بمناسبة قضية ريجيني التي لا تهدأ
تساءل بعض أصدقائي في القاهرة عن "أي شيطان امسك بتلابيبي لكي ادخل انفي في قضية ريجيني ؟" وبالطبع لم
أعطهم غير اجابة مبهمة . ثم جاء معرض الكتاب في القاهرة أيامها و سألت شخصين مصريين يعملان بالميديا
المصرية : سؤالا محددا هو إذا ما ذهبت إلى الجناح الايطالي الأنيق في معرض الكتاب و معي لوحة كبيرة عليها
جملة واحدة بالايطالية و العربية هي " الحقيقة لريجيني " هل ستدافعان عني ؟ فقالا بكل وضوح إنهما بالطبع
سيدافعان عني لكن المشكلة في أن الأمن المصري المرتبط بالمعرض قد يجرني من قفاي إلى قسم الشرطة الذي
سيتعامل معي باعتباري شخصا مشاغبا بالطريقة التي تتعامل بها الشرطة مع " المشاغبين " و قد تمر ساعات طويلة
قبل أن يتعرف ضابط كبير بالأمن المصري على شخصيتي و جنوني فيأمر بإطلاق سراحي .. واني بالتأكيد لن
اخرج حيا من هذه التجربة .!
خفت فقد كنت في طريقي إلى الثمانين و قمت بجراحات في القلب في هولندا وبالتالي لا استحمل خبطة صغيرة ..
كنت قد أعلنت و ما أزال أعلن باني "جاهز للموت و الرحيل النهائي" . على الأقل أسرتي الصغيرة يعرفون ذلك
وكذا أصدقائي المقربين . لكني لم أكن و لا أزال على استعداد أن اترك هذا العالم بسبب وحشية و سادية ضباط امن
مصريين .
أريد على الأقل أن اختار طريقة ألطف و طبيعية أكثر لمغادرة هذا العالم الذي بقيت فيه طويلا ونجوت من
رصاصات قناصين في بيروت و حربين أهليتين في السودان و سرايفو .
في القاهرة أيضا و بمناسبة المعرض التقيت صدفة بالكاتب العراقي "جبار ياسين " وهو ضيف دائم على المعرض
و علاقتي به جيدة.
قلت له عن فكرتي في تجميع بعض المثقفين المصريين و العرب والذهاب بهم إلى ايطاليا لنعلن للإيطاليين و للعالم
إننا كمثقفين مصريين و عرب ندين تعذيب و قتل ريجيني و نطالب الحكومة المصرية " بالحقيقة " التي تطالب بها
أسرة ريجيني .
تحمس جبار للمفكرة وتواعدنا في حال عدم استكمال نقاشها في القاهرة أن نتواصل مع بعض عبر النيت و التليفون
..
قبيل سفري من القاهرة تحادثت في موضوع السفر مع سيديتين تعملان بالثقافة و الصحافة وكذا بضعة
أشخاص من الذكور أيضا من الذين يعملون بالميديا و الثقافة ( لست هنا في حل من ذكر أسماء هؤلاء الناس حماية
لهم بالطبع ) ووعد جبار بتدبير الأمور في ايطاليا فهو يعرف ناشرا ايطاليا إضافة إلى بعض المثقفين اليساريين
هناك .. وبالفعل تحرك جبار بسرعة و التقى ببعض الناس المهتمين بالموضوع في ايطاليا من مبديا و أحزاب وجمع
ألف يورو تبرعات من أشخاص ايطاليين مساهمة في السفر و الانتقالات بينما أعلنت له آني متنازل عن نصيبي في
الدعم فقد عملت حسابي أن أسافر و اقيم و أتحرك في ايطاليا على حسابي .
قال لي جبار أن ناشره الايطالي أرسل دعوات رسمية لمن قدمنا له من أسماء في مصر لكي تسهل لهم القنصلية
الايطالية إجراءات السفر بصفتهم مدعوون منه كناشر إلى المشاركة في معرض تورينو للكتاب وطالب الجهات
الرسمية الايطالية أيضا بالتكاتف بالمساعدة لكن أصدقائي المصريين لم يستطع أي منهم الحصول على الفيزا
الايطالية رغم معرفة القنصلية و السفارة أيضا بالغرض الأساسي من السفر و هو التضامن مع عائلة ريجيني
بإظهار الحقيقة
فقد كنت قلت للزملاء المصريين إننا حتى نكون في " سلام " مع الدولة المصرية لن نتهم أي جهة في الدولة أمنية
كانت ام سياسية بالضلوع في مقتل ريجيني .. وقد اتفقنا جميعا على هذا الخط الذي سنسير عليه في روما حيث جهز
لنا جبار ياسين مؤتمرا صحافيا .
