التناص بين " زويل " الغيطاني و" المرأة التي .." د. ه لورانس
*قصة وحيدة من جنسها للغيطاني وثلاثة قصص لد. لورانس ..لماذا ؟!
* التشابه بين فضاء الكاتبين وشخصوصهما ومصائرهم .. هل يمكن ان يكون
بالصدفة ؟
رءوف مسعد
3
لم اعتبر نفسي من المتخصصين في دراسة الأدب - اكاديمياً -بشكل عام أو الأدب
المقارن بشكل خاص ؛ لكن معرفتي بأكثر من لغة أوربية أتاحت لي قراءات
موسعة لأعمال أدبية في لغاتها الأصلية دون الاعتماد على الترجمات العربية التي
تخضع لأهواء الناشرين والمترجمين وتحرم القراء -الذين لا يعرفون سوى
العربية - من زاد هام .
منذ فترة كنت استعيد قراءة بعض أعمال الكاتب البريطاني د.ه.لورانس .
THE WOMAN WHO RODE AWAY توقفت عند القصة الطويلة بعنوان
فأسترجع في ذهني قصة للكاتب المصري جمال الغيطاني وهي أول أعماله
المنشورة ( كما يظهر هذا من قائمة كتبه المنشورة ) بعنوان" الزويل" ولكي أقطع
الشك باليقين قمت إلى مكتبتي وعثرت - من حسن الحظ - على طبعة قديمة نادرة
لقصة "الزويل" أصدرتها " الهيئة المصرية العامة للكتاب " عام 1993 تحت
عنوان " رواية " ثم أسفل العنوان (الأعمال الروائية / المجلد الثالث )
والرواية الثانية في هذا" المجلد" بعنوان " الزيني بركات " ولا تعنينا هنا .
ليوردها بعد ذلك تحت عنوان ( قصص ) في قائمة مؤلفاته في كتابه عن
نجيب محفوظ .
المفاجأة التي واجهتني عند قراءة قصة لورانس أذهلتني؛بإكتشاف التناص
بين القصتين . وفي الوقت ذاته وجدتني أمام اختيارات صعبة : هل أقوم بمواصلة
بحث ونشر ما سوف أتوصل إليه؟ وما أهمية هذا الآن ؟ و"هذا " هنا هو كتابة
الدراسة المقارنة عن التناص بين قصتي لورانس والغيطاني . تساءلت وما زلت ؛
لماذا لم أقرأ من قبل دراسة عن هذا التناص !
ولعلمي ببعض الإجابات التي هي من المحظورات مثل ان بعض
الكتاّب تحول إلى "مؤسسة " يخشى البعض الاقتراب منها خاصة " تحت يده
المؤسساتية " صفحات لمجلات وصحائف ولجان يستطيع ان يفتح نيران مدفعيته
( ونيران مدفعية بعض الملتفين حوله ) فتصيب الباحث في مقتل إذا ما سولت له
نفسه أن يقترب من الأشخاص المؤسساتيين في بلادنا وخاصة في مناخ انعدمت
فيه( أو على الأقل اضمحلت ) المعايير الأدبية النقدية الصرفة لتحل محلها سياسة
اطلق عليها أنا " الاستيطان الأدبي " تشبيهاً بشقيقتها " الاستيطان الإسرائيلي "
حيث يتشابه " المستوطنون العرب" مع الإسرائيليين في استيلائهم على ما لا
يحق لهم وتبوؤهم المراكز فتراهم يرفعون - مثل الإسرائيليين - شعارات
الكهانة والحق التاريخي المقدس لقبيلة المستوطنين الأدباء ؛ يرهبون من يحاول "
تفكيكهم " ويوجهون إليه تهم العمالة والخيانة ..الخ
4
بالطبع ثمة مجموعات من المثقفين خارج "المستوطنات الأدبية " وما شابهها
ينتمون إلى جماعة ما تزال تقاتل للحافظ على هويتها .
لنبدأ من البداية الأولى ؛ من الطبعتين في متناول يدي
الطبعة الإنجليزية عندي عن قصة لورانس صادرة عن دار بنجوين عام
. 1951 وهي إعادة للطبعة الأولى للقصة المنشورة عام 1928
سأعتمد هنا على ترجمتي الخاصة للقصة الإنجليزية وعلى ما جاء في
التقديم لها وكيف التقط لورانس فكرة القصة .
;ذلك على ما جاء في ظهر غلاف " مجلد" الغيطاني.
بالنسبة لترجمة العنوان فقد اخترت له “ المرأة التي خبت بالجواد
بعيداً” اعتماداً على فكرة القصة .
المقدمة تقول "ان القصة تُقدم لورانس في واحدة من ألمع لحظات إلهامه
. مطلع القصة أوحى به إليه تجواله في مناطق موحشة ونائية في المكسيك في
خريف 1923 , و نتعرف على كيفية استغلاله هذه التجربة في كتابة القصة من
الخطاب الذي بعث به في الخامس من أكتوبر من " نافاياوا " حيث يكتب [ شمس
ملتهبة وسماء واسعة حارة وتلال كبيرة خضراء متفردة لا إنسانية وجبال ..
وباب الحياة قد تم إغلاقه . فقط الشمس تحرق سحب الطيور العابرة وأشجار
النخيل المستفردة الضائعة . يبدو ان هناك حكماً بالإعدام صدر عليها جميعاً. وفي
وسط السوق المغطى في ( آلاموس ) ووسط اللحوم والخضر المعروضة كلب
" [◌ِ ميت متمدد كما لو كان يرقد نائماَ
تواصل المقدمة توضيح اهتمام لورانس بطقس " الأضاحي البشرية "
الذي كان السكان الأصليين ؛الهنود المكسيكيين يقومون به .. وتحدد بان ما كتبه
لورانس في هذه القصة “ جزء حقيقي وجزء متخيل " حيث انه " أنبهر برعب
الاعتقاد المكسيكي الغابر بأنه يمكن الحصول على القوة بانتزاع قلب الضحية
البشرية الحية والإمساك به وهو ما يزال ينبض وتوجيه إلى الشمس الحمراء -
الدموية "
ماذا يقول لنا ظهر غلاف مجلد الغيطاني عن " الزويل " ؟
" أما الزويل فهي أول رواية ينشرها الغيطاني وتقدم واقعاً يقف على حدود
الأسطورة والحقيقة يطمح إلى خلق واقع خاص " وينتهي إلى أن " الزويل
والزيني بركات عملان روائيان أصيلان يدينان قهر الإنسان في أي زمان وأي
مكان "
5
وأود ان اشير هنا إلى تعريف إصطلاح أسطورة التي تم استخدامها بشكل
[ خاطئ.يقول [ المنجد في اللغة والأعلام الطبعة الخامسة والثلاثون - 1996
الأسطورة ج أساطير : القصة او الحكاية وفيها مزيج من مبتدعات الخيال
والتقاليد الشعبية ] و نجد ان الباحث علي الشوك يقدم في كتابه [ جولة في أقاليم
اللغة والأسطورة دار المدى - 1994 ] التفسير التالي لعلاقة اللغة بالأسطورة
يقول " هي علاقة ترجع إلى عصور ضاربة في القدم وكلتاهما تمتان إلى مرحلة
سابقة للتاريخ " ويضيف " أن الكثير من عناصر الفانتازيا في الأسطورة قد
ينطوي بعضها على فهم علمي -بدائي- لتفسير ظاهرة ما وقد لا يعدو بعضها
الآخر ان يكون ضربا من المخيلة الفلكلورية " .
وسوف نجد هذا الفهم يتسق مع - وداخل - قصة لورانس وبقية اعماله المرتبطة
بالعبادة والمعتقدات الدينية الطوطمية للإله الشمس في كل من المكسيك ومصر
القديمة ؛ بينما لن نجد هذا الفهم او التداخل في قصة الغيطاني والتي لم يكتب
سواها من هذا الجنس الأدبي بعكس لورانس .
-1 أ - الفكرة في رواية لورانس :
تتمحور" الفكرة " عند لورانس في أن الملل ورتابة الحياة وخيبة الأمل دفعوا ب
" السيدة " ( الشخصية المحورية ) أن تمتطي جوادها وتخب مبتعدة عن بيتها
وزوجها ( مللها وخيبة املها ) تبحث عن مغامرة بين او وسط قبيلة متوحشة
وغامضة من الهنود المكسيكيين - كانت تعيش في المكسيك - مع علمها المسبق
من روايات مختلفة موثوق بها ب" توحش " أفراد هذه القبيلة وعدم تورعهم في
قتل كل غريب يقترب منهم .
فهي إذن تعيش مع زوجها الذي يكبرها بعشرين عاماً والذي عمل لفترة
من الوقت في استخراج الفضة من مناجم يمتلكها في منطقة " سيرا ماديرا "
..كانت تأمل ان يكون زواجها مغامرة بالرغم من أنها لم ترى " سحراً " في
زوجها . ملولة تبحث عن شيء يكسر رتابة حياتها “.
