت الروايات تُنشر باسم ثنائي دائمًا - المؤلف والرسام - مثل روايتي "ضربات سوط" ( 1908 ) و"الجولة الأوروبية لضارب
الكرباج "للورد بريشجورد، وكانت رسوم الأولى ل" ليون روز "والثانية ل" فوستي"، ونلاحظ أن جميع الأسماء هنا مستعارة.
ومن أمثال تلك الروايات أيضًا روايات" كارلو ألبريكا "والتي يعد أبرزها "اعترافات تلميذ السوط" التي أعيد نشرها في
الثلاثينيات ورواية "سوط" التي أعيد نشرها برسوم جوستون نوري .ويعتبر نوري من الرسامين القلائل الذين عملوا في هذا
النوع وكشفوا عن أسمائهم الحقيقية .
العصر الذهبي للصفع
تراجع انتشار هذه الأعمال مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، ولكن مع انتهاء الحرب عاد الانفلات الأخلاقي - كما وصفه
المحافظون - أو عاد الانتصار لقيم الحرية - كما وصفه المتحررون - وإظهار الميول المختلفة لدى البشر .
يُذكر أنه في هذه الفترة لم يكن هناك تسامح مع ممارسات جنسية أخرى مثل المثلية، ولكن كان هناك تقبل لدى قطاع ليس بالقليل
مع الميول "السادية /المازوخية"، رغم وصفها بالأمراض النفسية. وانتشرت مجددًا الأعمال الأدبية والرسوم المتعلقة
بالسادومازوخية بداية من العشرينيات من القرن العشرين .
– وكان من أبرز الرسامين في تلك الفترة" كارلو "الذي قام بنشر الرسومات لأكثر من 18 عمل أدبي في خلال الفترة من 1931
1937 ، وعمل أيضًا في نشر الرسوم المضحكة في المجلات الهزلية تحت اسم" تشارلينو"، ولكن الاسمين كانا مستعارين أيضًا،
ولا يعرف أحد شخصية كارلو الحقيقية حتى الآن .
ونلاحظ عدة خطوط عامة بارزة في رسم كارلو، مثل الميل إلى استخدام الأبيض والأسود، والكعب الأسود والميل إلى سيطرة
الأنثى، وقدرته على تصوير حالة النشوة، سواء على وجه المسيطر، أو المسيطر عليه، بطابع هاديء لملامحهم، بعيدًا عن تمثيل
العديد من الرسامين للممارسين بوجوه شريرة أو شيطانية، وربما تعبر أعمال كارلو عن بعض التغير في تقبل الممارسات
السادومازوخية، وبداية اعتبار أن ممارسيها بشر طبيعيون، وليسوا بالضرورة أشخاصًا مؤذيين .
ومثل كارلو هناك الفنان جاستون سميت، الذي نشر رسومه أيضًا باسم جورج توبفير (الاسمين مستعارين)، والذي قام بالرسم
المصاحب لأكثر من 100 رواية، حتى أن رسومه هي التي تبقت حتى الآن واختفت الروايات التي رُسمت فيها .
السادومازوخية.. أمر واقع
اختلفت النظرة النفسية اليوم للممارستين الجنسيتين، ولا يرى الكثيرون أنهما بحاجة إلى العلاج، إلا في حالة القيام بتصرفات
مخالفة للقانون
مثلما تعكس الآداب والفنون الواقع، فهي تدفع وتحث العلوم الإنسانية .شغلت الممارسات السادية والمازوخية علماء النفس منذ
بداية القرن العشرين، واهتم رائد مدرسة التحليل النفسي النمساوي "سيجموند فرويد" بالحالتين، ووصفهما في كتاب "ثلاثة
مباحث في نظرية الجنس" عام 1905 ، مستخدمًا المصطلحات التي صُكت في نهاية القرن التاسع عشر، ورأى فرويد أن الحالتين
موجودتين لدى جميع الناس بدرجات مختلفة، وأوضح حالات لأشخاص أحبوا تبادل الأدوار - أي أن السادي قد يحب أن يكون
مازوخيًا أحيانًا والعكس - وأكمل فرويد وقال إن المازوخية لا تعدو أن تكون استمرارًا للسادية التي ترتد على الشخص ذاته .
وكلًا من "فرويد"ومن قبله "إيبنج" أكدا على أن السادية ناتجة من حدوث تشويه للعنصر العدواني في الشخصية الذكرية منذ
الطفولة، بينما كانا ينظران إلى المازوخية بوصفها انحرافًا هامًا وأكبر من السادية، ومخالفًا لطبيعة النشاط الذكوري الجنسي؛
كلاهما أيضًا كانا ينظران إلى السادية بوصفها فعل ذكوري بحت، في حين اعتبرا المازوخية فعلًا أنثويًا، رغم تأكيدهما على
وجود الحالتين في العنصرين الجنسيين. بينما يقول إريك فروم، تبعًا لمقال لد. إمام عبد الفتاح أمام، أن النزعات السادومازوخية
موجودة عند البشر بدرجات متفاوتة في الأشخاص الأسوياء والمنحرفين علي حد سواء. والعامل الخفي في هذه العلاقة هو تبعية
كل طرف للآخر واعتماده عليه، وأن الشخص السادي يعتمد على المازوخي لتحقيق نشوته، مثلما يعتمد المازوخي عليه، وإن كان
السادي يخفي هذا الاعتماد.
اختلفت النظرة النفسية اليوم للممارستين الجنسيتين، ينظر الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، الصادر عام
2013 عن جمعية الطب النفسي الأمريكي، للحالتين على أنهما اضطرابات تخص الخيالات الجنسية. ولا يرى الكثيرون الآن أن
الممارستين بحاجة إلى العلاج، إلا في حالة القيام بتصرفات مخالفة للقانون، مثل استخدام العنف المؤذي، أو التسبب في أشياء
تهدد بوقوع قتلى، كممارسة الخنق الشديد .
وبالتالي ما زالت تختلف الآراء حتى الآن، ففي حين تنتشر الجمعيات المدنية المطالبة بفرض قيود على تلك الممارسات، تهتم
جماعات أخرى بالترويج لها ونشر الثقافة الجنسية المتعلقة بها .
السادومازوخية في العصر الحديث
مع الحرب العالمية الثانية صار للسادية والمازوخية أماكنها حتى في الأدب المحتفى به نقديًا. وكان من أبرز الأعمال الأدبية التي
التي كتبتها "آن ديكلوه" تحت اسم ،Histoire d'O"" ،" تناولت الممارستين في الخمسينيات من القرن العشرين رواية "قصة أوه
مستعار وهو "باولين ريجيه"، وتحكي الرواية عن مصورة ومصممة أزياء باريسية، انضمت إلى نادٍ سري يتبنى العنف الجنسي،
وذلك بعدما ضمها حبيبها "رينيه" إلى قلعة بضواحي باريس، يسلم" رينيه" حبيبته "أوه" لأخيه غير الشقيق ذي الرتبة الأكبر في
النادي" ستيفن"، ليعلمها كيف تخدم أعضاء النادي، بدون أن تحبهم أو يحبونها .
غلاف رواية قصة أوه
بعد ذلك يسلمها "ستيفن" إلى أخ آخر، في قلعة ثانية، حيث تتلقى تدريبًا متقدمًا، لإخضاع جسدها لرغبات "سيدها". وتحصل بعد
هذا التدريب المتقدم على علامة تؤكد ملكيتها الكاملة إلى "ستيفن"، و كانت عبارة عن خاتمه معلقًا في عضوها الأنثوي. وفي
النهاية تذهب "أوه" إلى حفل كبير خاص بأعضاء النادي، حيث تكون عارية تمامًا، مرتدية قناع بومة، ومربوطة بحبل معلق
بالخاتم المعلق في عضوها الأنثوي، ويتلقفها أعضاء النادي كشيء، وك "عبدة جنسية "محترفة.
ولكن هذا لم يمنع السلطات من توجيه تهمة "نشر الفاحشة" لدار النشر " "Prix des DeuxMagots حصلت الرواية على جائزة
بما أن الكاتبة ظلت مختفية، ورغم أن المحكمة رفضت التهمة، إلا أن الرواية كانت ممنوعة وتعرض ناشرها للتضييق.
2002 ،1984 ، صارت "قصة أوه" من أبرز نماذج الأدب المتعلق بالعنف "الجنسي" وتم تحويلها إلى أفلام في أعوام 1975
واعترفت الكاتبة بكتابتها للرواية عام 1994 بعدما بلغت 86 عامًا، وقالت إنها كانت رسالة لحبيبها جان بولان، الذي كان معجبًا
بأعمال الماركيز دو ساد.
، في عام 1983 نشرت الروائية النمساوية إلفريدا يلينيك رواية" معلمة البيانو "والتي تحولت إلى فيلم بنفس الاسم عام 2001
وتدور أحداث الرواية حول معلمة البيانو "إريكا"، التي تخضع لظروف معيشة قاسية في ظل بقائها مع أمها المسيطرة والمتحكمة
فيها لأقصى درجة، وتتبع الرواية رحلة إريكا لتتبع رغباتها السرية، من مشاهدتها لعروض جنسية سادومازوخية، وصولًا إلى
علاقتها مع طالب وسيم يدرس لديها العزف على البيانو، حاول إغرائها ورفضته في البداية، ثم خضعت له وقادته إلى رغباتها
المازوخية، حيث جعلته يتحكم بها، ويقوم بإيذائها، وهو ما لم يتمكن من فعله فترة طويلة، ليتركها وتنتهي الرواية بعودتها إلى
أمها. ويذكر أن يلينك حصلت على جائزة نوبل للأدب عام. 2004
مازوخية عذرية
نُشرت على الإنترنت روايات مكتوبة بالعربية، لا يصرح كتابها عن أسمائهم، تناولت ممارسات سادية ومازوخية، وعادوا لبداية
التقليد الأوروبي المتعلق بهذه الممارسات، والذي اختار كتابه ورساموه أن يهربوا من الوصمة التي فرضها عليهم المجتمع .
المازوخية تحديدًا كان لها مساحتها الكبيرة في الأدب العربي. بالعودة إلى الشعر القديم نجد الكثير من التجليات المازوخية لدى
الشعراء، وإن لم تكن بشكل جنسي مباشر، يمكن تلمس ذلك في قصائد العذريين من جميل بثينة إلى كثير عزة، مرورًا بمجنون
ليلي .فعلى سبيل المثال يقول قيس بن الملوح يقول: "لو خلط السم الزعاف بريقها، تمصصت منه نهلة ورويت."
اتسمت أيضًا العديد من الأغاني العربية الكلاسيكية بتعبيرات مازوخية، يغني محمد عبد الوهاب بكلمات حسين السيد" :علشان
الشوك اللي في الورد بحب الورد واستنى جرحه وتعذيبه"، أو غناء أم كلثوم بكلمات أحمد رامي" :عِزّة جمالك فين من غير ذليل
يهواك، وتجيب خضوعى منين ولوعتى فى هواك."
في حين ظهرت المازوخية الجنسية بشكل عابر في الأفلام المصرية، مثل فيلمي "شفيقة ومتولي" ( 1978 ) و"درب الهوى"
).1983)
أما في الرواية العربية فيمكن تلمس الممارسات السادية والمازوخية في روايات معدودة، مثل رواية" إيثاكا"، التي يهديها
رؤوف مسعد، إلى ضحايا" كوين بوت "من المثليين، ويصفها بإنها رحلة في "ذاكرة الأزمنة"، ويروي على لسان البطل
مغامراته الجنسية المتعددة بداية من ارتداء الملابس النسائية إلى السادية والمازوخية مرورًا بالتبادل الجنسي، أو رواية "إني
أحدثك لترى "لمنى برنس، والتي تروي فيها قصة فتاة قلقة وحائرة تبحث عن الحب، أثناء عملها كباحثة اجتماعية، فتمارس
الجنس مع بعض الرجال، حتى تلتقي رجلًا أجنبيًا يفاجئها برغباته الغريبة، سواء بالتعامل معها بعنف، أو بأن يجعلها ترتدي
قضيبًا صناعيًا لتضاجعه من مؤخرته، ويصفها بإنها الإلهة" أجديستيس "أبنة زيوس.
على مستوى آخر نُشرت على الإنترنت روايات مكتوبة بالعربية، لا يصرح كتابها عن أسمائهم، تناولت ممارسات سادية
ومازوخية، وإن لم تكن مكتوبة بمستوى أدبي عالي، اشتهرت من بينها روايات مثل "مديحة" و "جعلوني عاهرة "ورواية "بيت
الطالبات" التي تحكي المغامرات الجنسية لخمسة طالبات مغتربات يعشن في القاهرة. اختيار هؤلاء الكُتّاب لأن يظلوا مجهولين
يعيدهم لبداية التقليد الأوروبي المتعلق بهذه الممارسات، والذي اختار كُتابه ورساموه في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين
أن يهربوا من الوصمة التي فرضها عليهم المجتمع .( انتهى المقال / الدراسة )
****************
عيب فابريكه
يؤمن العديد من الميكانيكية في مصر ان بعض السيارات لا يمكن إصلاحها لأن العيب الذي بها هو "عيب فابريكة "
أي انها قادمة به من الفابريكه !!
وانا اؤمن ان بعض البشر بهم "عويب : و مساوئ لا يمكن اصلاحها لأنها عيب فابريكة .. فعبر جياتي التي ادهشتني
بطولها رغم الامراض و الاسقام رأيت اصنافا من البشر بهم عيوب جسيمة لا يمكن اصلاحها .. عيوبي اعرفها
واحاول اصلاحها و بعضها عيب فابريكة بالفعل لا يمكن اصلاحه مثل اني لا انسى الاسائة( الإساءة ) أي من
الممكن ان اغفر لمن اساء الي لاكني لا انسى ابدا الإساءة اليّ !
واعرف اني عنيد ولا اتنازل بسهولة عن ارائي الا بصعوبة بالغة !
رغم اني بارانويد الا اني اثق بسرعة في الناس الغلط (!) ومع تقدمي في العمر ( الان 83 ) اصبحت سريع الملل
و الضجر من الناس و ابحث عن الوحدة .. .. اعرف عيوبي واتعلم – ما ازال – كيف اتعامل معها ..
وكان عندي عيب خطير – لعله ما يزال كامنا مثل مرض السل - وهو التدمير الذاتي الداخلي .. لكني عرفت كيف
اتحكم فيه على الاقل (!)
مقال عدنان احمد حسين عن ايثاكا في القدس العربي Wednesday, September 5, 2007
ينطوي ميثاق السيرة الذاتية الأصيلة علي عَقْدٍ حقيقي بين الكاتب والقارئ مفادهُ الوعد بالكشف عن الذات بكل دهاليزها
ومنعرجاتها ومناطقها السرّية المُعاشة، فكيف إذا كانت هذه السيرة سيرة ذاتية- روائية تجمع بين الواقع والخيال، والحقيقة
والافتراض، والسرد القصصي والتكثيف الشعري، إضافة الي عناصر معروفة في البناء السيري الروائي كالاسترسال في البوح،
وعدم قمع الكائن السيري لكي يقول ما لا يُقال، ويفكر في اللامُفكَّر فيه، ويعرِّي المحجوب، ويُفصح عن المسكوت عنه .وعلي
الرغم من أن الكاتب رؤوف مسعد قد دمغَ نصه الإبداعي الجديد إيثاكا بأنه رواية، وليس سيرة ذاتية - روائية خلافاً لواقع الحال
فإنني أضع هذا التصنيف في إطار الخطأ التجنيسي الذي يقع فيه كثير من الكُتاب و النُقاد العرب. فهذا الكتاب هو أنموذج للسيرة
الذاتية- الروائية التي تتمحور حول شخصية الكائن السيري الذي يستعين ببعض الشخصيات الأُخري التي جرّدها عمداً من
الأسماء مثل المُرمِّم شين و الطبيبة النفسانية و الطبيب النفساني و الخواجة اليوناني و فتاة الكورنيش و صاحب البنسيون وزوجته
و المعلِّمة السويسرية إضافة الي شخصيات حقيقية أو تحمل أسماء علم مثل سعاد حسني، وناتاشا، وإيروسا، وعشتار، وإيزيس
وأخريات. ولعل من المفيد هنا الإشارة الي أن تقنية استدعاء سعاد حسني بوصفها حافظة أمينة لأسماء الشهداء و القَتَلَة قد غيّرت
مسار النص، وأضفت عليه طابعاً سحريا وفنتازياً، ولولا هذه التقنية الغرائبية لما استطاع رؤوف مسعد أن ينقلنا الي العالم الآخر،
اللامرئي، الغامض. وبفضل سعاد حسني، الحاضرة الغائبة، التي لقّنته الأسماء، جهَّز الراوي قاربه، وعقد العزم علي مواصلة
رحلة العودة الي إيثاكا بعد أن أيقظ الدبابير الهاجعة في أعشاشها، لتطير بشكل غوغائي وتلسع الجميع من دون استثناء.
