اليوم هو يوم .أم درمان أعبر النيل فوق كوبري قديم بناه الإنجليز يوجد واحد جديد بجواره .
. أقف لحظات فوق الكوبري في المكان الذي .أتخيل التقاء النيلان؛ الأبيض القادم من أوغندا والأزرق القادم من
رين عرفت فيما بعد من مهندس الري السوداني الحبشة فيما يطلق عليه هنا .المقرن . أنظر اسفلي إلى
نه السريع فلا يستطيع الطمي أن يترسب . . والأزرق .الريّح كيف أميز بين النيلين . . فالأبيض سمي هكذا لجر
للون الدكن نتيجة ترسب الطمي على يميني من الضفة المقابلة؛ تبرق القبة الفضية بطيء التيار؛ لهذا يبدو
لضريح المهدي الكبير . حاول نميري أن يبني قبة بجوارها أكبر منها . وقد كان لكن قبة المهدي تتميز بتاريخها وما
تمثله لعدد كبير من السودانيين بعكس قبة نميري التي بناها فوق جامع بمعمار حديث . . لكن ألم يفعل الحكام
هكذا منذ زمن الفراعنة
ا دار الإذاعة السودانية الآن وبيت ا العاصمة المهدية القديمة لبشر . إ ما تزال أم درمان متربة وعاجة
م زمان والمسرح الوطني الذي سأرى على خشبته الصيفية بعد ذلك فرقة سودانية غنائية الخليفة ودار المال من أ
للغرابة المركز القافي درة خارجة من زمن .الجبهة الإسلامية . نظمها و رائعة هي .فرقة شرحبيل أمسية
وطعمّها بفرقة بريطانية .مهذبة حيث أدت المغنية البريطانية الشابة المتوسطة الموهبة والأداء أغنيات البريطاني مجا
ا حشمة وهي ترتدي ثياب .شرعية لكن نجم الحفل كان الفنان المبدع السوداني شرحبيل وفرقته التي تصدر
زوجته السودانية تعزف على العود . . فلولا هذا المركز الثقافي .الاستعماري لما تمكن أهل الخرطوم والمناطق
لرغم من وجود شرطة النظام العام التي اخترعتها الجبهة يقفون يترصدون اورة من قضاء أمسية إنسانية راقية ا
للحاضرات على وجه الخصوص
سوق أم درمان هو السوق الإفريقي في الخرطوم . فإلى الخرطوم نزح الآلاف من الجنوب والغرب فرارا من الحرب أقاموا
اجمها الشرطة من وقت لجرافات . مسكنهم العشوائية التي لأرض لآخر وتسويها
شيائهم . بضاعة بسيطة ملقاة على الرصيف . تمائم ومقابض من العاج . لجنوبيين و تجد السوق في أم درمان يعج
عصي من الأبنوس . خواتم من الفضة الرخيصة أساور من العاج وذيل الفيل اشتريت واحدة لي وواحدة لابني
الصغير الذي يعتقد في الحظ أكثر من إيمانه بجدوى العمل قداحات وأحذية مهربة من داخل أفريقيا من ليبيا
حيث يوجد على أطراف الخرطوم موقف السيارات المتوجهة إلى ليبيا .
نواعها والعطارة العربية إنه السوق التقليدي للتاجر السوداني التقليدي؛ الذي يبيع الذهب والفضة والأقمشة
والأفريقية من صمغ عربي ولبان وبخور وصندل ومساحيق ومعاجين مقوية للباه ومحفزة للفعل لمن تجاوزه أو جاوزهم
أيضا موئل المصريين الصعايدة القدماء لا أحد يهاجر الآن من مصر إلى السودان الفقير . . بل إلى دول النفط
النقادية نسبة إلى نقادة في صعيد مصر التي ما يزال أهلها يمارسون حرفة الغزل والنسيج على الأنوال اليدوية وينتجون
عم للجسد المرهف . أقباط السودان . . يتوارثون .الفركة التي تستخدمها النسوة في السودان كغطاء رقيق و
م الصغيرة المعتمة في السوق؛ يتزاوجون من بعضهم البعض ويعيشون ويموتون ويدفنون في السودان . محلا
اشتهروا لفلاتة؛ أفراد قبائل من نيجير منذ أكثر من عشر سنوات حينما زرت السوق لآخر مرة كان يعج
لسحر و.العمل . يفرشون بضاعتهم المكونة من الثعابين المحنطة وعروق الأشجار والصدف . . إلخ على أرصفة
م شرطة النظام العام وهي شرطة السوق ويتربعون بجوارها يقرؤون الطالع على خطوط الرمال بسعر زهيد . طارد
لها مهام خاصة غير واضحة أهمها مراقبة السلوك الأخلاقي للمواطنين وثياب النساء حتى اختفوا وفقد السوق
بعضا من سحره .