زوجها - من وجهة نظر الكاتب -بالرغم من انه موله بها إلا انه " لم
يصبح واقعياً بالنسبة لها ؛ لا من الناحية العقلية ولا من الناحية الجسدية .. يحتفظ
بها كعبدة رقيق "
وبالتدريج بدأت تفكر بأنها " يجب ان تخرج من هنا " وتحلم .. " تُرى
ماذا خلف هذه التلال الخضراء الغامضة ؟ "
عرفت أن الهنود الأصليين يقطنونها .
6
"من المتوحشين"؟ سألت محدثها الذي أجابها " هذا يعتمد ؛ بعضهم في غاية
التوحش ولا يسمحون لغريب بالاقتراب منهم . يقتلون المبشرين فور رؤيتهم لهم "
عرفت - أيضاً - ان الحكومة تتركهم في حالهم .
سالت " هل يعيشون كمتوحشين تماماً بعاداتهم وديانتهم المتوحشة؟ "
يجيبها محدثها بالإيجاب.. ويضيف ان أسلحتهم لا تتعدى القوس والسهم
ويؤكد لها انه شاهدهم يتجولون في البلدة عراة تماماً عدا قطعة من الثياب تشبه
القميص .. وهم " يتمشون بسيقانهم العارية المتوحشة "
يزداد فضول السيدة وتلتهب رغبتها في " الخروج " وتنتهز فرصة سفر
الزوج لتقوم " بعمل خططها المجنونة " .
قالت لخادمها ذات صباح بأنها ستمتطي الجواد بمفردها وتركت طفلها
الصغير في رعاية الخادم وجهزت زادها من الطعام والماء والغطاء . بدون أن
تلتفت للوراء امتطت جوادها القوي الذي خبا بها باتجاه مستوطنة المنجم المهجور
والمستوطنة المحيطة به الخالية الآن .
إذن "الفكرة " عند لورانس هي الرغبة في الخروج من رتابة الحياة اليومية
والإحباط العاطفي.
-1 ب -** فكرة القصة عند الغيطاني
شابان : فتحي وإسماعيل يتركان القاهرة ولكل منهما سببه : إسماعيل
محبط في حبه لفتاة أسمها " منتهى " لكن القاص لم يوضح رغبة فتحي في السفر
سوى الترحال: يصحبهما سائق سيارة من قنا حتى القصير ( منطقة المناجم
المصرية ) ويحكي لهما عن الحياة والقبائل " البدائية " في هذه المناطق
الصحراوية الموحشة ويعلمان مقدماً - منه - بخطورة ما سيواجهها حينما يصلان
إلى ما يقول عنه الغيطاني في مفتتح القصة " ا ل..ب..ح..ر بداية العالم "
و فتحي يعلن " عندي الدهان السحري الذي قرأت عنه في ألف ليلة ، ندهن
أقدامنا فيصبح العالم كله قطعة يابسة لا يبلغنا الماء نمشي في اتجاه الشمس "
ويصف القاص المكان الذي أوصل إليه فتحي وإسماعيل " البحر من أمامنا
والجبل من ورائنا .. هيه .. هيه .. إلى الأمام .. خلفنا تعلو الصخور تثقل كل منها
الأخرى .. قلت لطول المسافة التي قطعناها من قنا حتى هنا ان الدنيا كلها
صخور. فقدت الأمل في المياه "
7
**سنكتشف - ايضاً - خيبة أمل إسماعيل في حبيبته ".. أين هي ! حتى
لو جاءت الآن ألقاها أمامي عند نتوء الأرض هذا .. اي عمق سحيق .. حتى لو
اعتليت البراق فلن نلتقي.. لن تعرف طريقها إليّ "( ص 255 ) بل نجد ان
الصديقين يتوجهان إلى قرية " منجم مهجور " ففي ص 260 قال فتحي [ ألم يقل
لنا السائق اننا سنلتقي عمال المناجم والمهندسين ؟ قلت نسينا ان نسأله عن آخر
مرة جاء فيها إلى هنا ] وفي الصفحة ذاتها [ همس فتحي " البيوت ما فيها ديار
ولا نافخ نار ومع ذلك اشعر انها مسكونة" ] بل سنجد في قصة الغيطاني "
هيكل حمار مات من الجوع " ( ص 259 ) مثل الكلب الميت الذي رآه لورانس
.
السائق كان يقص عليهما مغامراته .. " عبَرَ النهر في معدية حكومية
بقرش صاغ سوداني .. ثم مشى ساعة بين الجبال ورأى هيكل حمار مات من
( الجوع " ( ص 259
-2 أ -**سنجد ان الشابين يذهبان ( أو يلتقيان ) بالمتوحشين ايضاً في
الوصف الذي يقدمه الغيطاني لهم بعنوان " معلومات عن الزويل " ( ص - 267
و 268 و 269 و 270 ) سنجدها في النقاط التالية كما اوردها الغيطاني :
0 يعيشون في المنطقة البعيدة عن الطريق الواصل بين مصر والسودان
والمار ببلدة حلايب
يتجنبون لقاء بعثات المناجم أو البترول
دخل بعضهم صعيد مصر وتجولوا في مدنه
0 يرسلهم شيخهم " الشيخ الصهيج " وراء الصحراء وينتشرون في
المدن يعايشون ناسها ويعودون بعد غيبة طويلة قد تمتد سنتين
يختلي العائد ب" الشيخ الملثم "ساعات طوال ينقل له ما لا يعرف سره
أبداً
0 غير معروف سبب إرسال هؤلاء الطوافين الزويل - كما يعرفون -
0 المؤكد - يقول الكاتب - ان الزويلي لا يجرؤ على مغادرة جماعته إلا
بإذن خاص من الشيخ الملثم .
.. سنجد التشابه الواضح بين ( الجماعتين ) في القصتين :اي بين الزويل
والقبيلة التي " اخترعها " لورانس :
8
-2 ب- -عند لورانس
* تتساءل المرأة " ما وراء هذه التلال ؟ " فيجيبها محدثها " المزيد من
التلال " وتسأل " من يعيش في هذه التلال ؟ " فيجيبها " الهنود .. متوحشون
يقتلون المبشرين .. أنهم بعيدون تماما عن كل شيء وكل مكان وبالتالي تتركهم
( الحكومات في حالهم " ( ص 47 و 48
*يذهبون إلى سوق المدينة " شبه عراة وبأيديهم القوس والسهام "
* يرسلهم " الرجل العجوز " [ وهو شيخهم او رئيس قبيلتهم ] خارج
المنطقة لمدة قصيرة
* أرسل العجوز شاباً واحدا مدة طويلة لأنه سيصبح بعد ذلك " شيخهم - او
كاهنهم الأكبر "
* لا يستطيع أحد مغادرة القبيلة إلا بإذن من " العجوز "
-3 أ -
الفراغ الروائي عند لورانس :
المقصود هنا المساحة التي تتحرك فيها الشخصيات
وهي ؛ منطقة المنجم والجبل
* حالة المنجم :مهجور
* المنطقة المحيطة بالمنجم : مهجورة
* مفردات الأماكن : منجم مهجور للفضة
3 - ب الفراغ الروائي عند الغيطاني
# منطقة المنجم المهجور والبيوت المحيطة بها [ واضح انها لم تُهجر
من زمن بعيد ] ص 260
مفردات الأماكن : منجم مهجور [ فراغ .. وحدة .. بحر ] ص 263
9
في صفحات 254 ثم في 255 سنجد فتحي يعبّر عن " خروجه " من
شرنقته الخاصة :بيته وحبيبته [ شخص آخر قوي تمطى داخلي يدفع ضلوعي . لم
اسافر مئات الكيلومترات . كل ما تركته بيننا ، ابي أمي منتهى ]
وكم تبعد المسافة بين المرأة في لقصة لورانس وبين هدفها ؟
في قصة لورانس تقضي المرأة ليلتين في التلال مع جوادها وتسمع
أصوات حيوانات لا تراها. في يومها الثاني تلتقي بثلاثة رجال من الهنود
يبتدرونها بالتحية " آديوس " فترد عليهم ويسألونها " إلى أين تذهبين؟ " فتجيب
" إلى الأمام " وتفكر المرأة وهي تنظر إليهم : من المؤكد انهم من الهنود
المتوحشين ويشبهون في كل شيء الرجال الذين عملوا لحساب زوجها ماعدا
شعر رؤوسهم الطويل الأسود المسترسل فوق أكتافهم .”
يسألها واحد منهم " من أين قدمت ؟ " دائماً نفس الشخص يوجه الأسئلة ..
شاب بعينين سودوا ين كبيرتين سريعتين ينظر باستمرار بشكل جانبي إليها.