ظل رؤوف مسعد وفياً لمفهوم الكتابة الجديدة الذي صاغه مع نخبة من جيله الستيني. وكان الأجرأ في كسر الأطر التقليدية
المتعارف عليها في بناء الرواية الكلاسيكية التي تتوفر علي زمان ومكان وحدث، وبداية ووسط ونهاية، مع مراعاة الشرط
الأرسطي القائم علي السبب والنتيجة، وما ينجم عنهما من إقصاء للقارئ العضوي المندمج في الحدث، والمشارك في صناعته. لا
أستغرب شخصياً إن قال رؤوف مسعد إنه كاتب حالات، وليس كاتب حواديت ف الحدوتة تقيّده بمساحة ضيقة لا يستطيع فيها أن
يلتقط أنفاسه، أما الكتابة عن حالات معينة فانها تقوده الي مساحات حرة مفتوحة كما فعل في سيرتيه الذاتية -الروائية إيثاكا حيث
تناول فيها مجمل الحالات الإشكالية التي تنتابه وتؤرقه ليل نهار مثل المثلية الجنسية، والسادية، والمازوشية، والاستعراضية،
والبايسكشول، والافتراس، والفيتيشيزم، أي التعلّق بالأعضاء غير الجنسية، مثل التولّه بالأقدام، والجنس الجمعي وما الي ذلك.
وهو لا يري في هذه الحالات، علي مدار النص، انحرافاتٍ أو شذوذاً أو أمراضاً، وإنما محاولات لتحقيق اللذة المتسامقة، كما أنه
لا يجد ضيراً في أن تستفيق الأثني الكامنة في داخله، وتبحث عن تحقيق ملذاتها الجسدية والروحية والذهنية. فالإيروتيك من
وجهة نظره ليس فعلاً في الجسد، ولكنه فعل في العقل أيضاً.
يعوِّل رؤوف مسعد كثيراً علي تقنية الاستعادة الذهنية التي تعتمد علي قطع الحدث ثم المعاودة إليه لاحقا،ً وليس صحيحا أنه ينتقل
بلا قواعد بين الأزمنة والأمكنة لأنه لا يُحسن كتابة نص روائي متماسك محبوك قائم علي الزمان والمكان والحدث والشخصيات
وسواها من شروط وعناصر اللعبة الروائية. ولعل سيرته الذاتية- الروائية إيثاكا هي خير مثال لما نذهب إليه. فعلي الرغم من
محاولاته المستميتة لتقويض الجدران التي تقوم عليها البنية السيرية الروائية إلا أن القارئ الحصيف يستطيع أن يتتبع المسارات
والخيوط الخفية التي تربط أحداث النص، وتكشف عن شبكة علاقاته الداخلية التي تتأسس علي استهلال وذروة وخاتمة منطقية
للنص. فمثلما نري الصبي الصغير الذي يقْلب كفه للحافة الحادة لمسطرة المعلمة من دون أن يستعطفها أو يبكي أمامها، نراه في
خاتمة النص، وهو يفرد يده، ويكز علي أسنانه كي يكتم ألمه الحاد وهو يري صورة غائمة تتجلي رويداً رويداً لوجه مبتسم تزيّنه
غمّازة في الخد. وبين ظهور سعاد حسني الأول واختفائها بعد الظهور الأخير تمتد رحلة الراوي الي إيثاكا ، وخلال سنوات
الرحيل يكشف لنا هذا الكائن السيري عن أهم الأحداث الصادمة، والوقائع المتفردة التي شكلت تاريخه الشخصي. وللمناسبة
فالوصول الي إيثاكا ليس مهماً. المهم هو الرحلة ذاتها، وما تنطوي عليه من مفاجآت مدهشة، وأحداث تُغْني تجربته الشخصية،
وترفعه الي مصاف الحكماء.
تكشف الصفحات الأُوَل من إيثاكا بأن الراوي يتحدث عن تلميذ صغير يخرج عن السطر دائماً، ولا يمشي عليه رغم العقوبات
المتتالية التي تنهال عليه من معلمته، قاسية القلب ولا شك في أن المعني المجازي للخروج عن السطر واضح لأنه يحمل في طياته
معني التمرد السياسي والديني والأخلاقي. وربما يكون هذا التمرّد هو البذرة المناسبة التي ستتفتق عنها الحالات التي يتعاطي معها
الراوي أو الكائن السيري مستعيناً ببعض الشخصيات المقربة منه، والحميمة الي قلبه وروحه وذاكرته المتوهجة. فلا غرابة أن
يستدعي سعاد حسني التي طيّروها قبل أوانها، ولكنهم لم يعرفوا بأنها لم تختفِ نهائياً، فها هي تستجيب كلما استدعاها الراوي
الذي يتمتع بميزات عديدة أبرزها قدرته علي التنبؤ واستدعاء الغائبين. أما خصاله الأخري فهي عديدة أيضاً لعل أبرزها البحث
عن الملذات المستحيلة عبر الشطح والخيال، أو الافتراس عن طريق ثنائية الصياد والضحية .وهناك سمات أخري ستتضح من
خلال متابعتنا لمسار هذه الشخصية الإشكالية، والمثيرة للجدل، خصوصاً إذا ما عرفنا بأن الراوي هو الكاتب نفسه، وأن الكثير
من شخصيات النص الأدبي هي شخصيات حقيقية موجودة علي أرض الواقع مثل الراحلة سعاد حسني، والفريق أول هلال عبد
لله هلال الذي ترأس محاكمة الشيوعيين المصريين وأصدر عليهم احكاماً قاسية بالسجن، ومن بينهم الروائي رؤوف مسعد، ثم
هرب هذا الفريق لاحقاً في سيناء وترك جنوده يواجهون مصائرهم المحتومة، لكنه لم يفلت هو أيضا من المحاكمة والعقاب.
يعرّي النص السيري كل أشكال القمع الذي تعرَّض له المثقفون والمفكرون والسياسيون المصريون والعرب منذ الستينات من
القرن الماضي وحتي يومنا هذا، ويكفي أن نشير هنا الي سليمان الحلبي، وعمر مكرّم، وشهدي عطية، والشيخ ياسين، ومحمود
محمد طه، وعبد الخالق محجوب، وفرج لله الحلو، وفهد العراقي، واميل حبيبي، وشبل الطنطاوي، وسيد قطب، وسمير قصير،
وجورج حاوي، وقائمة طويلة من الضحايا والمغيبين والشهداء الذين تحتفظ بهم السيدة المغدورة سعاد حسني التي طيَّرها قبل
أوانها المقبور صلاح نصر. لم يتوقف رؤوف مسعد عند الجانب السياسي وما يتخلله من وحشية وقسوة وعنف، بل تعداه الي ملف
الحريات الشخصية، وحقوق الإنسان، وبالذات فيما يتعلق بحادثة كوين بوت و المثليين الذين أُطلق عليهم في مصر لقب الشاذين
جنسياً و عبدة الشيطان وتسميات أخري تنطوي علي معاني الازدراء، والاحتقار، والحط من الكرامة الإنسانية لاعتيادهم علي
ممارسة الفجور.
لم تهدأ تداعيات هذه الحادثة حتي الآن، فالمؤلف يري أن السلطات المصرية تمارس نوعاً مخيفاً من الكذب والمداهنة والتضليل
وإخفاء الحقائق حيث تدعي أن قانونها لا يوجد فيه أي نص يحرِّم الشذوذ الجنسي بينما قال رئيس مجلس الشعب المصري أمام
البرلمان الأوروبي إن القانون الجنائي المصري لا يتضمن أي عقاب للمثليين، حيث أن قانون البلد لا يتدخل بأي شكل في شؤون
الأفراد الخاصة . (ص 219 ، إيثاكا) بينما يكشف تقرير هيومان رايتس ووتش كذب هذه المزاعم والادعاءات التي استقاها المؤلف
من المدوّنات المصرية وأهمها مدوَّنة منال وعلاء ومن الاعترافات الخاصة التي أدلي بها بعض الضحايا الذين تمكنوا من
الوصول الي هولندا، وكشفوا عن الأساليب الوحشية المروّعة التي استعملتها أجهزة الامن والشرطة المصرية أثناء التحقيق مع
الضحايا. ولو وضعنا جانباً كل ما يتعلق بالجانب السياسي، وحقوق الإنسان، والمدوَّنات المصرية التي أتاحت للمختلفين أو الذين
يغرِّدون خارج السرب أن يعبِّروا عن آرائهم وهمومهم وتطلعاتهم الشخصية بحرية كبيرة غير مسبوقة من قبل، فإن النص
السيري يتضمن إشكاليات كثيرة لا يمكن تغطيتها في مقال واحد ذي مساحة محدودة.
تشكِّل المثلية الجنسية واحداً من الأعصاب النابضة في سياق المتن السردي. فالكائن السيري يري فيها حقاً شخصياً ولا يجوز
حرمان الشخص المثلي من التمتع بهذا الحق الذي كفلته الدساتير الأوروبية. وفي السيرة الذاتية- الروائية نصادف العديد من
الشخصيات المثلية كالراوي والمرمم شين والنفساني وعدد آخر من الشخصيات التي نلتقيها في الحفلات الافتراسية أو نوادي
ممارسة الجنس الجمعي، ولا غرابة في أن يبحث المثلي عن الأنوثة الكامنة فيه، أو المقموعة بداخله بفعل العوامل الدينية
والاجتماعية والأخلاقية وهو ما يطلق عليها غريزة الصياد والفريسة أو التحوّلات بين الذكورة والأنوثة، ويعلل هذه التقلبات بأن
إيروسا السوداء هي نصفه الانثوي وأنه نصفها الذكري. وعندما نقطع الشك باليقين بأن الراوي مثلي ويجد لذته في ثنائية الصياد
والفريسة فإن الصدمة الثانية التي يكشفها لنا هي ممارسته للجنس الجمعي. فبعد وفاة والديه اصطحبه أحد الرجال الذين يسكنون
أطراف المدينة لكي يعمل في البنسيون، ويساعد زوجته الشابة في أعمال المنزل. ولم يمضِ وقت طويل حتي تتكشف لنا حقيقة
ممارستهم للجنس الجمعي، إذ تقاسم مع الرجل فراش زوجته ثلاثة أيام في الأسبوع علي أن تحدد الزوجة مع منْ تنام في اليوم
السابع. ثم نكتشف بأنه بايسكشويل لكن ليس بمعني الخنثي ولكن بمعني الرجل الذي تكمن في داخله أنثي مقموعة، لذلك فهو
يحتاج الي دور المثلي السلبي ليحقق نوعاً آخر من المتعة المفقودة. ولذلك فقد قطع الرواي شوطاً طويلاً وهو يضع قناعاً نسوياً،
ويرتدي ملابس نسائية، بينما كانت صديقته تضع قناعاً رجالياً، وترتدي ملابس رجالية بحجة إقناع الشخصيتين الذكورية
والأنثوية القابعة في أعماق كل منهما علي حدة. وقد اعترف الراوي لطبيبته النفسانية بأنه شعر بالرقة والأنوثة والتفوق حينما
تقمص دور الأنثي، مما دفعه لأن يخلع القناع، ويضع مكياجاً كاملاً، ويرتدي شعراً مستعاراً، لكنه مع صعوده السلّم الاجتماعي
حرق الأقنعة والشعر المستعار وأدوات الزينة، وقرر أن يأكل ما يعجبه، ويلبس ما يعجب الناس.
لا تخلو شخصية الراوي أو الكائن السيري من النزعتين السادية والمازوشية أو الأس أَميّة كما يحلو له أن يسمّيها، فقد كان يسوط
صديقته بحزام جلدي علي بعض المناطق الحساسة التي تستجلب اللذة عن طريق الألم. وإذا كانت هي تضربه ضربات خفيفة علي
فخذيه فإنه كان يضربها، نزولاً عند رغبتها، بقوة علي أي جزء من مساحة جسدها المثير. الشيء الوحيد الذي كانت تعترض عليه
صديقته هو الصفع علي الوجه، لأن الصفعة تعبير عن الازدراء والمهانة. حينما سافر الراوي الي أوروبا، واستقر به المقام في
سويسرا تعرف علي راقصة في بار، وتبين له أنها مثله فيتيشية مولعة بالأقدام، ثم تعرَّف علي معلمة الرياضيات التي تحدث لها
عن الجنس الجمعي مع صاحب البنسيون وزوجته الشابة، فلم تجد هذه المعلمة السويسرية ضيراً في أن تمارس معه الجنس
وتُشرك معهما صديقتها الجميلة التي جلبت زوجها لاحقا لحفل المتعة الجماعية. ولا بد من الإشارة الي أهمية فتاة الكورنيش التي
استجابت له الي الدرجة التي استطاع من خلالها أن يحرر قدمها من اسار الجسد! كان الراوي يستذكر التدقير وهو الالتصاق
بالنساء من الخلف في الباصات والترامات المكتظة. وكان يعرف جيداً هذا النمط من النساء اللواتي يستجبن للتحسس في الأماكن
المزدحمة. وكان يقضي وطره في اللحظات السريعة التي يكون في المكان في أوج اكتظاظه.
يهيمن الموت علي مساحة غير قليلة من السيرة الذاتية- الروائية، ومع ذلك فإن الراوي يصفه ب هادم الانتصابات ومفرّق الأجساد
وربما يتحامل هذا الراوي المسيحي البروتستانتي علي الأديان كلها، فهو لم يمارس مسيحيته إلا تحت الوعيد والتهديد، ولم يذهب
الي مدرسة الأحد مُخَيراً وإنما ذهب إليها مُجبراً. لم يحب الراوي سليمان الحكيم لأنه قال ذات مرة أدِّب ابنك بقضيب من حديد
لكنه أحبَّ نشيد الإنشاد لما يتوفر عليه من صور حسيّة.
يعتقد الراوي أن الروح تستمر في حيوات وأجساد المحظوظين الجريئين القادرين علي البوح الذين لا يمشون علي السطر.
وهؤلاء غالباً يتم اصطفاؤهم من هذه النخبة المحظوظة التي لا تقيّد نفسها، ولا تقمع الآخرين.
لم يحب مدرسة الأحد لأنها كانت تهيئهم للموت كل ليلة، كما أنها كانت تلقنهم الآيات المُحرضة علي ترك غوايات الجسد عن
طريق التبتل الممل، فيما تشكل هذه الغوايات الجزء الأكبر من ولعه واهتماماته السرية والعلنية.
ينتهي النص حينما تقوده إيروسا الي الكوخ حيث تظهر له سعاد، وتطلب منه أن يحكي لها حكاية ما، فسرد لها قصة الصبي الذي
كان يخرج عن السطر فتضربه المعلمة بحافة المسطرة. ثم حكي لها عن هواجس الولد الذي صار كهلاً ومع ذلك لم تتحقق كل
رغباته. حكي لها عن إيروسا وناتاشا والمعبد البديل وقصة كوين بوت وما جري في أقسام الأمن وشرطة الآداب، ثم التمس منها
أن يلقي نظرة علي المنتظرين الذين لم تصل ملفاتهم بعد حتي هذه اللحظة. وطلب أن يري صديقه المرمم الذي طيّروه كما طيّروا
سعاد من الشرفة الغارقة في ليلها اللندني، لكي يسأله عن طبيعة حياتهم في ظل الانتظار الطويل، ويرجوه أن يحجز له مكاناً ما
بين المنتظرِين غير أن صديقه المرمم الذي كان يرمم الحكايات الناقصة ذكره بإيثاكا، وقال له بأن الوصول إليها هو قدرك
ونصيبك، فلا تنتظر منها شيئاً سوي الرحلة المدهشة المليئة بالمفاجآت.