كنت قد اتصلت بمسعد أبو فجر السياسي و المثقف السيناوي في منفاه الاختياري ( وكنت قد ساهمت من قبل في
حملات إطلاق سراحه بقدر امكانياتي ) وأخبرته بالمشروع فرحب وقال انه سوف يشاركنا في كل تحركاتنا و
بياناتنا .
هكذا لم يستطع أي من المصريين المقيمين في مصر الحصول على فيزا فاتصلت بصحافية و ناشطة مصرية
اسألها أن كانت تستطيع أن تحل مشكلة عدم وجود أي من المصريين المقيمين في مصر فقال انها عتدها فيزا
مفتوحة و صالحة من لفرنسا وإنها تستطيع أن تسافر و نلتق جميعنا في روما فحجزت لها بطاقة سفر الكترونية
من امستردام وبالفعل جاءت لكنها انسحبت من المشاركة و لهذا الانسحاب قصة غريبة و طريفة أيضا .. فهي
ارادت أن تسأل دكتور رفعت السعيد( كان ما يزال حيا ) عن رأيه في يفرها التضامني رغم انها كما قالت لي ذلك
ليست عضوة لا بالتجمع و لا في أي تنظيم ماركسي مصري . كنت قد اتصلت بها تليفونيا ليلة سفرها من القاهرة
اطمأن عليها فقالت انها حزينة وشرحت لي أن رفعت السعيد حذرها من السفر خاصة معي لأني "مجنون و ممكن
أوديها في داهية وان جواز سفري الهولندي يقدم لي حماية كبيرة "
فقلت لها مواسيا " على فكرة جواز سفري الهولندي طبقا للقوانين المصرية لا ينفعني في مصر خاصة آني لم أتنازل
عن جنسيتي المصرية . وان السلطات المصرية إذا ما رأت استجوابي في أي شيء سيتعاملون معي باعتبار ي
مواطنا مصريا احمل بطاقة الرقم القومي مجددة !" و أضفت " خلاص خليكي في القاهرة وخيرها في غيرها " !!
لكنها أصرت على السفر بحجة آني خلاص دفعت ثمن بطاقة السفر. حاولت أن اهون من الأمر عليها و آني ممكن
فورا استرد أكثر من نصف سعر البطاقة لكنها أصرت انها"جاية "
حكيت لزوجتي ما حدث ( فهما يعرفان بعضيهما من زمن ) فاندهشت زوجتي لكنها لم تعلق
و سافرت أنا في اليوم التالي إلى روما واكتملت المجموعة التي في روما بوصول الزميلة المصرية من القاهرة ..
وبقينا في الفندق الصغير بالقرب من سنتر المدينة وجلسنا نتسامر مساء و سمعت الزميلة المصرية جبار ياسين
يحكي بالفرنسية من الموبايل تبعه مع راديو فرنسي بالتليفون و فهمت منه وهي تجيد الفرنسية انه "أدخل " النظام
الحاكم في مصر في موضوع ريجيني و في قضايا الديموقراطية . ساعتها قررت هي الانسحاب من جماعتنا
الصغيرة بل و دفعت هي لجبار تكاليف الإقامة في الفندق و بقيت معنا لليوم الثاني الذي اعترتاه جولة حرة في
روما.
حينما انتقلنا إلى المؤتمر الصحافي نصحت زميلتنا المصرية بعدم الحضور طالما هي أعلنت ذلك و بقيت خارج
القاعة و رأينا ثلاثة مصريين يحمل احدهم كاميرا سينما كبيرة و ومعه رجل و فتاة مصريين .
كنا في بوفيه قاعة المؤتمر و راحت الفتاة تتحدث إلى مسعد ابو فجر باعتبارها صحافية مصرية.