تجيب المرأة " قدمتُ من بعيد "
" لكن أين تعيشين ؟"
" في الشمال "
" أين تريدين المضي قدماً في هذا الدرب ؟ "
فتجيب " إلى الهنود من قبيلة الشيليشو"
تتواصل الأسئلة من الشاب ه عن أسرتها وزوجها وأين هو.يعود يسألها عن
ماذا تريد ان تفعل فتجيبه
" أريد زيارة الهنود الشيليشو لكي أشاهد بيوتهم ولكي أعرف آلهتهم "
يتشاور الرجال ليقول لها الشاب في النهاية " حسناً فلنذهب ولكن لن
نستطيع الوصول حتى الغد ؛ سوف نخيّم هنا الليلة "
وتوافق المرأة
وسنرى في قصة لورانس كيف يتعامل الهنود مع المرأة .يقودونها - بعد
موافقتها على مرافقتهم - بسرعة وقسوة تجاه قبيلتهم .. يسوقونها سوقاً هي
وجوادها ثم يقتلون الجواد بعد ذلك ويدفعونها إلى سير سريع خشن وطويل
ومرهق حتى يصلون بها إلى مقرهم .
وقبل ان يصلوا ؛ يقرر الرجال انهم سيخيمون ليلتهم. فيشعلون النار يطهون فوقها
طعامهم . يطعمونها ويحددون لها المكان الذي ستنام فيه . ويبدو بوضوح ان الرجال لا
يعيرونها اي اهتمام - كأنثى - وغير مبالين بمتاعها او سرجها .
10
في قصة الغيطاني يتم ايضاً لقاء مع شخص غامض من قبيلة غامضة هي "
الزويل "
ويسوقهم هذا الشخص إلى مضارب جماعتهم بعد ان يخيمون ليلتهم
ويشعلون نارهم يصطلون ويبعدون بها حيوانات الصحراء عنهم.
# قدم القاص للقراء معلومات عن "الجبال الموحشة الخالية " وعن قبيلة
الزويل المرهوبة الجانب .. " فالزويليون تحيطهم رهبة غامضة تجعل الجميع
. بعيدين تماماً عن الاشتباك معهم في قتال او التعرض لهم " ص 269
حينما يصبح الشابان بمفردهما بعد ان يغادرهما السائق بسيارته يظهر لهما
شخص ويقول " السلام عليكم " ويسألانه " من أنت ؟ " فيقول " انا زويلي .
زويلي إن شاء لله " ص 263
# نجد وصف هذا الزويلي كما يلي " عيناه ضيقتان تطلان على شخصين
آخرين وراءنا تماماً. رأسه مثقل بشعر هائش كثيف يتدلى على ظهره " 263
#يصف فتحي " وجه فتحي عليه دهشة ، خوف ، معه حق . فراغ . وحدة .
بحر ، ثم إنسان غريب ، لكن ..ربما داخلني ارتياح ، رجل زويلي ، جماعة ،
قبيلة ما ، تعيش بالقرب من هنا .. " 263
# يقنعهما الزويلي بأن لا يسيرا بمفردهما أو بعد العشاء ويقول ".. الليلة
ما فيها قمر صخور الجبل تنصهر في السواد .. " يشعل نارا " ضيوفي ان شاء
لله " 263
تساءل إسماعيل " ما الذي يجعلنا نمشي وراءه ؟ ونظر إلىّ فتحي بلوم
ربما سمعنا الرجل " 264
ونجد ان المرأة في قصة لورانس تواجه موقفاً مشابهاً. ذات السؤال
( الذي تسئاله إسماعيل ) وهما يحثانها على السير في اليوم الثالث " لقد تساءلت
طوال الوقت لماذا واصلت تسلق هذه الصخور . لماذا لم تقذف بنفسها إلى أسفل ،
وتحسم الموقف "
-4 أ - *وصف الهندي جسدياً عند لورانس :
الشعر المسترسل فوق الأكتاف . بشرة سوداء
4 - ب -# عند الغيطاني :[ .. رأسه مثقل بشعر هائش كثيف يتدلى وراء
ظهره ..ربما اطول مني شبرين ، نحيل ، لونه اقرب إلى البني المحروق . رقيق
الفم . مفرطح القدمين ] ص 263
11
5 - أ -
تعتقد المرأة ان الهنود الذين ألتفتهم " لابد انهم نفس الرجال الذين عملوا
لحساب زوجها في المنجم "
5 - ب -وعند الغيطاني [.. يتجنبون لقاء بعثات المناجم او البترول التي
تصل إلى هنا ؛ غير ان بعضهم ثبت فعلاً في سجلات شركة مصر للتعدين..] ص
276 نرجع إلى وصف الغيطاني لقبائل الزويل :[ أما الزويل فقد أنكر
الكثيرون ( وخاصة أساتذة قسم الجغرافيا البشرية بالجامعة ) ورجال الإدارة
وجودهم وقالوا : ليس هناك قبائل بهذا الاسم . ربما وجد تجمع بشري لا يزيد
تعداده عن المئات .. ] ويضيف [ ..إنهم دائماً بعيدون عن الحضر كجماعات ،
تحيطهم رهبة تبعد عنهم اي قبيلة أخرى ، إلى جانب إجراءاتهم الصارمة في بقاء
أخبارهم دائماً مبهمة ]
لنسترجع- ما اشرت إليه من قبل - ما كتبه لورانس عن قبيلة الهنود
المكسيكيين:
*متوحشون
*يقتلون المبشرين حالما يرونهم
*ستخدمون القوس والسهم
*شبه عراة
*قبيلة مقدسة انحدروا من صلب ملوك " الأزيتيك " السابقين
للشاب الذي كان ◌ً وفي قصة لورانس نشاهد وصفاً جسدياً ونفسيا دقيقاً
يتولى الحديث مع المرأة والعناية بها حينما وصلوا إلى مكان القبيلة و سوف
نكتشف مكانته في قيادة القبيلة .
ففي قصة لورانس - كما في قصة الغيطاني - تم اللقاء بين شخوص الكاتبين
بالصدفة ؛ لكنها صدفة شبه قدرية . فالمرأة كانت تعلم مسبقاً بخطورة الناس
والمكان الذين تود الذهاب إليهما.
*في قصة الغيطاني تظهر بوضوح رغبة الشابين في متابعة المغامرة ولقاء
شخوص غامضين ألمح إليهم سائق السيارة وسوف يتم اللقاء القدري الحتمي
بينهما وبين جماعة الزويل من حلال الفرد الزويلي الذي التقى بهما .. تماماً كما
حدث للمرأة التي سيقت إلى لقاء القبيلة من خلال لقائها بالهنود الثلاثة.
12
في القصتين سوف يسُاق الأشخاص الغرباء إلى مكان إقامة القبيلة ،
ويلتقون بشيخها ,، ويتم " سجنهم " في كوخ خاص
6 - أ -قصة لورانس :
* واحد من الرجال يبدو أكبرهم مقاماً وعمراً يرتدي جلد فهد مرقط
ويبدو كأنه " ساحر القبيلة ومعالج أمراضها " يستجوب المرأة عن طريق الشاب
الذي يترجم لها .