لم أستطع الوقوف عند كل التفاصيل الإشكالية الدقيقة التي تتعلق بغوايات الجسد التي وردت في متن النص لكي لا أستفز بعض
القرّاء الكرام الذين يجدون في هذا الكلام خدشا للذائقة العامة أو خروجاً علي بعض الثوابت الدينية والأخلاقية مع أن واجبي
النقدي يقتضي أن ألامس المناطق المحظورة وأتصدي لها بعين نقدية لا تجد في هذه الأمور حرجا.ً ومع ذلك فأنا أدعو القارئ
الكريم لقراءة هذا النمط من الكتابة الإيروتيكة لكي يكتشفها بنفسه، ويحكم عليها وفقا لذائقته النقدية والأدبية. وأنا موقن تماماً بأن
الأذواق مختلفة، ولا يمكن لها أن تتطابق، ف لو تطابقت الأذواق لبارت السلع.
تحرّض إيثاكا قارئها علي الدخول في غابة الأسئلة الفلسفية المحيِّرة علي الرغم من أن هذه الأسئلة قد ترد علي لسان طفل يحلو له
أن يعرف الفرق بين جَنَّة المسلمين المزدانة بالفواكه والحور العين و فردوس المسيحيين التي تضج بالمرتلين والمُنشدين كما تقول
معلمة مدرسة الأحد طبعا!ً حاول الراوي مذ كان طفلاً أن يعرف كُنْه الموت، وأين تذهب الأرواح الخالدة بعد أن تتفتت الأجساد
الفانية؟ ولماذا تطير هذه الأرواح الي السماء، وليس الي مكان آخر؟ يتذمر رؤوف مسعد أحياناً حينما يصفه بعض النقاد بأنه كاتب
ايروتيكي، وهو كذلك لأن هذه المنطقة هي مدار اهتمامه الرئيسي، وقد كرّس أربع أعمال أدبية سيرية لهذا الجانب وهي بيضة
النعامة ، مزاج التماسيح ، غواية الوصال و إيثاكا . فلا أجده مُحقا حينما يقول إنني لست كاتباً إيروتيكياً ممسوساً بالجنس. أنا
ممسوس بهواجس أخري كالحياة والموت والظلم والأقليات والمُهمَّشين ولا يستطع أحد أن يجرّد أعمال مسعد الأدبية من المحاور
الفلسفية والفكرية والثقافية والاجتماعية، ولا ينكر عليه اهتماماته وهواجسه الأخري، وخصوصا تلك التي تتعلق بثقافة الأقليات
العرقية والدينية التي أجبرته في مزاج التماسيح أن يدمج عملين أدبيين في كتاب واحد انطوي علي الكثير من اللبس والتشويش
والارتباك بسبب خشيته من القمع الذي تمارسه السلطة في رابعة النهار.
يعقد رؤوف مسعد مقارنة ظريفة علي صفحات إيثاكا بين اختزال الأديان السماوية في فكرة النهر أو التعميد أو التطهير ولا يلقي
هذا الاختزال رفضا أو اعتراضاً، بينما يعترضون علي فكرته في اختصار الجنس واختزاله في جزء محدد من الجسد كأن يكون
الكف أو القدم أو بطة الساق.
وفي ختام هذه القراءة النقدية أستعير من كوليرج فكرته الثاقبة التي تقول إن حياة الإنسان مهما كانت تافهة، ستكون مُمتعة إذا
رُويت بصدق وأجزم بأن السمة الأساسية في أعمال رؤوف مسعد هي الصدق والصراحة والجرأة الخارجة عن المألوف.
كاتب من العراق
اسم الكتاب: إيثاكا
المؤلف: رؤوف مسعد
دار النشر: ميريت، القاهرة
الطبعة الأولي 2007
*****************
فن التعبد ..
فن التوله في الشريك
اليوجي الخبير يجب عليه دوما أن يتعبد في الطاقة الأنثوية . طبقا لتعاليم تانتارا فعلى الإنسان أن يعبد ألأم
والشقيقة والابنة والزوجة وجميع النساء. وإثناء تعبد كهذا يجب أن يكون هناك التأمل في التوحد الأبدي المطلق
بين الحكمة وأساليبها، أي بين الأنثى ومبادئ الذكورة .
فالإلهات تنبعث من جميع النساء ..
بينما يقوم الجميع بعبادة الإله السيد.
إن التعبد هو جوهر العبادة ؛ وهو طريقة مؤكدة لإيقاظ الآلهة الكامنة في الجسد.تؤكد تانتارا على أن كل من
الرجل والمرأة أن يقوما بعبادة أصولها الإلهية.
أن الهيكل الجسدي لهو مكان تعبد حيث تستطيع التواصل مع طبيعتك الأصلية . ليس هناك اقدس من معبد
الجسد، ببواباته التسع وطاقاته الشمسية والقمرية، وعناصره الخمس وحواسه المتعددة وعقله. فالزهور
والعطور وضوء الشموع، والموسيقى والطعام ،جميعها تُستخدم في التعبد في التنتاريك لدفع العقل برقة باتجاه
معرفة الروح والنفس.
أن التعبد طبقا التانتارا يمكنه أن يتخذ ثلاث هيئات: خارجي ، داخلي أو مزيج من الاثنين . فالتعاليم تقول :
أن ذات الأفعال التي ربطتنا بالدنيويات وبعدم الإحساس بالوعي يمكنها " إذا ما احسنا استخدامها بشكل
صحيح، أن تحررنا"
أو كما يقول حكيم آخر " يمكن للمرء أن ينهض من سقوطه مستخدما ذات الأسباب التي ادت لسقوطه"
هذا هو لب التعبد في التنتاريك والذي يستخدم المزج بين التعبد الخارجي والتعبد الداخلي.فإن اصطلاح تانتارا
يعني عمل نسيج واعي بين الوقائع( جمع واقع ) الداخلية وتلك الخارجية .
أن تلك النشاطات الواقعية المحددة مثل تناول الطعام والشراب والمشي والنوم ؛ يمكن ربطها مع روح التعبد
وذلك بممارستها بشكل واع وباحترام.فليس هناك أي نوع من النشاط الانساني لا يستفيد من العلاقة مع روح
التعبد. العبادة هي معبد الحب، بالرغم أن الممارسات الغرامية هي اقصر الطرق للحصول على اللذات .
كانا يتمشيان هو وساره في يومهما الثاني في الظهيرة في تلك البلدة على المتوسط الايطالي - قبل أن يطلب الاختلاء
بها في الليل. مهد بقوله إنه يكتب قصة هي شخصيتها الأساسية. بالفعل حاول منذ أكثر من سنة أن يكتب هذه القصة عن
واحدة مثلها تبدو مستعصية. شخصية محورية ومركبة، قصة تدور أحداثها في وقت قصير للغاية؛ بضع ساعات مثلا.
لم يكتبها لأنه لم يجد الحرارة الداخلية للبدء. الآن يستغل الفكرة لكي يجذبها تجاهه ويخلق هذا الرباط بين الكاتب
وشخصياته الحية. اندهش من سهولة وقوعها في الفخ. طبيعته الشكاكة جعلته يتساءل هل بالفعل بريئة كما تبدو وكما
يحب أن يراها.
اتفقا بشكل غامض أن تساعده في الكتابة. لم يقل كيف. كان لا يعرف ما الذي سيحدث بعد ساعات ولم يكن يتوقعه ولا
هي أيضاً. ترك الأمر معلقاً .
وحينما رجع إلى بيته في مدينة أخرى وبحر آخر، قرر أن يواصل اللعب والجد خاصة بعد خطابها الذي طلبت منه أن
يعتبر ما حدث قد حدث ولن يتكرر .
سحب قدمها "الحلوة!" وتراجعت عن إعادة الكتابة التي قلت لها عنها. قصتك. قصتنا لكني منتظر منك تنفيذ وعدك
أكدت له " التزامها واستعدادها "
بدون حماس حقيقي كتب حتى لا يفقدها. و بالتدريج أخذت القصة تأخذ قوتها وحياتها الخاصة المستقلة عن أحابيله
وفخاخه. تستولي عليه بالتدريج؛ يتوقف عن الكتابة في الرواية البوليسية
1
ليتفرغ للقصة التي تمكنت منه. لم تعد حتى
ترتبط بها كما تظن أو حتى به
سقط في فخه خلال كتابة القصة .
حاول أن يكتب بصدق بقدر الإمكان؛ فاكتشف ما كان خافياً عنه خلال اليومين في البنسيون. اكتشف سأمه الذي كان
يخفيه تحت أقنعة سميكة؛ سأم من مواصلة العيش بالمطلق وانكشاف الوهم المتعلق بالحياة والرفاق القدامى والعديد من
الصداقات القليلة الباقية وانزعاجه الغريب والعصابي من أشياء كانت يعتبرها تافهة في الماضي. إحساسه بالكسل
الذهني المتزايد وجزعه ألا يجد موضوعاً للكتابة .
الكتابة في القصة جعلته يتفحص حركة حياته في السنوات العشر الأخيرة؛ إنجازاتها وإحباطاتها وفشلها. وأن يتأمل
مصيره ومصائر من يعرفهم .
1 كنت قد بدأت بتجربة كتابة رواية بوليسية عن "مفتش " بوليس مصري اسميته حورس سافر إلى لبنان للبحث عن كاتب – وهو صديقه أيضا – اختفى
منذ اسابيع في لبنان . اكني توقفت عن الكتابة في القصة نهائيا لإحساسي بعدم امكانيتي دخول هذا المجال من الكتابة رءوف
معرفته بأن الحب تغذية حاجة بدائية في الاتصال برفقة و ونس، كما يحدث عند الحيوان. فالبشر في رأيه يعطون هذه
الحاجة بعدا وأهمية كبرى، يجعلونها هدفاً وليست وسيلة، ومع معرفته بكل هذا وسخريته الدفينة والمعلنة أحياناً من
الحب وقراره السري بأنه كان بالغ الحمق في شبابه ورجولته بأن يسقط في الحب. يقول ساخراً لمن يستمع إليه "تخيل
تعبير يسقط في الحب تستعمله معظم اللغات؟ هل تقع على أم رأسك بعد أن كنت تسير بشكل طبيعي فتكون النتيجة أن
تفقد حسن الإدراك؟ " ألم تقع على أم رأسك؟ يعلم بغريزته التي لم يفقدها أنه وقع على أم رأسه وحتى لو لم يقع على
أرض صلبة. على مؤخرة مثل مؤخرتها وبين أفخاذها .
لهذا جاءت الكتابة وظهرت مشاعر كانت منسية مثل أوراقه التي كان يضعها في ملفات وينساها لأنها غير مستخدمة؛
أزاح التراب وفتح الملفات وأعاد استخدام مشاعره ومعها عبارات وكلمات كان قد كورها بلا عناية لتقبع داخله؛ لتخرج
الآن مقلوظة ومصقولة؛ ويا للدهشة. قديمة لكنها تحتفظ بتأثيرها السحري .
يعلم أنها لن تشاركه هذه المشاعر؛ معرفة مريرة، لكنها مرتبطة بالصدق الذي انفصل عنه وأخذ يفرض نفسه عليه الآن.
هي لن تشاركه هذا. لأنها حسب رأيه قد وضعت مشاعرها في منطقة أخرى لا علاقة لها بصاحبها أو بالبعد الجغرافي.
لأنها ببساطة تبتعد عنه مسافات ضوئية. رؤيتها ل"الحب " مختلفة تماما عن رؤيته له، مثل رؤيتها للحياة وملحقاتها؛ بما
فيها الموت .
مرارة لا سبيل لتجاوزها أو إصلاحها أو أقلمتها أو تهذيبها. لا سبيل على الإطلاق لشيء. بالرغم من أنهما من نفس
النوع الإنساني إلا أن قانون الانتقاء الطبيعي يعلم هو يدمر نوعه ويطور نوعها. يبقي نوعها وينميه ويرقيّه؛ بينما
يرجع هو مرة أخرى إلى الأشجار. ستبقى هي في الغرف المدفأة والصالات المكيفة تستمع لأنواع غريبة من الموسيقى
وتصاحب ذكوراً من نوعها وتواصل البقاء والإبقاء على سلالتها وسلالتهم. تواصل إمداد العالم بنوعها ونوعهم .
بينما سيندثر هو مثلما اندثرت الديناصورات، فلم تعد لها فائدة ؛ بينما بقيت وتواصلت ديدان الاميبا !
يعلم أن المرارة ناجمة من عجزه عن التغيير ومن قدرتها على اللامبالاة بالتغييرأو بما يحدث لها. باهتمامها ونوعها من
البشر بالجليد وانهياراته في القطبين الشمالي والجنوبي وعدم مبالاتها، وحتى عدم اهتمامها أن تعرف كم ألفا من البشر
يموتون يوميا من الجوع؟
يراقب بقلق هذا المود الشرير والمزيج من الرثاء للنفس- لديه- وتصيد العيوب عند الآخرين. كيف أظن أنى أحبها
وأتصيد عيوبها وعين المحب عن كل عيب كليلة؟ .
لكنه يعلم أنه حاول أن يصل وفشل. لن يستطيع العودة من حيث قدم ولن يقدر على الصعود. يبقى معلقا في الهواء يسبح
ويصرخ دون أن يسمعه أحد .
ما حدث له في تلك الليلة بالفندق لم يكن سوى تكرار ل"حوادث" مشابهة جرت له وتجري بين وقت وآخر لكن ليس
كثيراً في الأوقات الأخيرة. أية أوقات أخيرة؟ هل منذ أن انحدر إلى الستين أم قبلها بقليل؟ بكثير؟ متوسط.. معقول؟ أم
في الخمسينيات من عمره ولم يعر الأمر اهتماماً؟ أم حينما بدأ مثله مثل غيره في هذه الرحلة المرحلة من العمر يهتم
سراً بالتغيرات في جسده؛ ترهل البطن، كرمشه جلد الرقبة، كرشة النفس والنهجان، آلام مفاجئة ومتقطعة في الركبة
وفي الرقبة وفي العمود الفقري، نسيان الأسماء واختلاط في الوقائع والتواريخ ثم وهو الأهم بالنسبة له فقدان الرغبة
الجنسية.
بدأ عدم المزاج كما يطلق عليه منذ سنوات لم يستطع أن يضع إصبعه عليها. في البداية تباعدت مرات اتصاله الجنسي
دعنا نتفق على هذا المصطلح بزوجته. مرة مشغول بشيء ومرة منشغل البال بشيء آخر. هل هذا حقيقي وصادق؟ في
الأغلب بالطبع؛ فالزوجة تعمل بانتظام في مواعيد عمل غريبة قاسية وغربية أيضا عليه، معتادة، في الشمال الأوربي
.استيقاظ في السابعة. خروج من البيت بين السابعة والنصف والثامنة إلا ربعاً والعودة بين الخامسة والسادسة كل يوم.
خمسة أيام في الأسبوع مهما كان الطقس الذي غالباً يكون ممطر وعاصف وبارد حتى في أسابيع الصيف النادرة
ومعظم الأحيان تصل البيت متعبة، مع العلم بأنها أصغر منه ستة عشر عاماً لكنها قامت بإنجاب طفلين لهما إن جاز
التعبير وكعادة أهل البلد تعطيهما وقتها الخالي القليل مشغولة ومنشغلة بالمستقبل الذي يبدو بدون مفاجآت مثل حاضر
ومستقبل الكثير من العائلات مثلهما. مستقبل الطفلين؛ المدارس، الأزمات المفاجئة كدخول بنت الثانية عشرة بنتهما
في دورة الحياة النسائية بالإضافة إلى عدم اهتمام الصغير بالرياضة البدنية أو بالقراءة؛ اهتمامه تليفزيوني .
بين ما يحدث في أسرته، وبين الحياة الغربية بشكل عام التي يشارك فيها بجزء ضئيل ويتجاهل معظمها؛ يبدو بالفعل
مشغول ومنشغل بحواديته وكتاباته وأمراضه الحقيقة والمتوهمة .