وهكذا دخلنا القاعة و قدمنا سكرتير نقابة الصحفيين الايطاليين وهنا هاج واحد من المصريين الثلاثة و بدأ يتهمنا
بالغة العربية بأننا عملاء الإخوان الذين مولوا هذه الرحلة و إننا لسنا وفدا يمثل المثقفين المصريين فطلبت منه
باللغة الانجليزية أن يتحدث بالانجليزي لكنه واصل بصوت عال بالعربية فحاول مقرر الجلسة أن ينبهه إلى إننا لم
نبدأ بعد المؤتمر و عليه أن يلتزم بالنظام . كان هدفه بالفعل الشوشرة لكن المقرر هدده إذ لم يلتزم بالنظام سوف
يطرده من القاعة . فرضخ الآخر مرغا بعد أن أشار المقرر إلى جنديين ايطاليين بالملابس العسكرية متواجدان
القاعة .
نحدث جبار بالفرنسية عبر مترجمة بداية وأعلن إننا لسنا وفدا و لا نمثل أحدا وجئنا للتضامن مع أسرة ريجيني ..
و تحدثت انا بعده بالانجليزية عبر مترجمة ايضا عن فكرتي في التضامن مع عائلة ريجيني و كيف أن كل الذين
قرروا الحضور من القاهرة اعتذروا أو انسحبوا خشية من تهديدات الأمن الوطني المصري . قمت انا بالترجمة من
العربية للإنجليزية عن مسعد ابو فجر وقدمته للمؤتمر باعتباره مناضل و كاتب وطني من سيناء و كيف قضى
سنوات في سجون مبارك باتهامات ملفقة حتى تدخلت الامنستي و طلبت بإطلاق سراحه وكنت انا من احضر
المواد الخاصة بمسعد و قدمتها لمكتب الامنستي في امستردام عبر منظمة هولندية للكتاب و الصاحفيين غير
الهولنديين انا منتم إليها .
تحدث مسعد بعض الشيء عن الاضطهاد الذي تلحقه الدولة بالقبائل البدوية في سيناء و عن تجربنه مع أجهزة
الأمن المصرية .
وهكذا ختمنا المؤتمر الصحفي و جاء الشخص المشوشر إلى و انا استعد للخروج ومد يده للسلام علي فلم اسلم عليه
.. يقول لي ما معناه أني( رءوف مسعد) شخص مهم وعيب إني امش مع واحد زي مسعد ابو فجر فلم استجب
له و خرجت مهرولا الحق بمن خرج حيث خفت أن كاميرته تصورني معه متباسطا مبتسما فأصبح بالتالي واحد
منهم !
لكن ثمة ملاحظات ضرورية هنا وان كانت مؤلمة:
-1 يبدو أن العرب لا يستطيعوا التعامل بدون أنانية مع جهات هامة أوربية مثل المدييا وانا هنا أشير إلى
اقتناعي بان جبار ياسين اهتم أبضا بتلميع صورته "المناضلة " في المدييا الغربية أكثر من اهتمامه
بموضوع ريجيني فلم نستطع حتى الذهاب إلى قبر ريجيني و ووضع كام وردة عليه بحجة أن المحامية
الخاصة بالأسرة لن تسمح بذلك بل انه لم يستطع أن يتواصل مع عائلة ريجيني التي ذهبت إلى معرض
تورين للكتاب في ذات اليوم الذي ذهبنا نحن فيه إليه و لكن لم نلتق بها للأسف
-2 اعتقد أيضا انه يفتقد خبرة في الاتصال و التنظيم لكنه لم يعترف أو يعرف ذلك
-3 لم يستطع أبو فجر التواصل مع كل مجموعتنا الصغيرة بل انه قضى اليوم الأخير للسفر معي في فندق
واحد لكني لم استطع التواصل معه إذ كان طوال الوقت منشغلا بللاب توب
-4 لم يكن بقية المصريين في مصر يعرفون أن مجرد ذهابهم إلى روما و أن تقوم المدييا الايطالية بتصويرهم أن
هذا سيقدم لهم حماية من الأمن المصري
-5 بل أن زميلا مصريا وعد بالمجيء هو من أخافهم من السفر بحجة أن المخابرات ( التي أعلن بشجاعة انه
تواصل معها ) قالت له أن عقابا كبيرا ينتظرهم في حالة العودة واني مع جبار ياسين سنحتم بجوازات سفرنا
الأجنبية علما إني أفهمت الزملاء المدعوين في مصر إني في حال عودتي لمصر في إجازتي الشتوية لن
ينفعني جواز سفري الهولندي إذ إني لم أتنازل عن جنسيتي المصرية !