* يسألها " لماذا تركت المرأة البيت الذي تقيم فيه مع الرجال البيض ؟
وهل تريد ان تأتي بإله الرجل الأبيض إلى قبيلة الشيشيليو؟"
وتجيب المرأة بأنها لا ترغب في ذلك بل تقول " لقد تركت إله الرجل
الأبيض . قدمتُ لأتعرف على إله شيشيليو"
*يبتهج الهنود بشكل استثنائي مما يزيد في بلبلة المرأة. يحضرون لها محفة
، تجلس فيها ويحملها الرجال إلى أطراف القرية إلى بيت واطئ أبيض . ينزلون
المرأة من المحفة ثم يقودونها بعد ذلك إلى الشيخ الأكبر للقبيلة او كما سنعرف
بعد ذلك كاهنها الأكبر ليسألها ذات الأسئلة وترد بالإجابات ذاتها خاصة المتعلقة
ب " إله القبيلة وإله الرجل الأبيض "
6 - ب -وفي قصة الغيطاني
# يقود“ زيفر " الشاب الزويلي " ضيفيه " ايضاً إلى شيخ القبيلة ويطلق
عليه الغيطاني [ الشيخ صهيج الملثم الذي لم يطلع على وجهه إنسان ] ويواصل
وصفه بعد ذلك على لسان شخوص قصته " هل تأملت الرجل صاحب الشعر
الأبيض ؟ رحبوا بنا ، بدا شيخهم مغمض العينين ، ليس أعمى ، لا يظهر وجهه
لكني أحسست انه مغمض العينين ، انحنينا كما نصحنا زيفر أن نفعل "
7 - أ - وسنكتشف في قصة الغيطاني العلاقة بين زيفر " والشيخ الملثم
على لسان زيفر الذي يقول :
" ان أباه كان شيخ عشيرة لكن عند بلوغه بدأ الشؤم والنحس وأبوه منذ
حول بعيد يسوس أمور العشيرة يرفع كل كبيرة وصغيرة إلى الشيخ صهيج الملثم
" ويحكي زيفر كيف ان شيخاً آخر" هوندار “ أقل مرتبة من والد زيفر طمع في
المشيخة وان الشيخ صهيج راقب الصراع بينهما دون ان يتدخل ثم حسمه بإعلان
هوندار شيخاً للعشيرة وتم إزاحة والد زيفر كذلك تم عقاب زيفر نفسه " بان "
13
أمسك هوندار بزيفر ومنذ هذه اللحظة عرف بين الزويل كلهم أن زيفر لن يقرب
امرأة أبداً"
7 - ب - * العلاقة بين الهندي المكسيكي و" شيخه " ا
*" قال لها انه حفيد الرجل العجوز وابن الرجل الآخر الذي ألتقي بها في
البداية وكان يرتدي جلد الفهد المرقط وأنه من العشيرة الممتازة " كاكيزس "
ملوك الزمن الغابر قبل دخول الأسبان "
*ويصف لورانس الشيخ الأكبر :" وجهه عجوزً لدرجة انه اصبح مثل
الزجاج الأسود. تحت ظل خفيف ابيض من الحاجبين ترمقها عينا الشيخ
السوداويين كما لو كانت من بعيد، من بعد الموت تشاهد شيئاً لم يره أحد من قبل
بينما ينحدر شعره الأبيض فوق كتفيه مهوشاً ووجهه الذي يبدو اسود كما لو كان
لا ينتمي إلى هذا العالم "
*" فُتنت المرأة بالعينين اللتين كالزجاج . عينان تسمران من أمامهما لكاهن
عجوز، تراقبانها دون ان تطرف وتسيطران عليها . وفي عمقهما شاهدت عفواً
ابوياً ورجاء "
*سوف نتتبع كيف سجنت القبيلتان في القصتين من عثرت عليهما ولماذا
ايضاً
8 - أ - عند لورانس
*توافق المرأة - راضية - على فكرة التي أعلنها الرجال الثلاثة حينما التقوا
بها؛ أي المخيم المؤقت بعد ان يقولون لها ان القبيلة على مبعدة يوم آخر
* تتغير المعاملة في الصباح حينما يضرب الهندي الحصان غير مبال
باحتجاجات المرأة فيسوقونها هي والحصان بدون إرادتها ( لا يوجد هنا استخدام
للقوة ضدها شخصياً )
*يكتب لورانس " فقدت المرأة سيطرتها وامتزج ذلك بغضبها العنيف الذي
بدأ ينزاح ليحل محله الشعور بأنها مائته "
8 - ب - وعند الغيطاني
* أشعل لهم الزويلي النار
* " قبّل زفير يد الرجل الذي يجلس تحت المصطبة التي يعلوها الشيخ
الملثم قال إننا ضيوفه " 273
14
يسهب لورانس في وصف الرحلة التي قامت بها المرأة مع " آسريها "
و يختصرها الغيطاني ليأخذنا مباشرة إلى ما أطلق عليه " كوخ الضيافة " في
المكان او " الحلة " التي تقم فيها جماعة الزويل ..
نراقب وصف كوخ الضيافة عند الكاتبين وبالتالي نحلل العلاقة بين
المكانين والمعاملة التي يلقاها " الأسرى " عند الجماعتين .
9 - أ عند الغيطاني
*الكلام هنا على لسان إسماعيل :"تركته " يقصد فتحي " جالساً أمام الكوخ
الصغير المستدير ، يعلو مرتفع صغير من الأرض يفصل كوخ الضيافة عن
البيوت .. لو وقفت على أطراف قدمي أرى قمم البيوت المصنوعة من القش
تصلبها أعمدة أشجار تستدير من أعلى ، بناء بعيد ملون على بعد ينأى عن
الأكواخ "
9 - ب - عند لورانس
*" صف طويل من البيوت البيضاء الواطئة بأسطح منبسطة تبدو أكواخ
مربعة مكومة فوق بنايتين كبيرتين تقفان على طرفي المكان تواجهان بعضهما
البعض "
ثم يأتي إلى وصف " البيت " الذي وضعوا فيه المرأة
* أخذوها حافية إلى بيت صغير بحديقة داخلية . أغلق الهندي الشاب الباب
الخارجي وتركها سجينة "
وفي مكان آخر يواصل وصف المنطقة وبيت "الرجل العجوز "
*" قادها الرجال مباشرة إلى بيت كبير في نهاية الميدان مكون من طابقين"
وسوف تشاهد هذا البيت بعد ذلك حينما يسمحون لها بتسلق سطح بيتها
بمناسبة احتفال ما عندهم
*".. وهكذا سمحوا لها بتسلق السطح العالي للبيت الذي تقيم فيه لتطل على
الميدان .. في الجهة المقابلة للميدان يوجد البيت الكبير "
-10 أ - ثم عن معاملة " الأسرى "
في قصة لورانس: " تعُطى المرأة ثياباً بيضاء وقال لها الهندي الشاب انه
بإمكانها طلب كل ما تشتهيه . طلبت ماء لكي تغتسل فأحضر لها جرة مليئة ."
15
وتسال المرأة الشاب بعد ذلك " هل ستحتفظون بي أسيرة ؟" فيجيبها بأنها تستطيع
التمشي في الغد في الحديقة "
10 - ب -عند الغيطاني: " وضع زيفر يده فوق كتفي ، قمنا ، ارتدينا نعالنا
التي خلعناها خارج الخيمة ، أحاط عيني بمنديل ، ايضاً فتحي ، مشينا على صوت
زيفر يمين ، شمال ، احذروا حفرة ، نمر في امكن الحريم ، يجب ان لا نراهن ،
حرقتني رغبة في رؤية البيوت الزويلية " 274 ثم يصف البيوت " لو وقفت على
أطراف قدمي أرى قمم البيوت المصنوعة من القش تصلبها اعمدة اشجار تستدير
من أعلى ، بناء بعيد ملون على بعد ينأى عن الأكواخ " 266
ألم يشر لورانس إلى " بيت كبير في نهاية الميدان مكون من طابقين ؟ !"
-11 أ - ماذا عن وصف دقيق للقاء الأول مع " شيوخ الزويل وخاصة
فضولهم واسئلتهم .."أحاطنا شيوخ الزويل ؛ شعورهم هائشة عيونه حادة . تلمع
أسنانهم . سألنا أحدهم عن الطريق ؛ البعثات الجديدة التي ستأتي إلى المنطقة ،
عددها وهل نحن منها ، طيب إذا كنا لا ننتمي إلى هذه البعثات فما جاء بنا ؟ وهل
هذا معقول كيف يتنزه شابان في الجبال ، يعني ألم يخبرنا أحد بأننا سنلتقي
الزويل؟ .. هل تنوي الحكومة إرسال رجال مسلحين بالبنادق إلى هنا .. نظرت
بطرف عيني إلى الشيخ لا يرفع النظر عني مع ان عيناه لا تظهران .. تحار إلى
اي سنين العمر ينتمي ؟.. هذا العجوز صاحب الشعر الأبيض فوق رأسه ؛ نظرة
نافذة تخز كلسعة" 274
وبالرغم من ان الغيطاني لا يفصح عن موقف فتحي وإسماعيل من
" آسريهما " نجد إشارات واضحة :[ فتحي لا يميل إلى الكلام ، طوال النهار لا
يتحدث كثيراً .. قلت تعال نلف المكان ، قال فلنبق جالسين ربما نظرنا بدون قصد
[ إلى حريمهم 266
و.., [ عادة يقول الزويل للضيوف الأغراب عندهم من البداية ان مدة
ضيافتهم سبع ليال وان الغريب يمكن له مغادرة المكان في شروق اليوم الثامن
على ان يضمن الزويلي الذي صحب الغريب سلوك الضيف طوال الفترة فلا
يسمح له بالتجوال ساعة مات بين الغروب والعشاء ] 272
ثم فجأة تتغير المعاملة و.. [ طالعني زفير حاد الملامح ، .. تشكو حريمنا
انك نظرت اليهن . قلت لا ، قال حتى تنتهي ضيافتك وتلقى صاحبك لا تغادر هذه
الدائرة المحيطة بالكوخ ] 282
بعد هذه المحادثة سنكتشف ان " فتحي " قد اختفى .. أو أخفاه الزويل فليس
هنا شيء واضح في القصة سوى العبارة السابقة والعبارة التالية [ .. هذا الوقت
16
تماماً اول امس كان فتحي يتمدد هنا ، ألمسه أدفع عمري لو اراه الآن . اعرف انه
يعيش ، يتنفس لم يعل بخار لحمه في الهواء .. لن يعرف احد اين انا . أين فتحي
283 [ ..