وبين روتينه وروتين الأسرة ومفاجآت قليلة هنا أو هناك لم يستطع أن يحددها بالدقة مع أنها أصبحت تؤرقه الآن؛ متى
وأين ولماذا حدث ما يحدث له؟
وجد نفسه بعد ليلة الفندق في منطقة ظن أنه نسيها؛ دحلبة النساء دحلبة تفضي إلى تمكين الواحد له من نفسها له لكي
يتمكن من ولوج الروض العاطر والتمشي بين أفنانه يشمم وروده ويمسح خدوده في أعطافه ويسقي جفافه من سلسبيله .
هكذا استطاع ان يصل الى حل جميل مع اناث محددات لا يريد اجسادهن الا بقدر محدود وخاص مثل جزء صعير
منها ..
الحل هو عبادتهن و التعبد لهن
الالهة الانثى !
تابع تأثير الثقافة و الفضاء المسيحي على كتاباتي
عن القديسات و النساء و الإلهات
ا ين م ة ب ي العلاق ل ف منذ زمن - أي منذ الستينيات من عمري و أنا الآن 83 ( في عام 2020 ) - وأنا أتأم
اكتب و "بيني أنا " خاصة فيما يتعلق بالحب و الجنس و النساء و الإلهات.
ل سحة وعم ة ف اء رحل ال " إثن ة الوص ة ل "غواي فمنذ سنوات وكنت أتابع كتابة واحدة من المسودات الأولي
ل و قصيرة إلى فرنسا وفي ليون تحديدا.. وجدتني اكتب عن طقوس " التدشين " لما قرأت عن بعض القبائ
وغ ة البل ة لمرحل اطق الإفريقي ض المن ازون و بع ة الأم ي منطق رة ف ى الفط الجماعات التي ما تزال تعيش عل
للصبية و الصبايا وابتدعت شخصية " إيروسا السمراء " باعتبارها كاهنة ايروتكية .
ماهن اث و اس ض الإن ية بع ا لقدس ا ثابت دما أساس سي ق اثوليكي و الأرثوذك ديني الك شعبي ال ال ال ا أن الخي كم
وت ي البي صغيرة ف اثيلهن ال شموع لتم شعلون ال ائفتين وي ن الط ن م ون به يهن المؤمن صلي إل سات " ي "قدي
وأروقة الكنائس .
ا ن اعتباره وقد دارت حرب طحون في القرون الأولى للمسيحية حول " تطويب " السيدة العذراء وهل يمك
آم الإله ؟
بل ويذكر البعض قصة "ظهور السيدة العذراء " عقب هزيمة سبعة وستين على برج كنيسة العذراء بالزيتون
ور ذا الظه شاهدوا ه سيحيين لي سلمين و م ن م اس م من ضواحي القاهرة و كيف زحف عشرات الآلاف من الن
ائم ألعجائبي . وجاء تفسيره أن السيدة العذراء " تقف " وتضامن و نظهر " نفسها و روحها " على شكل حم
تظهر فوق برج الكنيسة .. متضامنة مع شعب مصر المنهزم في حرب سبعة وستين .
ن اث م ضهن إن ار بع ساء " باعتب ي " الن ل ف ة و التأم ل الكتاب ثم اكتشف اني قد وصلت في مرحلة من مراح
سلالة الإلهات جديرات بالتعبد وكاهنات معابد الجنس التي يحملنها في أعطافهن و أجسادهن ..
و ات " وه لالة الإله ن " س ارهن م لعله تحول خاص بي في رؤيتي الجنسية و العاطفية لبعض الإناث و اعتب
رب " ر الع سلمين و غي تفسير لا يخصني لوحدي لكنه أيضا يوجد عند العديد من المبدعين "خاصة غير الم
بتقديس الأنثى او على الأقل بوضعها في مكان عال ( أثيري و سماوي ) مختلف عن "اليومي " للإناث
رت رأت و أش وبالفعل وجدت إناثا قليلات للغاية ( متجسدات كما تخيلت ) أحببن هذه الصفة فيهن عندما تج
لهن بذلك .بل وقبلن فكرة "إلوهيتهن " بطرقهن الخاصة .
ة ريم المجدلي ريم و م ذراء م سيدة الع المسيحية بتأثيراتها المختلفة و المركبة قدمت لنا " المريمات " وهن ال
ة ول الحكاي ا تق لبه - كم د ص ره بع ومريم زوجة كلويا اللاتي آتين لوضع الحنوط على جسد يسوع في قب
الإنجيلية - حسب العادة بعد ثلاثة أيام من الوفاة .
ين ل و بق ن الجلي صلوب م ع الم افرن م ات س رة أن المريم ا ازال - بفك ب – و م باي أعج ي ص وكنت ف
ق بجوار الصليب ( في بستان جثماني في أورشليم القدس ) حتى اسلم الروح ثم عاصرن الدفن .. بينما لم يب
ذراء سيدة الع عند الصليب من الذكور و التلاميذ الاثنين عشرة سوى يوحنا الذي أشار المسيح إليه ثم إلى ال
بقوله هو ذا أمك و ليها هو ذا ابنك ..
ة ؛ سميات مختلف ن بت اريا لك ضها س أن فكرة الأنثى المقدسة او تلك المسماة حسب الأساطير التي ما يزال بع
قد ألهمتني أفكارا متعلقة بالكتابة كما تكون متعلقة بالرؤيا اليومية لبعض الإناث اللاتي التقيت بهن .
ي سبة ل نس بالن بح الج دما أص ري عن ن عم ستين م والي ال ي ح دأت ف اتي ب ن حي اعتقد أن هذه المرحلة م
"بهجة " غير مرتبطة بالإيلاج لكنها مرتبطة أكثر بجسد الأنثى او أجزاء من جسدها تسمح لي صاحباتها أن
"أتعبد " فيهن و في هذه الأجزاء ..
دون وي ب ل حي ة " كفع ة الكتاب تطيع "ممارس ن اس م أك ضا فل شية أي ة الفيتي ة الكتاب دي مرحل وهكذا بدأت عن
ول ل و المفع اريخ الفاع اط بت ة الارتب نس العميق اهر الج ن مظ ر م شيزم كمظه ة الفيت ة ممارس تجرب
على"الأغلب"وقد كتبت عن الفيتشيزم بداية في الفصل المعنون بالسيدة الملتحفة بالفراء في " ايثاكا "
******
حكيت لطبيبتي عن الحفل .
سألتني
-ماذا فعلت هناك وتذكره الآن ؟
دائها ن ارت دلا م اء ب رين الغرب ام الآخ سائية أم ا ن إنه اول حفل من هذا النوع. اول حفل لي ارتدي فيه ثياب
أمام نفسي في المرآة . اول مرة أعلن فيها بوضوح لنفسي وللآخرين أني أريد هذا.
صديقتي ساعدتني أن أكون صريحا.شجعتني .
هذه أول امرأة أكون صريحا وشجاعا معها.
اع صديقتي اقترحت أن أضع قناعا على وجهي حينما أخذتني إلى غرفة مكدسة بالملابس. قالت وظيفة القن
ة إخفاء الشخصية الأصلية وإعطاء الحرية للشخصية الأخرى المختبئة داخلي للظهور. نقبت بين الثياب والأقنع
حتى وجدت قناعا لوجه امرأة جميلة . شجعتني على وضعه وقادتني إلى المرآة أتبين وجهي الجديد. خفق قلبي
دي. ي ارت ا وجعلتن احبتي ثوبه ت ص ة . خلع ائق قليل ي دق وقفت صامتا أتأمل مذهولا المرأة الجميلة اصبحتها ف
قالت أن ارتدائي لثوبها سوف يخفف غربتي في عالم ادخله للمرة الأولى .. وبالفعل حينما وضعت ثوبها فوق
ا ضا قناع ي أي عت ه ه . وض صنوع من سيج الم سدها والن ة ج جسدي العاري أحسست بالألفة . رائحتها ورائح
على وجهها . قناعا ذكوريا بقيت عارية وخرجنا إلى المحتفلين بهذه الهيئة .
- هل غازلك رجال أو هل غازلتهم أنت؟
ذا اره ه ي . أث اوب مع ا تج رأة .حينم أني ام ه ك صرفت مع -غازلني بعض الرجال . وغازلت أنا شابا وت
أكثر وطلب مني أن أتصرف معه كما كنت ساعتها . بقناع أنثى وثيابها وجسد رجل.
كنت ذكرا وأنثى في الوقت ذاته .
- قل لي إحساسك ساعتها
ة ة ونعوم ا ، رق ا أن ا أتخيله ة كم وق . بالأنوث ة والتف اص بالرق ساس خ ل. إح ن قب ره م م اختب ساسا ل - إح
واستجابة.
-وماذا عن التفوق ؟
ى . ة انث را ولحظ ون ذك ة أك ي لحظ - إحساسي بالتفوق نجم أني املك القدرة على التحولات مثل الآلهة. ف
اتخذت لي بعد ذلك في حفلات مشابهة اسما أنثويا عرفوني به حينما ارتدي الثياب النسائية.
ون احبتي . تك ا وص ا ان سب مزاجن ى ح را او انث صا ذك ا شخ أحيانا كنّا نستأجر غرفة في فندق ونجلب إليه
صاحبتي أو أنا قد اتفقنا على ممارسة الجنس معه او معها لوقت محدد ( فلا نريد لغرباء إن يعرفوا عنواننا)
كانت علاقتنا الجنسية في أوجها .
-هل واصلت ارتداء الثياب النسائية ؟
ا دلا منه عت ب ة ووض ت الأقنع ة . وترك لات خاص ي حف احبتي وف ع ص ة م اء العلاق رات إثن ضع م - ب
ت ا . كن دائها علن ى ارت رؤ عل م أج ماكياجا نسائيا وشعرا مستعارا , انفصلت عن صاحبتي وواصلت الترحال ل
ة ارس التجرب ررت أن أم يارة، ق ت س ا امتلك دة حينم رة واح رآة. م أرتديها أحيانا في شقتي واستعرض أمام الم
ت ديتها وعمل زل وارت ان منع ى مك سيارة إل ت بال ة وذهب ي حقيب سائية ف اب الن عت الثي ة. فوض بطريقة مختلف
رأة . ماكياجا وسقت السيارة إلى أماكن هادئة . سقت ببطء وتعمدت أن التقي بنظرات الرجال الباحثين عن ام
ور م أرد أن أط ي ل رر .لكن ا أق سب م أسمع غزلهم وأتقبله بابتسامات وأحيانا بضحكات خجولة أو مغناجة ح
هذه الحالة إلى أكثر من الغزل من ناحيتهم وقبولي له من ناحيتي.
ثم هجرت كل هذا وحرقت الثياب النسائية والماكياج والأقنعة .
-لماذا ؟
-لماذا ؟أ مع رحلة الحياة وصعودي السلم الاجتماعي والاقتصادي واندماجي في الأطر العامة للمجتمع.
قلت لنفسي كفي يا نفس عن مثل هذه الألعاب وقلت لنفسي أقنعها، أنها كانت مرحلة في حياتي وانتهت. قلت
لنفسي أن كل مرحلة في الحياة تتطلب أداء خاصا. قلت لنفسي أن هذه المرحلة الجديدة من حياتي ستكون مثلما
أتفق عليه الجميع ( أو معظم الناس ) على طريقة كل ما يعجبك وارتدي ما يعجب الناس .اهم شيء حتى لو
ارتديت ما يعجبني يكون سرا بيني وبين نفسي ومع من يشبهني.
*****
فقرة من رواية زجاج معشق
Venus in Furs “ A story of Obsessions “by Leopold Von Sacher –Masoch بشير الكاتب هنا إلى رواية
وحسب علمي فهي لم تترجم بعد إلى العربية . والفقرات المنقولة هنا هي من ترجمتي أ إنها اول رواية تتحدث عن " العبودية الذكورية الجنسية للأنثى
" حيث يعتبر المؤلف النمساوي ( بطلته ) سليلة الآهات الماضي .
Masochism ونجد أن فرويد يعلن أن هناك اتجاها جنسيا كاملا اتخذ اسمه و صفته من " مازوخ " المؤلف ليصبح "مازوخية
أي طلب و قبول "قسوة خاصة " من سيدة يعتبرها "البطل " سيدته التي يجلها و بل يقدسها .. وإذا تأملنا في رواية "دون كيشوت " سنعرف أن الفارس
العجوز خرج ليدافع عن "محبوبته " الوهمية ويعتبران طواحين الهواء هب الأعداء الذين يجب أن يقاتلهم دفاعا عن شرف محبو بته .
يعرّف لنا فرويد بطلة الرواية ان لها علاقة باسمه ؛ وبالتالي اشتق منظرّو العلوم والأبحاث الجنسية وعلى رأسهم فرويد اصطلاح
"مازوخيزم " وهو يعني من ضمن معان كثيرة استجلاب المتعة الجنسية عبر " القهر او الإخضاع او العنف الجسدي للطرف المستقبل "
وهو الاصطلاح المقابل للسادية المشتق من المركيز" دي ساد" ورواياته أيضا ،أي استجلاب المتعة الجنسية عبر الاستخدام الجسدي للعنف ومترادفاته
الأخرى من "الفاعل للمفعول" .. فالفاعل سادي والمفعول به وفيه مازوخي . وليس بالضرورة ان يكونا ذكرا وأنثى بل تجد احيانا - وبكثرة احيانا
اخرى – ان الانثى المستقبلة للجنس( الذكوري او الانثوي ) تكون - في الأغلب سادية/ مازوخية
فليست هناك حدود واضحة في الأنثى السادية المازوخية فهي تتعامل مع الذكر حسب ما تمليه عليه نوازعها الداخلية . وحسبما تحب أيضا أن
ترضيه أن كانت بينهما علاقة قوية جنسية / عاطفية .
وفي أحياء الدعارة المنظمة والعلنية ، تعلق بعض الغانيات إشارات واضحة عن استعدادهن للقيام بالدور الذي يطلبه العميل نظير اجر إضافي. وقد
اهتممت أنا هنا بالشرح المطول ؛ لأن "المترجم " في سعيه خلال عمليات " الفرجة واستجلاب المنامات " المتكررة والمتواصلة والمتقطعة "هنا "
ممسوس بالبحث عن " إلهة " يتعبد لها وتستعبده ( يلاحظ القارئ هنا المجاز ) وبدون فهم من القارئ عميقا ، لمبدأ التعبد والعبودية " الجنسية " لن
يستطع القارئ ان يستمتع بالفرجة التي يريد المترجم أن يشاركه فيها باعتبار أنه "فوايير " يستمتع بالفرجة الجنسية .كذا فهي أيضا مرتبطة مع "منامات
" المترجم الموجودة "خارج النص " وهذا المقصود منه أن يتابع القارئ فهم المنامات وعلاقتها بالكهف المنسي للذكريات القديمة المدفونة بعمق داخل
الاضابير الداخلية للذاكرة ..
ومعناه " التفرج المتلصص الجنسي من خلال المشاهدة والتفرج " وعادة voyeur ..والتفرج هنا هي ترجمة المترجم النقادي لاصطلاح
يقوم به أشخاص لا يشاركون في الفعل الجنسي عمليا لكن " بالتفرج المتلصص" وهو من وجهة نظري موجود بقوة في " الشاتنج
والدردشة الجنسية وملحقاتها " في الانترنيت الذي تقوم أجزاء كبيرة من هذا العمل عليه!- الكاتب
فقرة توضيحية من رواية " زجاج معشق" لي
ثانيا :حكايات المرمم لطبيبته عن آلا هته القديمة وعن حيواته السابقات .
قلت لها : كنتُ أذهب سرا إلى بيوت الدعارة وأدفع ثمن رغباتي التي أتهيب إن أفصح بها
لزوجتي أو عشيقاتي. لكن توقفت بعد فترة عن ذلك لخوفي من الفضيحة.