-11 ب - أما بالنسبة للأسئلة التي سألها الشيخ الزويلي للشابين ..سوف
نلاحظ - ايضاً - عند لورانس هذا النوع من الأسئلة والفضول عن العالم الخارجي
.. يسأل الرجل العجوز المرأة " عن اي شيء تبحثين هنا ؟ " وهل تريد
المرأة ان تحضر إلى هنا إله الرجل الأبيض ؟ وهل تبحث المرأة عن إله الشيليشو
؟
لكن المثير في القصتين - والأكثر مدعاة للدهشة - استخدام الغيطاني
للتكنيك الذي أستخدمه لورانس في الطريقة التي تستولي القبيلتان بواسطتها على
‘إرادة الأسرى وتستلبها فيتحول الأسرى في القصتين إلى اشخاص بلا أرادة
يستسلمون لرغبة آسريهم الذين يقودونهم - في القصتين - إلى مصير متشابه من
خلال طقوس - متشابهة - لتقديم الأضاحي البشرية ؛ بهدف الوصول إلى - نتيجة
متشابهة ايضاَ - في القصتين !
لنبدأ بطعام الأسرى
12 - أ - عن طعام الأسرى
* يهتم لورانس بشكل خاص بنوع معين من الشراب يعطونه للمرأة ويصفه
كما يصف مفعوله بدقة :
" أ حضر لها ( الشاب ) شراباً مصنوعاً من العسل وأخذ يقنعها أن
تشرب منه " يسألها " هل تحبين هذا الشراب أنه منعش "
وتحسو المرأة الشراب بفضول ." انه مصنوع من الأعشاب ومحلى بالعسل
وله مذاق غريب ".
" تقول المرأة “ مذاقه غريب " ويرد الهندي " أنه منعش "
12 - ب - **الغيطاني يقدم في قصته - بواسطة زيفر - الشراب الذي يستلب
إرادة إسماعيل ويهتم ايضاً بوصف هذا الشراب الخاص .
تحت عنوان فرعي يكتب " عادة زويلية ؟ " وعلامة الاستفهام موجودة في
الأصل
*[ يصر الزويلي على تقديم مشروب أحمر اللون إلى ضيفه يشبه عصير
الفراولة ، مذاقه اقرب إلى طعم الرمان الناضج .. وتقدم للضيف أعشاب خضراء
17
مطبوخة باللبن كما يقدمون طبقاً به سائل أصفر سميك كالغراء غاية في حلاوة
المذاق يقولون انه من شجر قريب مقدس ويرقب الزويل ضيفه أثناء الطعام بعناية
281 "
والمدهش هذا "التشابه "عند الكاتبين في اثر وتأثير الشراب على من
يشربه
13 - أ - عند لورانس :
" شعرت المرأة ( بعد تناولها الشراب ) بأنها مريضة وأخذت تتقيأ بعنف
كما لو إنها فقدت التحكم في نفسها . بعد ذلك أحست بشعور عميق بالراحة يتملكها
" وفي موضع آخر يصف تأثير هذا المشروب عليها" " يحضر لها الشاب
المشروب الحلو ذاته ,وأحياناً أنواع أخرى . بعد ان تشرب تحس بثقل في أطرافها
وترهف مشاعرها كما لو أنها تسبح في الهواء وتزداد حدة سمعها "
13 - ب - عند الغيطاني نجد التأثير التالي للمشروب " كثيراً ما يطلب
الغريب - يحدث هذا بخجل في أول الأمر كميات أخرى خاصة من العصير الذي
يجعل الإنسان جائعا باستمرار والذي تظهر آثاره بسرعة على الجسم ايضاً ويزداد
وزنه " 281
14 - أ - عند الغيطاني نتيجة الشراب الغامض :
[ .. حركت ساقي بصعوبة ، تسارعت انفاسي ، حركتي طرأ عليها شيء ..
إنتفخ جلدي .. قوة مجهولة اضافت إلى جسمي كتلتي لحم عند ركبتي ازداد
جلدي تخانة .. غرزت اصابعي في ردفي ؛ اسهال يدركني شعور ما قبل الدخول
في مجهول ، اضطراب النفس شلل الهوعصب ، انثيال الذكرى ، الزمن ، بلعت
ريقي ، في اي الأيام أنا ] 287
14 - ب - عند لورانس
*سوف نجد تأثير الشراب على اعصاب من يشربه بحيث ترهف حواسه بل
ويُصاب بالرعب :
" .. أحياناً تسيطر عليها لحظات من الرعب ؛ حينئذ يأتي الهنود إليها
ويجلسون معها ويقدم لها الشاب شرابها الحلو وفي معظم الأحيان ذات الشراب
لكن أحياناً نوع آخر . وبعد ان تشرب تحس بثقل في أعطافها وان جسدها يسبح
في الفضاء "
مثل ما يحدث نتيجة لتعاطي المخدرات !
18
عند الغيطاني
نجد أيضاً كيف ترهف مشاعر إسماعيل وكيف تنتابه الهواجس التي تقارب
حالة "المدمن"
[ضاع فتحي اليوم وغداً اروح انا..اطحن الرمال تحت ضرسي يتآكل قلبي
يهريه البوتاس يذيب مثانتي.. اتضرع إلى الحسين سيد الشهداء خلاصة روحي
ودنياي يحز رأسي في كربلاء يسفك دمي تشربه الصحراء..] 290
ثم في مكان آخر " قلت انا جائع يازيفر . يهرش رأسه بقطعة خشب .. ربما
قرصتني بعوضة . يتحسسني ، لا أقاومه " 295
نجد عند لورانس ان القبيلة تبعث ببعض شبابها إلى " الخارج " إلى المدينة
والأسواق ليطلعوا على ما يرونه هناك . لكن الخروج من القبيلة له إجراءات
صارمة ولا بد من الحصول على إذن " شيخ القبيلة " كذلك فإن الفترة المسموح
بالتغيب فيها محدودة وقصيرة
15 - أ - **يعلن الشاب للمرأة - في قصة لورانس - انه ذهب في رحلة
إلى مدينة " مكسيكو سيتي " بل وزار الولايات المتحدة وتسأله المرأة " ماذا
فعلت بشعرك الطويل حينما كنت في الولايات المتحدة . هل قصصته ؟"
فيجيبها : " لم أقصه . كنت أضع قبعة على رأسي وأعصب منديلاً حول
رأسي "
تسأله " وهل كنت الوحيد من قومك الذي ذهب إلى الولايات المتحدة ؟:
يجيب " كنت أنا الوحيد الذي غادر لفترة طويلة . الآخرون يرجعون
بسرعة , لا يبقون بعيداً . الرجل العجوز لا يسمح لهم بذلك "
15 - ب - ** يعلن الغيطاني " ان الشيخ صهيج الملثم الذي لم يطلع على
وجهه إنسان هو الذي يرسل جماعات الزويل وراء الصحراء ، ينتشرون في
المدن ، يعايشون ناسها , يعودون بعد غيبة طويلة قد تمتد سنتين .." ويؤكد "
لكن المؤكد ان الزويلي لايجرؤ على مغادرة جماعته أو عشيرته إلا بإذن خاص
من الشيخ الملثم"
-عقيدة الطائفتين
19
ان " المبرر الروائي " عند الغيطاني في العلاقة بين " آسر " العابرين او
من يضلون طريقهم في مناطق الزويل وبين العقيدة الزويلية ؛ هذا " المبرر" ليس
بالوضوح الموجود عند لورانس وتفسير ذلك بسيط ومنطقي : فبينما لورانس يطلق
العنان لمخيلته واهتمامه بعبادة " الإله الشمس " هذه العبادة التي ترتكز على طقس
الضحية البشرية كما كان يحدث بالفعل عند بعض القبائل من السكان الأصليين في
المكسيك وكما سنشير بعد ذلك ؛ سوف نجد ان الخلفية الثقافية والدينية للغيطاني
والمجتمع الذي يعيش فيه تجعله يحجم عن الاقتراب من موضوع عبادة الأوثان
او كائنات ما وراء الطبيعة والأضاحي البشرية التي تقدم في هذا النوع من
العبادات عدا ما يأتي به على لسان أشخاص آخرين نظراً لحساسية الموضوع
الديني.
لا ننسى ايضاً المعايشة الشخصية التي قام بها لورانس في المكسيك وإطلاعه
على عقائدها وحضارات سكانها الأصليين والوجود الحقيقي التاريخي لعبادة الإله
الشمس وبالتالي للإضاحي البشرية بعكس عدم وجود خلفية تاريخية لعقيدة
الأضاحي البشرية في هذه المنطقة من مصر او السودان حتى في مرحلة ما قبل
الديانت السماوية . فلم يأتي المؤرخون ودارسو الحضارتين المصرية والسودانية
أو حتى النوبية بما يفيد بوجود هذا النوع من العقائد الوثنية .
وكما اشرنا من قبل فإن " الزويل " هي قصة وحيدة في" جنسها " في
سلسلة أعمال الغيطاني بينما عند لورانس نجد فلسفة متكاملة تكمن وراء أعماله
الثلاث المتعلقة بهذا النوع من العقائد !
- **يكتب الغيطاني عن ظهور طائفة تدعى " الحرابية " عقب [ صعود
الإله زويل الكبير إلى الغمام ] 320 وأن واحد منهم[ اسمه الشيخ الحدربي بن
الملثم عليه السلام لف الدنيا وقام بزرع زويل مخلصين في هذه الأصقاع والبلاد]
وفي موضع آخر يكتب عن زويلي يغادر عشيرته .. " سيقص شعره ، سيتخلى
عن أحلى عاداته الزويلية .. سيخرج إلى مدينة لم يسمع عنها أبدا .. إلى طنجة"
323
ويصف الغيطاني الزويل " انهم دائماً بعيدون عن الحضر كجماعات
تحيطهم رهبة تبعد عنهم أي قبيلة أخرى إلى جانب إجراءاتهم الصارمة في إبقاء
أخبارهم دائماً مبهمة .. "
وهو يقود القاريئ بالتدريج لأن يفصح له عن المعتقدات الدينية
والأسطورية للزويل
20
لكن قبل ان نتطرق إلى سرد الغيطاني لمعتقدات الزويل أود ان اسهب
بعض الشيء في رؤية لورانس لمعتقدات " قبيلته "
يحدد لورانس آلهة فبيلة الهنود بأنهما الإله الشمس والآلهة القمر
ومن خلال العلاقة التي يقيمها لورانس ؛ علاقة " حوار " بين الهندي
والمرأة الأسيرة يمهد من خلالها على بلسان الهندي للنهاية التراجيدية للمرأة ,
16 - أ - ** وسنجد ان عقائد الزويل رغم غموضها عند الغيطاني تتحدد
بما يلي
-
"توارى زويل الكبير في الغمام ، غمامة بعينها " 275
-" يبدأ الإله زويل الكبير يرقب ما يجري في الدنيا يسمع الآهة رجفة
الشكوى آلام الفراق " ثم يضيف " يغمض الإله عينيه فيجيء ظلام قاتم يفتحهما
فيلد نهاراً طفلاً رقيق الزرقة " 322
-" خلال الإنتظار الطويل الذي سيلتهم أجيالآ زويلية صابرة حتى يرجع
الإله زويل الكبير لا بد ان تبدو ظواهر جديدة " 323
- "بعد مجيء القمر بعد إكتماله مرات ثلاث بعد ان يتقن درياد اللسان
العربي بعد معاملته منذ الآن على انه عبدلله محمد بن عبدلله بن محمد بن إبراهيم
اللواتي الطنجي حتى يعتاد سيخرج ليعيد وقائع الطواف المقدس" 362
16 - ب - عند لورانس
*كما إختفى زويل الكبير في الغمام نجد ان الرجل البيض قد سرق الإله
الشمس وسرقت المرأة البيضاء الآلهة القمر وبالتالي فقدت قبيلة الهنود قوتها
واستسلمت للرجل البيض لكنهم سوف يسترجعون الإله الشمس والآلهة القمر مرة
أخرى وبالتالي سوف يستردون قوتهم السليبة ويقومون بالسيطرة على الرجل
الأبيض والمرأة البيضاء .
والنتيجة ؟ أن العالم - عالمهم - عند ما سرق الأبيض ألهتهم فقد إتساقه وتوازنه
ولا بد من إستعادة توازن العالم ..وكيف يتم ذلك ؟
تكتشف المرأة أن الهندي الشاب يجلس ويتحادث معها بحرية كما لو كان
يتحادث بصراحة . لكنها أحست بان كل ما هو حقيقي لم يُفصح عنه "
21
16 - ب -#وعند الغيطاني
[ في الأيام التي راحت تنقضي وراء بعضها البعض بدأ زيفر يجلس مع
فتحي أوقاتاً عديدة ويحكي له بعض ما رآه في حياته وما مر به ]
** لماذا إختفى زويل الكبير في الغمام ؟ لأنه " ضاق بما يجري في العالم
وكادت روحه النقية الطاهرة كالندى تختنق في اثامه وشروره " 275
_ " راح زويل الكبير يرقب ما يفعله ابناؤه الزويل الذين عرفوا بعد زمن
سر إختفائه فراحوا يعملون ليعيدوا للعالم إتساقه ونظامه ونقائه وصفائه " 275
عند لورانس :
*يقول الهندي الشاب للمرأة " نحن نعرف الشمس ونحن نعرف القمر . نحن
نقول حينما تضحي امرأة بيضاء بنفسها لآلهتنا ؛ حينئذ تبدأ آلهتنا في إعادة صنع
العالم مرة أخرى وسوف يسقط إله الرجل البيض ويتناثر .. الشمس حية في طرف
السماء ويعيش القمر في الطرف الآخر . يحاول الرجل طوال الوقت ان يُسعد
الشمس وتحاول المرأة ان تبقي القمر هادئاً في مكانه في السماء . طوال الوقت
عليها ان تبذل جهدها من اجل تحقيق هذا . وبهذا لن تقدر الشمس مطلقاً ان تلج
بيت القمر ولن يستطيع القمر ان يذهب إلى بيت الشمس في السماء . لهذا فإن
المرأة تطلب من القمر أن تأتي إلى كهفها ؛ بداخل المرأة . والرجل يجذب الشمس
إليه حتى يستحوذ على قوة الشمس . طوال الوقت عليه ان يفعل هذا . وهكذا حينما
يأخذ الرجل امرأة ؛ فإن الشمس تدخل إلى كهف القمر وهذه هي كيفية بداية كل
شيء في العالم "
وتسأله المرأة " لماذا إذن لم يصبح الهنود سادة الرجل الأبيض ؟ "
يجيبها " فقد الهندي علاقته مع الشمس وأصبح ضعيفا لأن الرجل الأبيض
سرق الشمس لكنه لن يستطيع الاحتفاظ بالشمس ؛ لأنه لا يعرف كيف . وكذلك
المرأة البيضاء ؛ سرقت القمر ، لكنها لا تعرف كيف تحتفظ به , وهكذا غضب
القمر من المرأة البيضاء . القمر يعض المرأة البيضاء .. يعضها في داخلها ..
القمر غاضب من كهف المرأة البيضاء . الهندي يرى ذلك وسرعان ما تسترجع
المرأة الهندية القمر وتبقيه ساكناً في بيوتها. والرجل الهندي سيسترجع الشمس
وبالتالي القوة على العالم كله "
وكيف يتم ذلك عند الغيطاني ؟
22
**في اللحظة التي يعملون فيها لإعادة اتساق العالم ونظامه ..[ في اللحظة
التي يتحقق فيها هذا يقوم جند الزويل من كل مكان ، كل من مات منهم على مر
السنين يقوم ، يقصدون جبلاً كبيراً على هيئة التمساح يقع شمال مدينة أسوان
بحوالي أربعين كيلومتر يقصدونه في جموع تسد عين الشمس وتزحم حلق المغيب
وفي غداة وصولهم يبدو لهم زويل الكبير عند الركن الأيمن للجبل الذي قيل انه
ارتفع عنه يشهر بيده رمحا رأسه مذهب يدفعه إلى شيخ الزويل الظاهر الذي يذبح
نفسه راضياً.. عندئذ يتولى زويل الكبير القيادة بنفسه ..هكنا ينبسط سلطانهم على
العالم ، يسحقون آخر ما تبقى من شر وإثم .. وقبل هذا يجتمع الزويل في ساحة كبيرة ..
يتوجهون إلى شيخ الأوان الظاهر فينادي زويل الكبير زويل الذي يقهر الشياطين في السحاب
ويجري الآمال الصافية الكبار يقتحم كهوف الكآبة والأكدار يخرج الأحزان من الأرحام ..
276"
.. وفي مكان آخر [ طبقاً للتقويم الزويلي والحول الزويلي يوازي اربعين
اربعين عاماً وستة شهور بالتقويم الميلادي ويبدأ تقويمهم منذ إختفاء زويل الكبير
في الغمام ] 303
هكذا تتدثر العقيدتان في غموض يلفهما حول " أختفاء " او " سرقة " فعند
الغيطاني سبب الإختفاء هو أن زويل الكبير هجر العالم [ لنه لم يطق زيفه وناله
الأذى العظيم ] وعند لورانس " سرق الرجل ألبيض الشمس وسرقت المرأة
البيضاء القمر "
والنتيجة ؟
عند الزويل .[رأى ( الشيخ الكبير ) ان يتطهر قومه من كل خداع ومكر .