أصابتني الأمراض الوهمية والحقيقية والعصبية . بدأت بتناول الأدوية المهدئة وأصبحت
خبيرا بها . ضيعت روحي وأهملت آلهتي التي كانت تحرسني وتقودني. لم أكن أعرف
أني ضيعت روحي .آلهتي كانت رفيقة بي فلم تحول وجهها نهائيا عني بل تحاول أن تجعل
عقلي الجاهل وروحي الحمقاء تنتبه إلى أخطائي. ترسل إلى التنبيهات والإنذارات , الآمراض
والكوابيس . حتى بدأت أعي الموقف واتخذت الخطوات التي هدتني آلهتي إليها . هجرت
أعمالي التي كانت تدر عليّ الأموال .الرؤى تضيء دربي بين وقت وآخر تنير لي بعض ما
غمض عليّ. تكشف لي كيف أغير حياتي وتقودني إلى العمل في الترميم . اتخذت الخطوات
المطلوبة . تصالح جسدي مع روحي وتناغما ولم اعد ممزقا بينهما بل أصبحت مطالبهما موحدة
ومتناغمة وواضحة. . تركتني الكوابيس التي كانت تناوشني وعرفت أني اقترب من الطريق
الصحيح. لكل إنسان طريقه الصحيح ولكن العديد من البشر يضيعونه والكثير منهم لا
يكتشفونه . صارحتُ زوجتي في رغبتي في الانفصال. تفهمت موقفي بصعوبة . تحبني
بطريقتها الخاصة مثلما أحبها بطريقتي ، انفصلنا كأصدقاء وبدأت أمارس ما كنتُ احلم به
وأتهيب من ممارسته. ويا للغرابة وجدت شركاء وشريكات يتقاسمون أفكاري برغائبهم
المشابهة لرغباتي دون إحساس بالخجل أو التهيب من الآخر .
هذه واحدة من بركات آلهتي لي .
آلهتي بدأت أتعبد لها سرا أن يقتلني الآخرون.
**********
جريمة تعذيب وقتل إثناء التعذيب او إهمال علاج السجناء ؛ هي جريمة في عنق عبد الناصر
شخصيا ..ففي عهده تم فتح النار على سجناء من الإخوان المسلمين في سجن أبو زعبل في
أول يونيو 57 والسب المعلن أن المساجين من الإخوان قاموا بحركة تمرد فتدخلت الشرطة
المسلحة في العنابر وفتحت النار وتم قتل حوالي 27 سجينا ( المراجع موجودة وموثقة )
مثلها جريمة قتل مجموعة من المتهمين من الإخوان المسلمين في عهد السيسي في سيارة
ترحيلات من سجون في القاهرة الى سجن خارجي ..
ومهما كانت الدوافع فلا يمكن السماح بقتل سجناء او معتقلين عُزل او تعذيبهم منهجيا او بشكل
مؤقت لانتزاع اعترافات .
وقد كتبت انا عام 2015 شهادة في جريدة القاهرة بتاريخ عن مقتل شيماء النشطة اليسارية
في شارع طلعت حرب في ذكرى ثورة يناير ..تم قتلها جهارا نهارا على يد ضابط اسمه يسين
وتمت محاكمته بعد تدخل عدة جهات سيادية وخاصة رئيس الجمهورية ( السيسي) لكن
محكمة النقض او الاستئناف لا اذكر الآن أطقت سراحه
وكتبت أيضا ومقتل المحامي الاخواني نتيجة التعذيب بضع ساعات في قسم شرطة المطرية -
القاهرة.
الاولى قُتلت بدم بارد في شارع طلعت حرب وهي تحمل باقة من الزهور بهدف وضعها في
ميدان التحرير في ذكرى الثورة وشهدائها.
والثاني في قسم شرطة المطرية حتى بعد اعترافه بأنه منضم الى تنظيم الإخوان المسلمين
وتسجيل اعترافه هذا وتم قتله بواسطة ضابطين من الأمن القومي المخابرات.
وجرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم طبقا للدستور المصري.
*************
من الأوراق الأخيرة
بتاريخ 5 سبتمبر / أيلول 2016
غير معروف حاليا العدد الحقيقي لسجناء الرأي السلميين في مصر ( في عهد السيسي ) أي الذين لم تتلوث
أياديهم بدماء المصريين من مدنيين وجيش وشرطة والذين حينما تم إلقاء القبض عليهم لم يكن معهم أسلحة
من أي نوع. هؤلاء الذين ترصدتهم قوى الأمن لأسباب سياسية وشخصية او لكليهما والذين ألقت القبض
عليهم عشوائيا في الشوارع والمقاهي او في بيوتهم, ومن وقت لآخر تخرج الميديا المصرية بخبر عن إفراج
او عفو رئاسي لكن حتى يوم كتابة هذه السطور لم يحدث عفو رئاسي عليهم .
ولا اريد الدخول هنا في قضية مثل قتل الباحث الايطالي جوليو روجيني في مصر إبان تجميع مواد بحثه
..بحيث كان تشريح الجثمان يؤكد وجود كسور بالعظام وإحراق للجسم بمواد مشتعلة مثل السجائر..الخ
لكن من يريدون الرجوع الى المادة الأصلية عن جوليو روجيني سيجدون مبغاتهم في النيت .
ستبقى تجربة السجن من التجارب البالغة الخصوصية للجنس البشري . فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي
"يسجن " من يعتبرهم "مجرمين " ويقع تحت هذا التصنيف قانونيا المعترضين سياسيا على نظام حكم ما
..وليس بالضروري أن يكون الاعتراض مسلحا ؛ لكن الحاكم يعتبر أن كل من "يعترض" على نظام حكمه هو
في البداية والنهاية شخص مجرم ..لذا اخترعوا نصوصا في القانون تقوم بتجريم العمل السياسي المناوئ
للنظام حتى لو كان سلميا ويصنفونه قانونيا " بمحاولة قلب نظام الحكم بالقوة " !!
من الأوراق التي كانت مختفية ووجدتها
2016 ) ومحاولة ترتيب المكتبة التي ضاقت بكتبها 9 – خلال كتابتي ومراجعة ما اكتبه ( تاريخ اليوم هو 25
فألقت يبعضها على الأرض وجدت "دفترا " طويلا بغلاف مقوى فتحته فإذا بالصفحة الاولى عدة عناوين يبدو
إني كتبتها لاختار منها مثل " كتاب السجن " وكتاب المراقبة والغدر" و "خارج الزمن داخل الوقت "وهو
بالطبع عنوان ملغز
وكتبت عنوانا جانبا من أقول السجناء " العاديين " هو : لا سجن أتبنى على سجان ولا سجن أتبنى على مسجون
لكن الأهم هو تاريخ سجلته وأنا عادة أهمل في تسجيل التواريخ هو
1988 - 8 - البداية 10
وفي ملاحظة جانبية كتبت " شرح الوضع في السجن
أ العلاقات الجنسية
ب- الحب عند السياسيين
ويبدو إني منذ أعوام سابقة منشغل بالسجن والغدر والمراقبة والحب والجنس عند السياسيين السجناء في مصر
وغيرها من البلاد إن أمكن بل إن واحدة من أجمل وأعذب الروايات التي قرأتها عن الجنس في السجن مترجمة
kiss by الى الانجليزية وعنوانها قبلة المرأة العنكبوت
Spider woman
Manuel Puig للكاتب الأمريكي اللاتيني ما نويل بيوخ
ولن احمل القارئ عبئا حتى بتقديم ملخصا للرواية لكن الجنس في السجن بين السياسيين هو مادة روائية غنية
لمن يعرف كيف يكتبها!
كتاب السجن
1988 - 8 - كتاب الغدر- أوراق مكتوبة ابتداء من 10
هذه أوراق في دفتر طويل ممزقة بعض أوراقه ومكتوب على بعض صفحاته بالعنوانين السابقين فلم أكن أيامها
امتلك كمبيوتر . على بطن الغلاف الأول الداخلي كتبت بخط مختلف وحبر جاف مختلف" كتاب المراقبة
والغدر"
ثم تحت خط يقسم الغلاف
-1 شرح الوضع في السجن
- العلاقات الجنسية
ب- الحب عند السياسيين
******************************
كتاب السجن
وكتاب ما بعد السجن
ولدت زوجتي أنا ماريكا في امستردام ابننا كما ولدت قبله – سنوات ثلاث - ابنتنا في مدينة
اخرى حيث كانت تقيم مع والديها آنذاك بعد انفصالها عن زوجها ..
لكن هذه قصة اخرى لا تعني القراء الا بالقدر المحدود والمرتبط بي وبمصيري .
قبل ذلك حينما كنت أعيش مستقرا في القاهرة بعد عودتي من بيروت في صيف 1982 قبيل
الخروج المأساوي للمنظمات الفلسطينية الى المنافي نتيجة توغل الجيش الإسرائيلي بقيادة
شارون داخل لبنان واقتلاع الفلسطينيين من لبنان .. كنت أعيش في شقة صغيرة ( غرفتان
وصالة بشارع إسماعيل محمد بالزمالك) خصصنا نصفها لمكتب دار شهدي وكنت أنام وأقيم في
الغرفة الثانية ؛ حيث كانت الشقة ترجع الى السيدة روكسان أرملة شهدي ( بشكل ما عبر عائلتها
اليونانية المصرية ) كنت اكتب بعض الفصول المتناثرة من بيضة النعامة بخط اليد فلم أكن قد
تعلمت – بعد- الكتابة على الكي بورد والكمبيوتر الذي أتعامل به الآن في معظم أحوال الكتابة ..
وبعد أن تعرفت على السيدة التي أصبحت زوجتي وأم العيال كنت اخذ ما كتبت من أوراق
وأواصل الكتابة في أمستردام ثم ارجع قافلا الى مصر مرة اخرى وأطالب صنع لله وكمال
القلش بقراءة ما كتبت وان يقولا لي رأيهما .
كنت فاقد الثقة فيما اكتب ..كنت اكتب ببطء ..وأحيانا بدون مزاج !
لكني أيضا لم أتوقف يوما واحدا عن الكتابة أو محاولات الكتابة
*************
عن التعذيب الممنهج احكي
للتعذيب خبرا نفسيين وعملاتيين مثلما اتبعوا ذلك في تعذيب معتقلي جوانتانانمو.
يعتبر الخبراء أن التعذيب الممنهج المتتابع يربي "عادة " عند السجين يسمونها "متتابعة
التعذيب الممنهج "
وتورد هيومان رايتس ووتش في تقريرها في ذكرى اليوم العالمي لمناهضة التعذيب 28 / يونيو
الفقرة التالية : تدل إستراتيجية التعذيب في السجون المصرية إلى عملية
ممنهجة لها قواعدها وأوضاعها التي يتم تعميمها على المعتقلين
السياسيين لاستنطاقهم باعترافات ترغب بها الجهات الأمنية، أو لكسر
المعتقل نفسيا، وأعنف تلك الانتهاكات هي الاعتداء الجنسي على
المعتقلين لإجبارهم على تقديم اعترافات أو استنطاقهم بأسماء
رفقاؤهم السياسيين، ولكسرهم نفسيا وإجبارهم على الاعتراف، فقد
عرضت مُنظمات حقوقية شهادة مروعة لطالب في كلية العلوم بجامعة
الأزهر تعرض لاغتصاب كامل خلال احتجازه وتم تصويره وهدده الضابط
ببث الصور حال تقدمه بشكوى."
**********************
ما اذكر هنا من التعذيب الممنهج يعتمد على روايتين
الاولى ما رواه الذين مروا خلال شهور بالتعذيب الممنه..ما رواه الرواة لي شخصيا وما كتبه
البعض كما أشرت من قبل
المصدر الثاني هو تجربتي الخاصة الشخصية التي تعرضت لها في التعذيب الممنهج
لكن أود هنا أيضا أن اشير الى قضية أساسية متعلقة بالتعذيب الممنهج وهي ان الشيوعيين الذين
وقع عليهم هذا التعذيب ؛انقسموا فيما بينهم بشأن معرفة القيادة السياسية في مصر أي عبد
الناصر والحلقة الضيقة المحيطة به ؛ بما يحدث لهم في السجون ..وجزء أحر يعتقد أن هناك من
أخفى على ناصر وحلقته الضيقة ( وقد يكون من الحلقة الضيقة نفسها ) أمر التعذيب .
لكن من متابعتي هكذا أمرين اعتقد جازما أن عبد الناصر لم يعط أمرا تفصيليا بالتعذيب لعله لم
ينطق الاصطلاح والمعنى والدلالة ؛ لكنه بالتأكيد كان يعلم . ليس علما تفصيليا أيضا ..لكن بشكل
عام " كسرنا لهم مناخيرهم يا ريس " او حاجة مشابهة .
لذلك كان رد فعله أيضا حينما انفضحت "دولة مصر " بقيادته في برلمان يوغسلافيا بشأن مقتل
شهدي تحت التعذيب ؛ انه أمرا فورا بإيقاف التعذيب والتحقيق فيمن كانوا يقومون به.
هل يصدق احد أن تعذيبا استمر لمدة ستة شهور متواصلة في سجن ليمان طره وأبو زعبل وعبد
الناصر لم يعلم به؟
مستحيل!
تواطيء صريح وواضح لحاكم وجماعته حاولوا تطبيق نظرية المستبد العادل .. ولأنها نظرية
فاشلة لا يمكن تطبيق العدل مع الاستبداد وكلاهما نقيض للآخر ؛ فنزلت بمصر هزيمة قاسية في
1967 كان من التأكيد تلافيها لو لم يكن عامر الصديق الشخصي لناصر هو قائد الجيش ومعه
مجموعة من الضباط الفاسدين ..
وتسلم الحكم السادات وواصل ما اعتبره هو طريقته في الحكم وخاصة فيما يتعلق باليساريين
فأطلق من القمقم جني الجماعات الإسلامية والنتيجة التراجيدية معروفة هي أن من قتل السادات
يوم الاستعراض العسكري في أكتوبر هم إفراد الجماعات الإسلامية داخل الجيش المصري..
************
السجين السياسي عبر تجربته القضائية منذ اعتقاله في اللحظات الاولى من قوات " الأمن "
المصرية المتنوعة من مباحث ومخابرات عامة او عسكرية ؛ يكتسب خبرة في عدم الإيمان
بعموم مؤسسة القضاء المصري من نيابة وقضاة ومحاكم . انها مؤسسة تبدو – اقل ما يقال عنها
– نقص خبرة قانونية ؛ إذ أن معظم الأحكام الابتدائية وخاصة بالإعدام التي صدرت مؤخرا في
حق مئات من المتهمين من الإخوان ؛ نقضتها المحاكم الأعلى درجات.
حتى أن محكمات القرن كما أطلق عليها لم تتجهز لها النيابة بالادعاءات الكافية المقنعة وتم
الإفراج عن معظم المتهمين بتهم سياسية بما فيهم مبارز وولديه ورجاله وتعاد محاكمتهم بتهم
فساد مالية !
بل أن المتهمين الأساسين بالفساد المالي توصلوا الى عفو حكومي رسمي عنهم إذا ما تصالحوا
مع الدولة وقدموا لها بض فتات قليل من أموالهم مثل المليونير لمخابراتي الأسبق صديق مبارك
حسين سالم.
أن التكيف القانوني الساذج والعنيف أيضا لكل – او معظم – متهمي الرأي – عدا الإخوان
المسلمين والجماعات الإسلامية - في مصر هو العمل على إسقاط نظام الحكم بالقوة علما بعدم
تقديم أدلة جنائية على وجود أسلحة من أي نوع مع المتهمين اليساريين ومتهمي الرأي في مصر
وهكذا كان "تصنيف " القضية التي قدمتني فيها نيابة امن الدولة الى المحكمة العسكرية إياها
التي أشرت اليها بقيادة الفريق المتخاذل والمستسلم عسكريا بعد ذلك بسنوات قلائل هلال عبد لله
هلال ..ومعي بالطبع خمسة عشرا متهما آخرين .
أتذكر حينما ذهبت مع زوجتي وابنتنا الصغيرة – آنذاك يارا – التي لم تكن تتجاوز الثانية بعد
..ذهبنا نطلب جرين كارت إقامة لي في هولندا ..
ثمة اسئلة كان علي أن أجيب عليها مكتوبة تترجمها لي زوجتي من بينها سؤال إذا ما كنت قد
سُجنت بتهمة فأجبت بالإيجاب .نظر الى الضابط مندهشا وسال : أي جريمة ارتكبت ؟ فقلت له
تهمة سياسية وكنت عضوا في تنظيم ماركسي مصري سري.
فانفرجت أساريره وأشاح بيده وقال ؛ هذه ليست جريمة في هولندا !! وضحكنا .