ولما كانوا هم جزءاً من العالم فكل ما يجري فيه لا بد ان يوجد فيهم ؛ الخداع قمع
الطهارة الخبث .. ] الخ 276
وعند لورانس
يقول الهندي " لقد فقدنا سلطاننا على الشمس . نحاول ان نسترجعها .لكنها
خجولة مثل فرس يريد ان ينطلق بعيداً. علينا ان نعاني الكثير "
وكيف يتم إسترجاع ما أختفى او سُرق ؟
عند لورانس
بعد ان يسترجع الهنود الشمس والقمر "سينبسط سلطانهم على العالم كله"
وعند الغيطاني
[ عرفوا بعد زمن سر اختفائه فراحوا يعملون ليعيدوا للعالم اتساقه ونظامه
ونقفائه وصفائه] 275
23
- التضحية البشرية
هكذا يمنطّق لورانس مبرره الروائي بقدرية المرأة التي سارت إلى نهايتها
وحتفها بقدميها ليكرره الغيطاني في مبرره الروائي ايضاً بأن يخرج فتحي
واسماعيل من أمنهما القاهري إلى مغامرة تقودهما - ايضاً - إلى حتفهما .. على
الأقل إسماعيل !
17 - أ - في " المشهد الأخير" العظيم عند لورانس يبرق ببهائه الروائي
الأسطوري ( بالإستخدام العلمي للإصطلاح ) و في الوقت ذاته يحتفظ بواقعية
خاصة بإهتمامه بالتفاصيل الضرورية السابقة لمشهد التضحية البشرية والتي
تقودنا إليه :
* تُحمل المرأة على محفة تحيطها قرع الطبول وصيحات الأهالي الغريبة
وعلى محفة أخرى يجلس الشيخ الكبر بوجهه الذي "مثل قطعة من البازلت" .
ويغني الهنود أغنية وحشية عنيفة.. وحول المحفتين يرقص الراقصون وقد تزينوا
بالريش الملون ويتجهون صعداً إلى الصخور حتى يقفون على مدخل كهف ينحدر
إلى ظلمة الصخر ..
*من داخل الكهف يتقدم الشيخ العجوز يحمل سكيناً من الحجر بالقرب من
النيران المشتعلة وبجواره كاهنان يحملان سكينين من الحجر ايضاً.
*يحيط الكهنة بالمرأة ويرقدونها على صخرة منبسطة ويمسك بأطرافها
أربعة رجال أقوياء .
يكتب لورانس " ..تنظر المرأة إلى أشعة الشمس التي تزحف ببطء وتنتشر
في منتصف الكهف . الأشعة تزحف ببطء وتزداد احمراراً . وحينما تقارب
الشمس الحمراء على الغروب فإنها سوف تملأ الكهف كله . فهمت المرأة الآن ما
الذي ينتظره الرجال "
وحينئذ سوف تصيبها السكاكين .
وينهي لورانس قصته " سوف تصيبها سكين الرجل الشيخ في مقتل . ينهي
التضحية .ويحقق القوة .هذا هو السر الذي يجب ان يتمسك به الإنسان ويمرره
من عرق إلى عرق آخر "
17 - ب - # يكتب الغيطاني
24
[ .. سحبني زيفر من يدي أمشي متباعد الساقين يترجرلحمي كالزوائد.. قال
انه سيصحبني إلى كوخ عجوز لتعرف حقيقة حالي، قلت هل اعصب عيني ؟ قال
لا.. اليوم سمح لك الشيخ صهيج بالتجوال بين خيامنا كما ترغب . النساء يقفن
يحملن اطفالهن الصغار امام الخيام بعضهن اقتربن مني ، تحسسن ظهري ..
جاءت نساء اخريات أحطن لحمي لمعت اسنانهن في عتمة الرماد، زعق زيفر
باللغة الغريبة ..فتح باب الخيمة أزاح جانباً كاملآ من جوانبها .عيون ضيقة حادة
تطل من فوق بعضها البعض . اطفال رجال ، دخان يملأ الهواء . لمحت قشاً
أحمر يتطاير في الفراغ .. ارتعشت أطرافي .. احاطتني العجائز ، خلعن ثيابي .
تحجرت عيناي ، ثبتتا فوق دائرة صغيرة خضراء وشم يتوسط ذقن بنت زويلية ..
300 [
وقبل ذلك اوردت مشهد "الجبل الكبير على هيئة التمساح يقع شمال اسوان
في جوف الصحراء الشرقية بحوالي اربعين كيلومتراً " والذي تتم عنده طقوس
ذبح شيخ الزويل الظاهر برمح رأسه من ذهب يقدمه شيخ الزويل الكبير عندما
يبدو للزويل مرة اخرى بعد إختفاءه 275 وهو المشهد " المتناص " مع مشهد
النهاية عند لورانس لكنه يختلف عنه في ان الضحية البشرية هنا هو " شيخ
الزويل " مع وجود ضحية بشرية أخرى هي اسمعيل الذي يروي لنا حكايته.
ونلاحظ هنا طقس " خلع الثياب " يتكرر في القصتين
عند لورانس : " أخذوها عند الرجل العجوز وخلعوا ثيابها كلها"
وسوف يحضرونها امام القبيلة لكلها " وبعد ذلك جاء يوم الإحتفالات حينما
أحضروها امام كل الناس وبمواجهة مذبح لواحد من البيوت فطيبوا جسدها
بالعطور ونثروا الرماد فوقها" ويضيف بع قليل " كانت واعية بصوت الطبول
العميق القوي وصوت الرجال القوي الذين بدؤا يغنون بوحشية وتحس بأمواج من
الناس حولها تتأرجح امامها "
يقول مؤرخو لورانس وناقدوا أعماله ؛ انه كتب مرة أخرى قصة حول عبادة
الشمس بعنوان "الشمس" عقب عودته إلى أوربا في سبتمبر 1925 ولكنه تعامل
مع الشمس في قصته الثانية " باعتبارها قوة شافية وليست قوة مدمرة . ثم عاد
فكتب مرة أخرى عن " ما وراء الطبيعة " قصة بعنوان " الأشباح المسرورة " .
إن التناص في هذه الدراسة المقارنة يتضح في :
25
1- -تشابه الزويل مع هنود لورانس في الاقتراب / والبعد عن الحقيقة
2- - الجماعتان تؤمنان بعقائد " أسطورية "وبحثهما عن إعادة الاتساق
والنظام إلى العالم و( أو ) السيطرة عليه
-3- تشابه موقف القيادة الدينية / الأسطورية في الجماعتين من حيث
خروج الأتباع إلى العالم الخارجي بل ومن التشابه الجسدي والوظيفي للشيخين في
الجماعتين
-4- تعامل الجماعتين مع الأغراب الذي تسوقهم أقدامهم إلى مناطق سكنهما
( اين فتحي المختفي ؟!)
-5- نوع الطعام والمشروب السحري وتشابه تأثيره على الشارب
6- ^-تشابه الفضائين الروائيين في القصتين .
-7 ان إعادة العالم إلى ما كان عليه بالنسبة للجماعتين لا بد
وأن يتم بواسطة الضحية البشرية
قام لورانس برحلات طويلة في المكسيك وتعرّف عن قرب على جبالها
ومناخها وعادات السكان الأصليين بالإضافة إلى اهتمامه بعباداتهم وعقائدهم
وعبادات وعقائد قديمة مشابهة؛ لهذا وجدنا سلاسة منطقية في "مبرره الروائي "
تنسجم مع مواقفه الأخرى وبقية أعماله الروائية .. لكن للغيطاني - حسب علمي
- لم يتعرف على المنطقة الجغرافية للقصة، ولم يقم بزيارة ميدانية لها خاصة إذا
ما عرفنا أنه في زمن كتابة القصة ( مارس 1969 ) عمل في مؤسسة اخبار اليوم
( كمراسل عسكري وعاصر حرب الإستنزاف (بعد هزيمة 1967
وهو زمن حفل- ايضاً بمشاكل حدودية مع السودان في هذه المنطقة بالتحديد
لهذا كان من الصعب القيام بزيارة المنطقة..
***تعلن السيدة عطيات الأبنودي في كتابها " أيام لم تكن معه -دار
الفرسان - مارس 1999 " اسماء المعتقلين السياسيين الذين تم اعتقالهم في الفترة
التي اُعتقل فيها عبد الرحمن الأبنودي ما بين اكتوبر 1966 ومارس 1967 ومنهم
جمال الغيطاني .