***********
كتاب السجن
88-8-10 أمستردام
خارج الزمن ..داخل الوقت
لا سجن اتبنى على سجان
ولا سجن اتبنى على مسجون
****************************
حاولت أن افهم العنوان الجانبي الذي وضعته " خارج الزمن ..دخل الوقت " ولعلي
حينما كتبته كنت أريد أن اضع تفسير اشعر به عن الزمن و الوقت وكلاهما كما يقول
انشتاين " نسبي " أي يمكن فهمه وشرحه إذا ما حدثت "مقارنة " بين الزمن و هو مطلق
أي ليست له بداية أو نهاية .. الوقت محدد بشريا باربع و عشرين ساعة و الساعة كذلك
محددة .
كنت اعرف بشكل غريزي أن لا اقيم حساب للوقت في السجن أي أن لا احسب كم شهرا
مضى و كام باق من الشهور علي لاستكمل الحكم . فالمباجث العامة و تؤازرها الدول
الناصرية قررت الغاء الزمن بالنسبة للمسجونين الشيوعيين بعد أن يقوموا " بإنهاء " كدة
الحكم عليهم فتعيدهم مرة أخرى في "نفس الوقت " إلى السجن كمعتقلين . وبالتالي فالمعتقل
ليست عليه احكام لكي تنفذ عليه قوانين الطواريء التي يتواصل استخدامها في مصر
بشكل متوال تقريبا لمدة سبعين سنة . أي أن مصر عاشت لفترات قليلة متقطعة بدون قوانين
طواريء منذ انقلب بعض جنود و ضباط الجيش المصري على " النظام السائد "
باستخدام القوة أو التلويح بها .
*****
.ليس هناك فارق – تقريبا- في العلاقات الداخلية للمسجونين رجالا ام نساء..فالسجن يفرض
ويخلق هذا النوع من العلاقات الداخلية ؛ تكون السيادة فيها للأقوى اما بالمفهوم الجسدي
العضلي تؤازره سكينة صغيرة او سلاح ابيض ما؛ او الأقوى بالمفهوم الاقتصادي .كلاهما
له السيادة في السجن.
القوة بنوعيها تعطي أصحابها نساء ورجالا امتيازات خاصة داخل الحياة اليومية للسجن؛ هي
الإعفاء من العمل اليدوي شاقا او عاديا ( أي يستطيع القوي أن يستغل الضعفاء فيعملون بدلا
منه باجر او بسبب الخوف من البطش بهم) وكذا الحصول على أطايب مطبخ السجن .. ثم
الجنس .
هنا تبرز أهمية "الحراس والسجانة " فهم عبر سنوات طوال من خبرة الفساد لا يتدخلون في
العلاقات الداخلية للسجن. يغمضون أعينهم عن البطش وعن التهريب الداخلي الذي يقوم به
بعض الحراس من ممنوعات أهمها المخدرات.
القمع من الأقوياء للضعفاء هو صورة اخرى للقمع الداخلي الذي تقوم به إدارة السجن على
السجن كله من وقت لآخر لتذكر المسجونين بأنهم تحت رحمتها.
لكن هذا لا يمنع قيام علاقات خاصة بين "الإدارة "والقوة الداخلية للسجن تماما كما يحدث
في الخارج من علاقات بين "الأمن " والخارجين عن القانون.
سعاد حسني والحركة الوطنية
مشهد سعاد حسني الطالبة الجامعية و هي تحمل كتاب شهدي عطية الشافعي " تطور الحركة الوطنية
المصرية " هو مشهد بالغ الأهمية في تاريخ السينما المصرية ( فيلم من إخراج علي بدرخان) لأنه ايضا
فيلم عن التعذيب في السجون ا
أتذكر حاث رواه أنور عبد الملك أمامي حينما رجع الى مصر بعد غياب طويل ..وكان قد كتب مقالا في
المصور ( حسبما أتذكر ) عن تأسيس دار شهدي التي كان لي الشرف في تأسيسها مع روكسان وابنة شهدي
حنان ..بان تأسيس دارا للنشر تحت اسم شهدي لهو سابقة حميدة لنظام مبارك ( الجديد ) أيامها 1982
قال عبد الملك " انه حينما كان مطلوبا للاعتقال وهاربا أخذه عبد الرحمن الخميسي الى شقة في الزمالك ودق
الجرس. فتحت الباب سعاد حسني . قال لها الخميسي بدون مقدمات " الراجل ده حا يقعد عندك عشان مطلوب
القبض عليه " رحبت سعاد – طبقا لرواية أنور - ولم تسأل عن طبيعة او سبب فرار هذا الشخص . وبقي أنور
عبد الملك في شقة سعاد حتى تم تهريبه خارج مصر.
ذات ليلة في بغداد في شقتي كنت العب في مؤشر الراديو وسمعت صوت سعاد حسني في محطة من الكويت
تقول انها تدين لعبد الرحمن الخميسي بوجودها كممثلة . كان الخميسي وقتها قد استقر في موسكو .
في اليوم التالي التقيت على ما أظن بعزة الخميسي التي كانت تعيش في بغداد وسألتها عن سعاد فقالت انها
جدعه وكانت تسأل عنهم في أيام اختفاء الخميسي ولم تتأخر عنهم بشيء في وقت كان صعبا ومخيفا .
( كتبت هذا حكاية أنور عبد الملك في مشهد في ايثاكا التي استعنت بالست سعاد حسني كي اضبط الرواية )
الخميسي .. القديس .. سعاد حسني ..وانا..
رأيت الخميسي أول مرة في منزل السيدة روكسان ، ارملة الشهيد المقتول في السجن من الضرب شهدي عطية
الشافعي .
كنت لا أعرف هؤلاء الناس قبل السجن . فقد انضممت الى الشيوعية عبر تنظيم صغير كان اسمه في البداية
طليعة العمال ، ثم أصبح حزب العمال والفلاحين ، ( أصوليا ماركسيا ) متشددا.
( وقد لاحظت بعد سنوات طوال من تركي هذا التنظيم إني ايضا كنت في غاية التشدد يعين يا ثورة دموية أو
بلاش .. لأصل في المراحل المتأخرة من العمر الىة قدر كبير ايضا من التسامح السياسي عدا الذين قتلوا و عذبوا
مسجونين لا حول لهم و لا طول و هؤلاء القتلة استغلوا سلطتهم المطلقة على هؤلاء المساجين
في السجن انضممت الى جماعة "حدتو" وهي تنظيم اساسي وكبير ، اقرب الى مزاجي السياسي وبه عدد هائل
من النوبيين الذين اعتبر نفسي واحدا منهم .
بالطبع لم يكن اسمهم جماعة حدتو لكن هذا مقال آخر لا اقدر عليه في شرح تاريخ انقسامات الحركة الشيوعية
المصرية .
صنع لله عرفني بالسيدة روكسان ، وهناك رأيت الخميسي للمرة ألأولى ، فبهرتني شخصيته التي تجمع داخلها
كل التناقضات الإنسانية ..
لكني لم أتعرف عليه جيدا ولم نتصادق حتى التقيت به عندما عملت في بغداد عام 1975 وكانت موئلا وملاذا
للمصريين الهاربين من بطش السادات .
الخميسي كان هناك مع السعدني واحمد عباس صالح ويتردد عليهم من لندن الفريد فرج وغيره من المصريين .
هكذا تصاحبت مع الخميسي الذي حاز لقب " القديس " ولبسه اللقب وفخر هو به ..نناديه في القعدة يا قديس
فيلتفت مبتسما .
كان يسخر من معظم المصريين هناك ..كانت شلة صحفيين فيهم أمير اسكندر الذي كتب بعد ذلك كتابه الأشهر "
هكذا تكلم صدام " ونال عليه كنوز قارون ، وكان نبيل زكي صنو أمير وصديقه ، وسعد التائه الذي أسس مع
خالد محي الين صحيفة المساء ..
ثم رجال المال وعلى رأسهم سيف النصر الذي كان مسجونا معنا و من عائلة سيف النصر باشا وكان الخميسي
يسميه "المقاول الاشتراكي " لأنه أسس شركة لإقامة أبراج الكهرباء وخطوطها واخذ مناقصة لعمل الأبراج في
شمال العراق ، وهناك تعرفت من الشركة على مهندسين مصريين مثل احمد هشام ونبيل عبد لله وغيرهما .
كنت اسكن في منطقة بها بيت الخميسي وأسرته اسمها المسبح او كرادة على الداخل.. كان بعض أولاده وبناته
هناك ..وكان هو يسعى لان يعيش في الاتحاد السوفيتي وان يكون مراسلا لصحيفة الثورة الرسمية العراقية
وكان طارق عزيز وقتها وزيرا لإعلام .
قرر الخميسي أن يكتب مذكراته عن سعاد حسني وكيف اكتشفها . هو ضجر من الكتابة فقرر املائها عليّ.
رحبت انا فقد كنت أموت من الضجر أيضا في بغداد ..
وقرر أن يسحبني معه الى الكويت ليبيع المذكرات هناك .
هكذا خلال أسبوعين املاني المذكرات ونمن المؤكد انه حبشها بما يليق من بهارات ..وعرفت بعد ذلك انه
كتب و باع مذكرات سعاد حسني اكثر من مرة لأكثر من جهة . الاخطاء الاجرامية التي يرتكبها أناس تحت
أيديهم سلطات أمنية و واسعة كما في مصر فيقتلون و يعذبون الضحايا ..هذه جرائم أتشدد فيها كثير مثل ما
تشددت شقيقة كليب و رفضت الصلح و الجزية وقالت " أريد كليبا حيا " !!
ذات صباح توجهنا ومعنا جوازاتنا الى سفارة الكويت في بغداد. وجدنا طابورا طويلا من المتعاملين يقفون في
الشمس ..توجهنا مباشرة بقيادة الخميسي الى الباب الرئيسي وطلب الخميسي مقابلة الملحق الصحافي . الموظف
المختص سأل : ومين حضرتك ؟ اجاب الخميسي قل له عمك عبد الرحمن الخميسي .
ظن الموظف أن الخميسي عم الملحق فهرع يقم المرطبات والاحترامات . همست للخميسي " يا قديس انت
تعرف الملحق " فهمس " مفروض هو اللي يعرفني "
لحظات واقبل شخص آخر مهرولا يرحب بحرارة " بالأستاذ الكبير عبد الرحمن الخميسي "
انه الملحق الصحافي ..الذي ختم جوازاتنا وأعطانا الفيزا الشبه مستحيلة ونحن نحتسي المرطبات في مكتبه .
في مطار الكويت اكتشفنا أن هناك تدقيقا بخصوص مرض ما وانه كان يجب أن نأخذ حقنة وشهادة تطعيم من
بغداد .. القديس سحبني من يدي وذهبنا الى ضابط كبير يدخن سجائره بملل وقال له " يا ابني ..انا الخميسي
وعندي موعد مع وزير الإعلام وما عنديش وقت " نظر الضابط في جوازاتنا فوجد الفيزا ومكتوب أسفلها فيزا
مجانية لحاملها مع تحيات الملحق الصحفي
هكذا كان أول يوم لي في الكويت مع الخميسي القديس ..
ذكريات
عن الزوجات!
للنساء في حياتي دورا هاما بل أدوارا هامة و كثيرة أيضا ..
تزوجت ثلاث مرات وكل مرة أتزوج مدنيا لاعتقادي الراسخ بعدم تأطير الزواج بصبغة دينية
.لرفضي المبدئي بتدخل الدين في مواقفي وأنشطتي الاجتماعية مثل الزواج!
زوجتي الأولى كانت بولندية واسمها بربارا وحينما تعرفت عليها كنت أنا في طريقي للانتهاء
من دراستي المسرحية في وارسو / بولندا وهي في طريقها للالتحاق بالجامعة في قسم اللغة و
الآداب الانجليزية . اصغر مني بحوالي ثمانية عشر عاما. ولم يكن كلانا – او انا على الأقل –
أفكر يوم التعرف بها في الارتباط معها "كصديقة دائمة " ..
تعرفت عليها بالصدفة في قعده تضم بولنديين وعربا معظمهم طلاب وكان ذلك يوم سبت وكل
واحد من الحاضرين والحاضرات عندهم برنامج خاص بهم ..فتركونا بربارا وانا في المقهى
الذي كنا نجلس به ..وهكذا وجدت نفسي اسألها ان كانت تريد الذهاب الى السينما مثلا ..او إذا
ما كانت عندها اقتراحات لقضاء ليلة السبت ( فقد وجدتها آنذاك توحي إلي بأنها تريد البقاء
معي ) ذهبت لتتلفن لبيتها من تليفون عمومي في الشارع في وارسو ..
لم نجد بطاقة في الفيلم الذي قررنا مشاهدته فعرضت عليها ان نذهب الى شقتي الصغيرة
الخاصة نستمع الى الموسيقى هناك.كان بالفعل عندي جرامفون حديث اشتريته من السوق
الحرة الدائمة المتاحة للأجانب طالما يدفعون بالدولارّ.
لكني بقيت في بولندا بضعة شهور اخرى بعد ان انهيت الدراسة ؛انفق من جيبي الفقير بعد
ان توقفت المنحة طبقا للقواعد هناك .
كنت قد أسست علاقة دائمة مع بربارا لمدة سنة ونصف تقريبا . التحقت هي بالجامعة
وعزمتني اكثر من مرة على بيتها حيث تعيش مع أسرتها ولكني لم التق سوى والدتها . اعتقد
ان الاب لم يرق له ارتباطي بأنته بسبب عاملين هامين هو اني " أجنبيي" والثاني إني أكبرها
في العمر كثيرا لذا تجنب مقابلتي لكن الأم حاولت أن تفهم علاقة الابنة بي .
كنت اقضي الإجازات الدراسية والعطلات الرسمية مع بربارا نسافر سويا الى أماكن الترفيه في
بولندا بل آخذتها مرة معي الى ألمانيا الشرقية الى مدينة برلين والى شقته الصغيرة حيث يقيم
وكانت هذه أول رحلة لها "خارج الحدود" بسبب انفراجة هامة في الحدود بين بلدانا "
المعسكر الاشتراكي"
وجدت عملا في العراق بواسطة السفير العراقي في وارسو والملحق الثقافي اللذان زكياني
لطارق عزيز وزير الثقافة والإعلام آنذاك وكان ذلك بتحميسي من كمال القلش الذي غادر مصر
وأقام في العراق يعمل مثل عدد من الصحفيين والإعلاميين والمثقفين المصريين اليساريين
ابتعادا وهروبا من السادات ونظامه .
كان ذلك عام 1975
وبقيت في العراق اقل قليلا من ثلاث سنوات رحلت بعدها الى لبنان واستقريت في بيروت حيث
عملت في صحيفة السفير اللبنانية بتزكية من مصطفى الحسيني الذي كان يعمل هناك وله
علاقات خاصة بصاحب الصحيفة ومؤسسها ورئيس تحريرها طلال سليمان .
لكن وانا ما أزال في العراق وبدأت اقبض راتبا لا بأس به قررنا الزواج . لكن مكتب الزواج
الحكومي رفض التصريح لنا بالزواج بدون إبداء الأسباب ( معروف السبب اني أجنبي )
فقررت بربارا رفع قضية على الدولة وانا أيدتها ووجدنا محامية وافقت . كانت مواد الدستور
البولندي للدولة الماركسية تخلو من النزعة العنصرية .
وكانت هذه تكأة المحامية .
وصرحت لنا المحكمة بالزواج .
هكذا قدمت من العراق محملا بالهدايا وتزوجنا ثم قفلت عائدا الى بغداد بعد عطلة قصيرة في
بولندا . وافقت انا على طلب بربارا ان تعيش مستقلة في شقة مفروشة صغيرة وقمت انا بدفع
الإيجار من الدنانير العراقية بع تحويلها رسميا الى " زلوتي " وهي العملة الرسمية آنذاك .
**************
طلبت من بربارا بعد شهور من عودتي للعراق ان تأخذ إجازة دراسية من الجامعة وان تأتي
لتقيم معي بضعة شهور لكنها تحججت وتلكأت وحينما عاتبتها عبر الهاتف طلبت مهلة ثم
أرسلت لي خطابا تطلب الطلاق بحجة اني غير وفي كزوج .
وبغض النظر عن صحة او عدم صحة رأيها فقد أحسست أن البنت تمر بأزمة وافقت مبدئيا
على الطلب وأعطيتها مهلة ثلاثة شهور لكي نفكر كلانا ونتخذ قرار .