بينما يكتب المؤلف في الصفحة الأخيرة للزويل تاريخ إنتهائه من كتابتها : مارس
1971 - 1969 وتاريخ بداية ونهاية كتابة الزيني بركات : الجمالية 1970
ونحن نعلم ان روايته الشهيرة " أوراق شاب عاش من الف عام " والتي
كتبها نتيجة تجربته في المعتقل نشرها( عام 1969 - طبعة اولى - طبعة خاصة -
دار صلاح الدين - كما جاء في قائمة كتبه في كتابه " نجيب محفوظ يتذكر "
( الطبعة الثالثة -أخبار اليوم - 1987
26
.. وهكذا تتضارب المعلومات المسجلة في كتب الغيطاني عن تاريخ نشر الزويل
فبينما يقول غلاف الكتاب الذي أتعامل به في هذه الدراسة " اما الزويل فهي أول
رواية ينشرها الغيطاني وتقدم واقعاّ..الخ " فهل كان المقصود " يطبعها أم ينشرها
؟ّ" ثم يؤرخ الكاتب تاريخ انتهاء كتابتها " مارس 1969 في حين يعلن ان تاريخ
نشرها عام 1974 أي ان هناك خمس سنوات بين كتابة االقصة ونشرها في كتاب
مع اني أذكر اني قراتها مسلسلة في واحدة من مجلات مؤسسة روزا اليوسف قبل
عام 1970
هدفي من التدقيق في " تواريخ " النشر محاولة وضع القصة في مكانها
الدقيق على خارطة قائمة كتب الغيطاني وبالتالي تحديد موقعها من داخل نسلسل
أعماله ومنطقها الروائي فهي تأتي بين الزيني بركات ( التي اكدت مكانته الروائية
) وبين وقائع حارة الزعفراني التي أكدت إنكبابه في هذه الفترة من كتابته على
تاريخ مصر االمملوكي حيث يكتب الغيطاني في الصفحة الأولى من الزيني
بركات " نسجل هذه المشاهدات أحوال القاهرة خلال شهر أغسطس 1517
ميلادية الموافق رجب 922 ه "
ثم نلاحظ التجانس الواضح في الفضاء الروائي لأعماله في تلك الفترة في
" اوراق شاب وفي الزيني بركات ووقائع حارة الزعفراني" مع كتابته المجموعة
القصصية المنشورة 1972 بعنوان " ارض .. أرض " وهي عن حرب
الإستنزاف حيث كان كما كتب أكثر من مرة يسافر إلى الجبهة المصرية على قناة
السويس كمراسل عسكري .
من هنا يبدو الإختلاف الشاسع بين فضاؤ " الزويل " وأعماله في تلك الفترة
بالرغم من ما جاء على غلاف المجلد من انها " تدين قهر الإنسان في اي زمان
وأي مكان "
وسنكتشف بدون كبير عناء أن طبوغرافية منطقة القصير -الشلاتين وهي
الفضاء الروائي للزويل تطابق طبوغرافية لورانس " الحقيقة او المتخيلة " في
قصته متداخلة مع فضائها الروائي ويتشابه الفضاء ان من حيث التضاريس
الجغرافية والبعد عن الحضر .
ان " الزويل " ليس لها " مبررها الروائي " فهي لا تغوص في عمق
الشخصيات - كما عند لورانس - وليس لها منطقها الخاص كما أنها " يتيمة "
ليست لها شقيقات او اخوة غيطانيين !
هناك كتاّب مثل صالح مرسي وصبري موسى وعبدلله الطوخي كتبوا عن
البحر وعن النيل وعن الصحراء النائية والأماكن الموحشة ؛ لكن القارئ يلاحظ
27
عمق اهتمامهم بهذا الجنس الروائي بل وممتابعة الكتابة والبحث فيه وهذا ما لا
نجده هنا في هذه القصة اليتيمة عند الغيطاني .
ولهذا فإن شبهة " التناص " بين الزويل و " المرأة التي .. " شبهة دامغة
تثير ذلك القدر من الأسئلة الذي أشرت إليه في البداية .
وقد يقول قائل ان ثمة اختلاف في نهاية القصتين لكني أؤكد هنا إن الاختلاف
لا ينفي علاقة التناص بينهما وخاصة في الرحلة الطقسية التني تقوم بها
الجماعتان إلى الجبل ( عند الغيطاني ) او الكهف الصخري في الجبل عند
لورانس حينما تقدم التضحية البشرية ؛ وإن حدثت الضحية ( بالذبح بالسكين
ايضاً ) في قصة الغيطاني من داخل الجماعة .مما يقدم غموضاً لم يفصح عنه
الغيطاني لهدف جماعة الزويل في " أسر " الشابين وإعطائهما الشراب الخاص
وإن كانت هناك إشارات أن جسد فتحي أصبح سميناً بشكل غير عادي وخاصة
من مؤخرته مثل " خروف الضحية " وخاصة لما قاله على لسانه في نهاية الجزء
الأول حينما ساقه زيفر إلى كوخ المرأة العجوز وخلع ثيابه عن جسده .
هناك عشرات " من تفاصيل التشابهات " بين القصتين لم أشر إليها
بالتفصيل ؛ مثل العلاقة بين " الآسر " والمأسور " والحديث الذي يجري بينهما
وما يبوح به " الآسر " من اسرار عن الطقوس والعقائد التي تخصه وهناك ايضاً
الإشارات المتكررة المتشابهة في القصتين عن " وقع الطبول الغامض " وعن "
العجائز الذين يحيطون بالأسير" ..
هناك بالطبع كتابة ملتبسة - مقصودة - في الجزء الثاني والأخير من
الزويل لإدخال عناصر وشخصيات وافدة لا علاقة لها بالقصة الأصلية وبالشابين
فتحي وإسماعيل ؛ لكن هذا الالتباس يقوي من موقفي ويسند رأي ويدعمه .
ولكي يزيد الغيطاني من الإلتباس المتعمد ؛ فقد كتب نهايتين للقصة :
النهايةالأولى متطابقة - لحد كبير - مع قصة لورانس :
الجبل الذي يقصده " جند الزويل " ويظهر زويل عند " الركن الأيمن "
للجبل ثم طقس الذبح( ص 275 ) ثم فقرة اخيرة في آخر الجزء الأول " ..
زعق زيفر .. فتح باب الخيمة .. أزاح جانباً كاملاً من جوانبها . عيون ضيقة حادة
تطل من فوق بعضها البعض . اطفال ، رجال ، دخان يملأ الهواء . لمحت قشاً
احمر يتطاير في الفراغ، إمرأة تمسك سعف النخيل الأخضر . بنات صغيرات
شبه عرايا ينفخن في قواقع صغيرة .. أحاطتني العجائز ، خلعن ثيابي ، تحجرت
عيناي ، ثبتتا فوق دائرة صغيرة خضراء . وشم يتوسط ذقن بنت زويلية خارج
الكوخ تنظر إليّ، لاتشيل عينها من عليّ. أرعشت الذكرى روحي . اين فتحي ما
28
الذي يقصده ؟قلبي ينزف دمعاً، لو ارى البحر .. منتهى .. اسمع صوتها مرة
( واحدة . كلمة واحدة .. استأذنك ."( ص 300
وسنجد عند لورانس ذلك الوصف المهيب والمرعب للحظات الأخيرة :
" " .. كانت واعية بكل ما يدور حولها .. كيف نزعوا ثيابها عنها .. "
وفي مكان آخر يكتب " .. كانت تعلم انها ضحية .. وأن كل هذه الإجراءات
الإحتفالية بهدف تأكيد وضعها كضحية "
ويصف لورانس كيف قدم جميع الهنود في المحلة للمشاركة في" ألإحتفال"
بالتضحية بالمرأة البيضاء .. وكيف صعدوا إلى الجبل ( نعم الجبل الذي أشار إليه
الغيطاني ! ) وكيف تم الذبح ..
وفي الجزء الثاني من الزويل نجد نهاية " غيطانية " :
إذ يقدم شخصية جديدة لم تكن موجودة منذ البداية هي شخصية " سازل "
ويقحمه على النص " لعب سازل دوراً خطيراً في تسطيح العقول الزويلية .. " ثم
.. " ..أنا أجهل الإسم الذي يعيش به سازل بيننا ، لكني اناشد الأستاذ جمال
الغيطاني ان يعلن إسمه حتى نمنعه من اداء دوره الخطير .. " الخ !
الغيطاني يحتاج إلى الفضاءات التي نحتها لورانس من خلال أسفاره وخياله
فلا يستطع الغيطاني الفكاك منها ومن " أسر " كاتبها الأصلي ..فهكذا تظهر
منطقة المناجم المهجورة ويظهر الجبل أيضاً - كما عند لورانس - في الفضاء
الروائي عند الغيطاني ليلعب دوره الأسطوري الذي وظفه لورانس لإضفاء سمة
القداسة على عقيدة التضحية البشرية ..
التي عند الغيطاني هي شيخ الزويل الظاهر " الذي يذبح نفسه راضياً"
ومثلما بدأ الغيطاني فضائه الروائي - كما فعل لورانس ..بالصحراء
وغموضها الموحش والمناجم الهجورة والقبيلة الغامضة المتوحشة .. انهاه ايضاً
كما انهى لورانس قصته بذات الفضاء الروائي: بالجبل والكهف وطقس الذبح !
في مقدمة ما كتبت أشرت إلى " ما الداع إلى هذا " وأود هنا ان أجيب على
سؤالي ؛ بأننا ونحن نودع قرناً ونستقبل آخر لابد ايضاً من ان نودع مرحلة
أشرت إليها .. مرحلة إستيلاء " المستوطنون العرب " على ناصية الحياة الأدبية
والسياسية وعلى مقدراتنا نحن ..
إذن .. كان لابد من " هذا " !
رءوف مسعد
أمستردام ديسمبر 99