بالفعل كنت قد أعددت العدة لكي أطلقها حسب رغبتها فقد أحسست أن الحجج التي ساقتها
مجرد حجج لبعض أفعالي قبيل الزواج وعلاقات كنت قد أقمتها مع صديقة لها وبموافيتها ليس
هنا ألان مجال لعرضها كنا في مرحلة ما يُسمى بالعلاقة المفتوحة) .
كنت ايضا قد بدأت التعرف على ايمان وكنا في سبيلنا للذهاب الى مؤتمر الشباب العالمي في
كوبا مع وفد مصري من الشباب ف ي سوريا والعراق.
ثمة سؤال كان وما يزال يحيرني ؛ هو لماذا أواصل تجربة الزواج ؟
لعل التجربة الثالثة أعطتني بعض الإجابات الشافية للغليل!
فبداية انا شخص قدري ؛ أي اؤمن بان الأقدار تلعب أدوارا هامة في حياة البشر ومماتهم ايضا
.. فإذا وضعت أمامي الأقدار زوجتي الحالية ؛ وواصلنا الحياة سويا وأنجبنا بنتا وولدا فلابد ان
ثمة حكمة خفية وراء هذا ..واقول هذا ليس بإحساس اني شخص متفرد ..لكن اعرف ان
"الأقدار" تتدبر أمورا تخفى على البشر .
اعرف النظريات القائلة بأنه لا توجد "صدفة " واعرف ايضا نظريات " اللوح المكتوب "
وهو شيء ديني لا اؤمن به لكني اؤمن بعض الشيء بنظرات اللا صدفة !
هكذا تزوجت مرتين وطلقنا بعضنا .. لترسى مركبي هنا مع الثالثة !
ومع إني عادة لا أمل من توحدي وتواجدي – بدون أنيس او رفيق - مع ذاتي والعيش لمدة
طويلة بدون رفيقة دائمة ؛ لذا كنت أحب أن أتواصل مع السيدات باعتبارهن "عرضا زائلا"
خاصة بعد أن امتهنت فعل الكتابة وأنا في منتصف خمسينياتي واعتبرتها – أي الكتابة -
مهنة وليست هواية ..أي أنها تتطلب من الذي يمتهنها تكريسا تاما وكاملا لها ( زي الفريك ما
تحبش شريك ) كما يقال عن التفرد البشري والاستحواذ المصاحب له .
بالتالي يتحول الجنس – المألوف حينئذ- الى حالة أخرى تشابه حالة الكتابة . يتحول الى فعل
جسدي ميكانيكي ومحدد بالنهاية الحتمية والمرتجاة من الطرفين الا وهي بلوغ الذروة..وهو
فعل غريزي بحت حتى لو شابه بعض التجريد والفانتازيا "العملية " في الأوضاع .
في النهاية يتحول الى إجراء روتيني ممل.
وفي الظاهر فإن تغيير " الإناث" كان يبدو مبررا بأنه للقضاء على الملل مع أناس – مثلي-
يملون بسرعة ويضجرون من الرفيقة الدائمة.
لأكتشف – ويا للهول كما يقول يوسف بك وهبي- إني أسبح – في معظم الأحيان – وحيدا في
فنتازياتي ؛ حينما تجفل " الشريكة " من عروضي بل واتهمني بعضهن ضاحكات مرتبكات
بأني شخص" منحرف " ولما حاولت أن اعرف كيف يحددن صفة الانحراف ؛ استشهدن
بآيات دينية ( من الدينين) !!.
هذا ما يجعلني أحاول بث الفانتازيا في العلاقة الجنسية ؛ بأن أتجول داخل مخ الشريكة التي
تشاركني جسدي وأشاركها جسدها لأعرف أن كان من الممكن أن أحقق بعض فنتازياتي معها
*******************
لاكتشف خلال رحلة الحياة الجنسية إذا ما استخدمت هكذا مصطلحا أني كنت ابحث دائما عن
الفانتازيا التي تختفي في اغلب الأحوال من الجنس الفعلي لتحتل مكانتها في التخيل الجنسي .
فتحدث عملية " الشيزوفرانيا الجنسية" بين الواقع وبين المتخيل لنفس الشخص .
.
لكني اكتشفت أيضا – وهذا اكتشاف مؤلم وهام - في حالة زوجتي الأوليتين إني لم أكن
مستعدا تماما لمواجهة الحياة الزوجية ..فالبرغم من إني مكثت في بيروت ورجعت الى مواصلة
عملي في صحيفة " السفير" وإيمان قفلت عائدة الى بغداد لتواصل دراستها الطبية .
لكن ثبت استحالة تواصل علاقة زوجية تعتمد على لقاء الطرفين من وقت لآخر يعيشان في
مكانين مختلفين الا إذا كانت الأواصر بينهما قوية تتحمل عدم التواصل المتواصل ( إن صح
التعبير !)
وبالتالي يكون الانفصال الجسدي والعاطفي سببا أساسيا في الطلاق النهائي وهذا ما حدث لي
في الحالتين ..رغم إني قبلت إن أضحي بعملي في السفير وارجع مرة أخرى الى بغداد واطلب
العمل في مؤسسة السينما والمسرح التي عملت بها قبل استقالتي تلبية لرغبة ايمان إن نقيم
سويا .
لكن حادث غريب – رغم طرافته التي قد تكون مأسوية – جعلني لا أتمسك بتلبية رغبتها .
الحادث إني أحسست من لقاء رئيس المؤسسة لي في بغداد إن وراء الأكمة ما ورائها إذا
سألني بسخرية " اش دعوى " ومعناها ما الذي أتى الى بغداد مرة أخرى بعد "فعلة " ما
قمت بها؟
قال لي زميل عراقي بعثي وناقد مسرحي ومثقف اسمه على مزاحم عباس إن هناك تميمية
مثارة حولي إذا تقول الشائعة إني ذهبت الى مصر وأذعت في برنامج تلفزيوني إن صدام
حسين ( وقتها أصبح رئيسا مطلقا ) شخص ديكتاتوري وأضفت الى هذه الصفة ما عن لي من
أوصاف
كان زميلي عباس يهمس لي وهو يرتعد خوفا من ملاحقة وتقارير البصاصين من زملاء
العمل خاصة إني أصبحت شخصا غير مرغوب التعامل معه ..لاتهامي بهذه "الجناية " التي
ارتكبتها ومصير مرتكبها في يد الأقدار الصدامية.
بعد إن ألحفت في السؤال عن مصدر الشائعة وأظهرت له جواز سفري انه منذ غادرت مصر
في ديسمبر 1970 لم اعد لها حتى الآن ( آنذاك ) وافق إن يقول لي اسم مطلق الشائعة وهو
غالب هلسا .
علاقتي يهلسا ملتبسة منذ كنا سويا في مصر . لا استطيع تحديد السبب سوى إننا لم "نهضم
" بعضنا البعض لا كشخصين ولا ككاتبين ( كنت في بداية المراحل الأولى للكتابة )
وحينما عرفت انه وصل بغداد مُبعد من مصر السادات ذهبت الى فندقه ورحبت به باعتباري
مواطنا قديما بها.
لكن أيضا لم نوثق علاقتنا وكنا نلتقي صدفة في اغلب الأوقات .
لكن المأزق الغريب الذي أوقعني فيه غالب هلسا جعلني أتردد جديا في معاودة العمل في العراق
خاصة إن ايمان لم تضع شرطا لاستمرار علاقتنا بعودتي للعراق. أحسست أنها تريدني
بجوارها لكي أوفر لها "حماية ما " .
لكنها لم تفصح ولم تلحف.
وحينما طلبت هي الطلاق بعد شهور قلية من عودتي الى لبنان رجعت الى العراق وسألتها
بوضوح إن كانت أقامت "علاقة ما " مع رجل آخر لكنها أنكرت وقالت لي "حاشاك " وهو
تعبير عراقي فصيح يعني لا تجرؤ على اتهامي.
لكن ما إن اتفقنا على الطلاق وطلقتها حتى عرفت أنها تزوجت مصريا ورجل أعمال وعضوا
في الحزب الوطني ..
لكن هذا موضوع آخر لا أريد التطرق إليه لأن ما بيننا انتهى تماما بطلبها الطلاق ولم التقها ولا
مرة بعد ذلك حتى الآن!
تجربة عملي في العراق اقترنت بتجربتين سياسيتين بالغتي الأهمية في حياتي :
الأولى هو إعادة انضمامي مرة أخرى للحزب الشيوعي المصري ( المتجدد كالعنقاء من
الرماد) بعد مفاتحة كمال القلش لي الذي استقبلني في غرفته في الفيللا التي كان يقيم فيها مع
أمير اسكندر وسعد التايه ( مدير تحرير المساء سابقا)
ونظرا لثقتي الكاملة في كمال قبلت الانضمام واستمرت عضوا بالحزب حتى "خناقتي " مع
الرفاعي الذي قدمت فيه شكوى عبر الأطر الحزبية المتعارف عليها ولكني شعرت بعدم
الإنصاف حينما جاء وفد ثلاثي من قيادة الحزب في الخارج لمناقشتي للعدول عن الشكوى
فرفضت وأصررت ثم أعلنت أيضا عن استقالتي من الحزب وظللت"مستقلا " حتى الآن
وبالطبع رغم خروجي من الحزب الا إني اعتبره انجازا وطنيا وماركسيا هاما.
أما التجربة الثانية فهي مراقبة صعود وسقوط الحزب الشيوعي العراقي ( اكبر الأحزاب
العربية وأقواها) في تأسيسه جبهة مع حزب البعث العراقي ثم انكسار هذه الجبهة ومأساة
الشيوعيين العراقيين بعد ذلك حينما اعدم صدام الذي أصبح رئيسا للعراق عدد من أعضاء
الحزب كانوا مجندين في الجيش.
أرى انه لبس من حقي التكلم عن تجربة الحزب الشيوعي العراقي لأني أولا لست عضوا
بالحزب وثانيا لا اعرف معظم تفاصيل الصعود والانكسار. صحيح اعرف بعض الشيوعيين
العراقيين وتابعت بعضهم في منافيهم وخاصة براغ ولندن وهولندا لكن مشاغل الحياة أبعدتني
عن الكثيرين منهم.
كتاب السجن
1
حاولت الكتابة بشكل منتظم بعد عودتي من بيروت وأفلحت في الانتهاء من كتابة صباح الخير يا
وطن في حدود شهر . كنت أقيم عند صنع لله في بيته وتوفرت لي إمكانيات الإقامة والأكل .. ولم
أكن اخرج الا للمواعيد الضرورية او التمشية او السينما مثلا .
لكن بعد ذلك وبعد عملي كمدير لدار شهدي للنشر تمزق وقتي بين العمل والتمتع بأمسيات
وليالي القاهرة والبحث عن من عاش ومن مات ومن سافر ومن بقي .
احتاج الى هدوء حقيقي يحيط بي كي استطيع أن اتامل وان اكتب . سابقا كنت استطيع أن اكتب
حاجات بسيطة في مقهى قاهري صاخب ..الآن لا استطيع احتساء فنجالا من القهوة وسط
الصخب اليومي للمقاهي الا في مقاه معدودة ليس بها راديو او تلفزيون .
الهدوء الذي يلفني في هولندا تحديدا هو هدوء مقدس تملأه برفق زقزقة العصافير ونداءات
الطيور على بعضها البعض .
حينما أسافر قافلا الى القاهرة في الشتويات ينتابني مؤخرا إحساس بالغم والهم .. أحاول أن أجد
شقة بعيدة عن الجوامع والزوايا ..وهذا مستحيل أيضا فالبلد كلها أصبحت مآذن ومايكروفونات
وصوت وتراويح وضجيج لا إنساني وصخب غير معقول وعنف متواصل بين المارة بعضهم
البعض وبينهم وبين السيارات وسائقيها .
أسست لي بعض القواعد حتى هنا في أمستردام ؛ أن لا اخرج الى وسط المدينة خاصة في
الويك اند الا لسبب هام ومحدد. لا اذهب الى هناك لأجلس على مقهى . اذهب لموعد ما ..او
لعمل محدد وارجع قافلا الى بيتي !
انه التقدم في العمر مع محاولة الاحتفاظ بالبعد عن الضجيج – حتى المعقول – بقدر الإمكان
..فالضجيج يزعجني ويحرمني من التفكير الهادي والتأمل .
لعلها أيضا تجربة سنوات السجن..تجربة الحياة في زنزانة مع آخرين تؤاكلهم ونام الى جوارهم
وتتغوط وتتبول على مرأى من الجميع ..هذه التجربة حولتني الى شخص ممسوس بخصوصياتي
الجسدية فحتى في بيتي هنا ولا يوجد احد في النهار أغلق على ذاتي باب المرحاض او الدش
وكذا باب غرفتي . لا أفرط في خصوصيتي وانزعج من محاولات الآخرين – حتى البرية منها
– للتوغل داخلي او ما اعتبره انا توغلا في دواخلي لا يعنيهم !
هكذا تتحول الحياة تدريجيا لتصبح "مكانا " للكتابة وتمتص الكتابة حالات التأمل وتستفيد منها
مثل ما تستفيد الزرع من الندى الصباحي.
ما زال الصوت العالي المفاجئ يرعبني ..لعله يذكرني بطرية السجانين السادية في لتعامل مع
الأبواب الحديدية للزنازين .. ودخولهم المفاجئ الصاخب العنيف للحياة الوادعة للمساجين الذي
لا يملكون أمرهم.
منذ أن خرجت من السجن عام 64 ( ابريل ) وبعد أن استطعت أن أدبر شؤوني المادية لم انم
في غرفة واحدة مع شخص آخر حتى في سرير مستقل ..وهذا الشخص الأخر قد يكون حبيبة او
عشيقة او زوجة (!) اخصص في بيت الزوجية الحالي ( لحوالي ثلاثين عاما ) غرفتي الخاصة
بها فراشي وطاولة للكتابة وكل ما يلزمني واحتاجه من أدوية ..الخ ..
الوحدة هي ما اطلبه ؛ لا أخاف منها .. وعدم خوفي هذا يهيئني للموت وما بعده من فناء كامل !!
"أرابط " في أمستردام باعتبارها جزيرتي الأخيرة والتي قررت اختيارها كمأوى لجسدي
..تكفيني في احتياجاتي الجسدية المحدودة اقصد أن التامين الصحي الذي تدفعه زوجتي من
خلال عملها لمن تبقى من الأسرة معي ولي يكفيني .. بل وحتى الاحتياجات الطبية في هذه
المرحلة من العمر التي حددتها بان " لا عمليات جراحية " بعد العملية الأخيرة من سنتين في
الصمام القلبي .. فلم اعد متمسكا بالعيش عبر العمليات المتوالية ؛ فقد قمت في الخسة عشر عاما
الأخيرة بعمليات متعددة في جسدي ..واعتبرت ما قمت به من عمليات جراحية كان من
الضروري القيام به وقتها ..خلاص !
اعتبر أمستردام جزيرتي الأخيرة لأني استطيع أولا العيش بها على راحتي هي مدينة أحبها لأن
بها كل ما يوجد بالمدن الكبرى لكن على نموذج مصغر ..سكانها لا يتجاوزن المليون في أيام
الأسبوع العادية ويزيدون نصف مليون في الويك اند.. بيتنا على القد وبه حديقة صغيرة استغلها
في الصباحيات و ما بعد الظهر ..افطر فيها واتغدى غذاء صغيرا بسيطا ومعي كتاب اقرأ فيه
..غرفتي أيضا تكفيني وبها كتبي وأوراقي والكمبيوتر ..الخ
ليست علي مسؤوليات سوى البسيط منها تجاه الأسرة الصغيرة زوجتي وبنت وولد يعملون
جميعهم وعلاقتي بهم جيدة .
بضعة أصدقاء التقي بهم من وقت لأخر ولا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة ..
في أمستردام بدأت كتابة معظم أعمالي وبها أيضا انتهيت من كل معظم أعمالي عدا"صباح
الخير يا وطن" الذي كتبته في القاهرة .
ولدت زوجتي بها ابننا كما ولدت قبله – سنوات ثلاث - ابنتنا في مدينة اخرى حيث كانت تقيم
مع والديها آنذاك بعد انفصالها عن زوجها ..
لكن هذه قصة اخرى لا تعني القراء الا بالقدر المحدود والمرتبط بي وبمصيري .
قبل ذلك حينما كنت أعيش مستقرا في القاهرة بعد عودتي من بيروت في صيف 1982 قبيل
الخروج المأساوي للمنظمات الفلسطينية الى المنافي نتيجة توغل الجيش الإسرائيلي بقيادة
شارون داخل لبنان واقتلاع الفلسطينيين من لبنان .. كنت أعيش في شقة صغيرة ( غرفتان
وصالة بشارع إسماعيل محمد بالزمالك) خصصنا نصفها لمكتب دار شهدي وكنت أنام وأقيم في
الغرفة الثانية ؛ حيث كانت الشقة ترجع الى السيدة روكسان أرملة شهدي ( بشكل ما عبر عائلتها
اليونانية المصرية ) كنت اكتب بعض الفصول المتناثرة من بيضة النعامة بخط اليد فلم أكن قد
تعلمت – بعد- الكتابة على الكي بورد والكمبيوتر الذي أتعامل به الآن في معظم أحوال الكتابة ..
وبعد أن تعرفت على السيدة التي أصبحت زوجتي وأم العيال كنت اخذ ما كتبت من أوراق
وأواصل الكتابة في أمستردام ثم ارجع قافلا الى مصر مرة اخرى وأطالب صنع لله وكمال
القلش بقراءة ما كتبت وان يقولا لي رأيهما .
كنت فاقد الثقة فيما اكتب ..كنت اكتب ببطء ..وأحيانا بدون مزاج !
زكائب مليئة بالناس
عن بعض شخوص اعمالي وكيف اجدهم ..وعن بشر عبرت خلالهم وعبروا معي خلال ثلاثة ارباع
القرن..
فقد تفرقت بنا طرقنا .
لأقرأ اليوم ( 30 نوفمبر 2009 ) في المصري اليوم قصيدة كتبها الأبنودي عن فؤاد حداد.. هي
قصيدة رد عرفان بالجميل العظيم الذي أسبغه فؤاد حداد على شعر العامية في مصر مما حدا
بالأبنودي أن يخاطبه بصفته " إماما يصلون وراءه " يعترف الأبنودي( الذي لا يعرف بإمامة
الشعر لغيره !) انه كتب هذه القصيدة 1998 لينشرها ألان في نهايات 2009 .. ولعل الأبنودي
وتاريخه اهم واصدق نموذج على علاقة المثقف اليساري بالسلطة في مصر وبجماعته اليسارية
أيضا . فقد كان عشق الأبنودي المرضي للسلطة وبريقها هو الذي دفع به إلى "مصاحبة " وزراء
الداخلية منذ ناصر وحتى مبارك (!) وهذا ليس اتهاما له بالعمل معهم .. لكنه لا يستطيع البعد عن
السلطة .
وقد كتبت تعليقا على القصيدة التي قرأتها في النيت ما مفداه بان من فات قديمه تاه وان الأبنودي
بعد أن خبر العز والفخفخة وتصفيق الأمراء والرؤساء .. رجع إلى " نجعه " والى نخلاته القليلات
المثمرات .
اعرف أن الأبنودي في عزلته الآن يطبب جسده وروحه .أتمنى له الشفاء وحسن المآل .لكنه
أيضا عليه أن يكتب شيئا صادقا للقراء عن حياته وتقلباته وتقلباتها ! 2
في مفتتح القصيدة الطويلة يقول الأبنودي
ليؤمُّكم أقْرأُكُم لكتاب لله عز وجلّ.. فإن كنتم فى القراءة سواء، فليؤمُّكم أعلمُكم بالسنّة، فإن كنتم فى »
حديث شريف .« السنّة سواء، فليؤمُّكم أقدمُكُم هجرة، فإن كنتم فى الهجرة سواء، فليؤمُّكم أكبركُم سناً
إنت الإمام الكبير.. وأصلنا الجامع..
وانت اللى نقبل نصلى وراك فى الجامع.
..فقير يا مولاى.. ورازقنا حرير وياقوت 3
فؤاد حداد
ومسرح معتقل الواحات
تعرفت على فؤاد حداد في معتقل الواحات في السنتين اللتين قضيتهما هناك ما بين 62 و 64 بعد
ترحيل قضيتي وصدور الأحكام عليها من سجن إسكندرية. تصاحبنا رغم اني كنت مجرد شاب في
منتصف عشريناته وليس لي أي إنجاز ولو ح تى بسيط في محال الأدب أو الصحافة . اختارني
حسن فؤاد لكي امثل "عيشة الدوغري " في مسرحية نعمان عاشور عيلة الدوغري . كان علي
الشريف ( الذي اختاره يوسف شاهين ليمثل في "ارض " الشرقاوي " معنا في الحبسة . هو الذي
شجعني لكي أقوم بالتمثيل الذي أحبه وأهابه . صمم المسرح المهندس فوزي حبشي وبنيناه نحن
2تواصل الأبنودي بعد ذلك مع ثورة وثوار خمسة وعشرين يناير وكتب قصائد عذبة
3نشرها الأبنودي في الثمانينات في "مختارات الأبنودي " – كما عرفت من تصحيح قدمه لي الصديق سيد محمود الصحافي وأنا اكتب
هذا الكلام !
المساجين بسواعدنا ..عزمنا ليلة الافتتاح مأمور الواحات ومأمور السجن الذي تساهل في إدخال ما
نحتاجه من ثياب وإكسسوارات . كنت أنا ارتدي ثوبا نسائيا وحذاء نسائيا وحلقوا لي شعر ساقي
الخفيف ووضعوا روجا على ا شفتي ..وكانت ليلة جميلة أدخلتي بعد ذلك إلى عالم المسرح ..
هذه كل انجازاتي أيامها .. لكني استمتعت بشكل خاص باهتمام فؤاد حداد الذي استمعت إلى " معلقة
" أبو زعبل التي كتبها في رأسه في ذاكرته الجبارة . معرفته المهولة باللغة العربية فصحى
وعامية تجعلك تقف خاشعا أمامه ..هو البسيط الضحوك ابن النكتة .
بعد السجن التقيت به .. ثم جاء وقت أعوزته الحاجة أن يعمل مترجما بالقطعة في منظمة
التضامن الأسيوي الأفريقي من الفرنسية إلى العربية ( يجيد كليهما ) وكان يأتي متوكئا على ابن
من أبنائه .كنت أنا اعمل هناك أيضا باليومية . حينما أراه اهرع إليه احييه واطلب له مشروبا
وابنه .شاعرا بالخجل من عجزي أمامه ومن إحساسي بأنه يستحق الكثير ولم يلق إلا اقل القليل .
أخذتني بسمة الحسيني( التي أسست المورد ) مرة إلى بيته في الحي الضاج "مدينة الطلبة على ما
أظن ) ورأيت شقته البسيطة وبدأت في إقناعي بان انشر له في دار شهدي ( التي كنت قد أسستها
) أعماله . رحبت مبتهجا لكني لم انشر شيئا له لسباب مالية كانت تواجه الدار ولمستحقات لم
استطع الوفاء بها . هو كان عطوفا ومتفهما ومتسامحا .
وها هو الأبنودي بعد كل تلك السنوات من الصمت بعلن توبته وصلاته خلف أمامه الذي ألبسهم
الحرير والياقوت هو الفقير !
ادوار الخراط
في منظمة التضامن تعرفت على إدوار الخراط بشكل جيد . كنت اشرب قهوة الصباح في مكتبه
وكان هو يشغل وظيفة هامة هناك .
ذهبنا سويا ذات صيفية إلى واحدة من الجزر اليونانية . هو كانت زوجته معه وانا كنت وحيدا.
قضينا أياما قليلة طيبة نتبادل الأحاديث الطوال ونطعم معا ..نتحادث في الدب والثقافة وما شابه ..
اختلفنا بعد ذلك وانقطع حبل الود بيننا نتيجة وشاية كاذبة ضده صدقتها أنا . لكن حينما عرفت انه
لم يقل ما سمعته ضدي .التقيت به صدفة واعتذرت له عن رعونتي .. تقبل هو اعتذاري ضاحكا
متسامحا.
لعب ادوار الخراط ادوار هامة في تقديم ذائقة جديدة في الإبداع المصري تحديدا حينما بشر
بنظريته " الحساسية الجديدة " بعد أن كنا منغمسين لأذاننا في الواقعية الاشتراكية وما بعدها. وهو
نشر كتابه النقدي الصغير والهام مطبقا نظرية الحساسية الجديدة على أدب السبعينيات .
دار نشر مصرية صغيرة اسمها "دار القاهرة " هي التي فتحت الطريق أمام النشر الصغير الخاص
في مصر ..أسسها علاء سويف ( شقيقته أهداف سويف ) واحمد سيف السلام الذي أصبح محاميا
الآن من محامي حقوق الإنسان في مصر وشخص ثالث ..نشرت الدار لي أول كتاب بعد
عودتي من بيروت إلى مصر بعنوان " صباح الخير يا وطن " وهو عن شهادتي عن حرب
إسرائيل عام 1982 ضد لبنان.
كتبته في شهر واحد وأنا في استضافة صنع لله ابراهيم في شقته العالية ( الدور السابع بدون
مصعد ) في بداية مصر الجديدة
يا لها من أيام
فقد رجعت إلى مصر مفلسا ومحبطا ..احكي عن الجرب التي ترك العرب فيها إسرائيل تستفرد
بلبنان وبالمقاومة الفلسطينية ..كنت أيضا أعيش راضيا في بيروت ..جئت ساخطا محبطا .. أقنعني
صنع لله أن اكتب شهادتي وأوصلني بدار القاهرة الذين نشروا كتابي مشكورين !
من الأوراق الأخيرة
بتاريخ 5 سبتمبر / أيلول 2016
غير معروف حاليا العدد الحقيقي لسجناء الرأي السلميين في مصر أي الذين لم تتلوث أياديهم
بدماء المصريين من مدنيين وجيش وشرطة والذين حينما تم إلقاء القبض عليهم لم يكن معهم
أسلحة من أي نوع. هؤلاء الذين ترصدتهم قوى الأمن لأسباب سياسية وشخصية او لكليهما
والذين ألقت القبض عليهم عشوائيا في الشوارع والمقاهي او في بيوتهم, ومن وقت لآخر
تخرج الميديا المصرية بخبر عن إفراج او عفو رئاسي لكن حتى يوم كتابة هذه السطور لم
يحدث عفو رئاسي عليهم .
ولا اريد الدخول هنا في قضية مثل قتل الباحث الايطالي روجيني في مصر إبان تجميع مواد
بحثه ..بحيث كان تشريح الجثمان يؤكد وجود كسور بالعظام وإحراق للجسم بمواد مشتعلة مثل
السجائر..الخ
لكن من يريدون الرجوع الى المادة الأصلية عن روجيني سيجدون مبغاتهم في النيت .
ستبقى تجربة السجن من التجارب البالغة الخصوصية للجنس البشري . فالإنسان هو الكائن
الوحيد الذي "يسجن " من يعتبرهم "مجرمين " ويقع تحت هذا التصنيف قانونيا المعترضين
سياسيا على نظام حكم ما ..وليس بالضروري أن يكون الاعتراض مسلحا ؛ لكن الحاكم يعتبر
أن كل من "يعترض" على نظام حكمه هو في البداية والنهاية شخص مجرم ..لذا اخترعوا
نصوصا في القانون تقوم بتجريم العمل السياسي المناوئ للنظام حتى لو كان سلميا ويصنفونه
قانونيا " بمحاولة قلب نظام الحكم بالقوة " !!
32
ا
ضرورة الايروتيك
فذلكة :
كنت و كل اهل ماركس يعتقدون أن " تجارة الجسد – الدعارة – هي انتاج راسمالي لكن اكتشفت انها
بالاساس – كما يقال - اقدم مهنة في التاريخ ..تأمل هذه القصة التوراتية اليهودية وكيف أن " يشوع القائد
العسكري الذي خلف موسى ارسل اثنين من الجواسيس يتجسسا على اريحا " اذهبا انظرا الأرض واريحا
فذهبا و دخلا بيت امرأة زانية اسمها رحاب و اضطجعا هناك " وتقول القصة أن رحاب خبأتهما حينما عرف
( المبك بامرهما .. الخ القصة ( يشوع 2
وقد رايت المومسات في بلدان اوربا الاشتراكية و الغربية !
أن وظيفتهن زاضحة تقديم الجني بدون احم و لا دستور و لا حب ةو لا يحزنون و تجد في دراسة يوسف
فاخورى المطولةبعنوان " الايروتيك – دراسة تاريخية مطولة – دار النسيم 2019 ارتباط الايروتيك بالمعابد
و العبادات القديمة ومن يفتح النيت سيرى انه ما تزال في بعض أجزاء اسيا عبادات و احتفالات بالقضيب و
بالفرج .
لأنه يقدم اللذة الحسية "مصفاة " من كل كدر وشوائب مثل الحب و العشق والزواج .. انه جنس
صاف فيه يتخلص الفاعلان من اثوابهما المزيفة ودرجاتهما الاجتماعية و الطبقية و يقبلان على
جسديهما يفتحان صناديقهما السرية التي قد لا يعترفان بوجودها الا لماما في احلامها و
فتنتازياتهما .. فيتحول الشخص الوضيع المنشأ و البسيط العمل إلى سيد يأمر و ينهي بل ويسبب
الالم احيانا لمن يبحث عنه .
انه كمان كان يقال عنه و لا يزال " الحب المحرم " حيث يمارس السادي ساديته على
المازوخي الذي يقع فريسة بين يديه .. قد تكون الانثةى هنا هي الفاعلة السادية .ز وقد يكون
المفعول به ( او المفعولة بها ) شخصية عالية المقام اجتماعيا وطبقيا .ز
لذا فسوف تضظل " الكتابة " الايروتيكية في كثير من الأحايين بديلا عن الفعل حيث يجد القراء
فيها تماهيا قويا مع احلامهم وفانتازياتهم..
أتذكر هنا حكاية من الف ليلة عن جنية احبها انسان و كانت تلبس ثوبا من الريش ..رىها تستحم
بعد انم خلعت ثوبها الريشي فراودخها و احبته و تزوجته وانجبت له لكنها في يوم ما قررت
العودة إلى حياتها السابقة فلبست مرة أخرى ثوبها الريشي و اخذت اولادها و طارت إلى حيث
اهلها من الجنيات !
اعتق أن هذه القصة تلخص فكرة " ضرورة " الرجوع إلى " الحقيقة " في الجسد والرغبة
الحسية التي يطلبها الجدس\ بدون حسابات او شروط او نواه.
حيث كان اسلافنا يحتفلون مرة كل عام احتفالا طقسيا جنسيا يمارسون فيه الجنس بلا تحفظ
باعتباره مصدر "الخير للإنسان و الحيوان و الزرع "
اعتبر المبدع علاء الديب أن بيضة النعامة هي كتابة تلميذ شاطر لهنري ميللر . لم اعترض بل
فرحت بنسبي لميللر لكن مع تطوري الفكري اعتبرت اني اكتب " في ماوراء ميللر " أي بعده
بكثير .ز فانا مثلا لا اسمي الاعضاء او الأفعال الجنسية باسمائها بل اتركها لخيال القراء ..
وكتاباتي الايرىتيمية لا علاقة لها باني اود استجلاب اللذة للقراء فحسب ؛ لكني أيضا اري
تعليمهم و افهامهم اجسادهم و متطلباتها و عدم الخجل من الاعتراف بما تريده هذه الاجساد من
أشياء تبدو للمجتمع المصري و العربي المحافظ منحرف و بل وشائنة أيضا .. لاني لا ارى في
الجس فعلا او رغبة تشينه خاصة إذا كانت ممارسة " الاشياء غير الاعيادية " في الجنس تتم
بصدق و رغبة حقيقية .
كتبت أساسا من تجاربي الخاصة بحلوها و مرها و بنجاحها و بفشلها على العكس من يللر الذي
كتب بشكل "عجائبي " عن قدراته الجنسية (!) فلم اكتب مطلقا مشيا بقدراتي التي كنت اعلم
"مداها " المحدود بل و اعترفت اني بعد عملية البروستاتا و ازالتها اضمحلت قدراتي الجنسية
33
العملية لكن فانتازياتي الايروتيكية ذادت و اصبحت أنا أكثر شجاعة و صراحة في التعبير عنها
ووجدت أكثر من صديقة تتفهمني وتقبل أن تتجاوب معي .