لعودة مرة أخرى . لم نشبع منه بعد . لمحنا فندق .هيلتون بتاكسي من السوق إلى الخرطوم مرة أخرى على قرار
الخرطوم فأوقفنا التاكسي وصرفناه وولجنا الفندق لمحاولة اكتشافه من الداخل بعد أن بدا لنا متجهما من الخارج .
ن طلبنا .بيرة ا أفريقية وهي ليست كذلك مازحناه يظن الرائي أ الجارسون الذي يرتدي ثيا
ردة وأخرى دافئة . . أيهما نريد؟ وحينما ضحكنا جميعنا أكد وجود نه توجد بيرة فأجاب وقد أعجبته اللعبة
سودانيا هو ت الكحولية، لكننا طلبنا مشرو بيرة خالية من الكحول . فالجبهة الإسلامية حرّمت المشرو
.العرديب الذي أعرفه من رحلاتي السابقة والموجود في أسوان النوبية الإفريقية .
هظة كأي هيلتون في العالم . رواده قليلون معظمهم رجال أعمال من إيران أو الخليج . أسعار الهيلتون
الغربيون قليلون للغاية . معظمهم من العاملين في الهيئات الدولية .
لطبع فالكحول من الممنوعات الرئيسية . وعقابه الجلد . وهو مسؤولية شرطة النظام العام التي يستمتع
ذن من النيابة العامة لك أفرادها بتعقب المواطنين ولهم الحق في اقتحام المنازل بدون سابق إنذار فما
ا محاكم الجبهة التي ورثتها من نميري الذي أطاحت به . . محاكم .القضاء و.خزعبلات من هذا القبيل لا تعترف
الناجز . .
لأنه في اليوم التالي كما يقول الرواة ذهبنا مرة أخرى إلى سوق أم درمان مع صديقتنا السودانية .عبير
ردان حتى الرسغ . ثم جونلة واسعة وطويلة إلى ما كانت ترتدي الثياب الشرعية الحشمة أي بلوزة تصل إلى الرقبة
لطبع . السيدة السودانية التي ترتدي .التوب لنسبة للنساء . . وغطاء للرأس قبل القدمين بقليل فالبنطلون ممنوع
التقليدي لا تواجه مشكلة . . الفتيات اللاتي يرتدين الثياب الغربية يواجهن شرطة النظام العام .
ن هناك من ينظر إليها بتحفز ويقترب منا حثيثا . شاب لا لصدفة انزلق غطاء رأس عبير . أحسست
تخطئه العين . لا تخطيء تحفزه وعدوانيته وحتى منبته الطبقي البسيط . همست لعبير التي كنت أحاذر أن اقترب منها
أكثر من اللزوم . سارعت هي بوضع الإشارب فوق رأسها . لكن الشاب لم يرضه هذا بل اقترب منها وقال لها
لنظر بعيدا فقد أحسست أنه ينظر اليّ بصوت واضح ومسموع .غطي شعرك فشحب وجهها وتشاغلت أ
بتحد .
الخروج من السوق . اقترحنا .الهيلتون كترضية لكرامتها وكرامتنا المهانة . خ اليوم وقرر
نواعها في السودان؛ لكني سأقتطف فقرات من المناقشة التي جرت ت عن الشرطة لن أسوق للقارئ حكا
ا الصحف السودانية في حينها . في .ندوة خاصة عن تجاوزات شرطة النظام العام ونشر
نشرت .صحيفة الرأي العام السودانية فبراير الأوراق المقدمة إلى .سيمنار معهد التدريب
ت . لحقوق والحر سة الجمهورية حول تجربة قانون النظام العام ومدى مساسه والإصلاح القانوني التابع لر
وسأنشر هنا مقتطفات من ورقة العميد شرطة هاشم عثمان حسين مدير إدارة شرطة النظام العام
أ مشروع مكافحة الخمور .تعتبر الخمر أما للكبائر فهي سبب مباشر لمهددات الأمن الجنائي إذ أن أماكن
زالة السكن العشوائي . ا انتشارها هي بؤر الإخلال الأمني فعمدت الإدارة لمحاصر
تمع ب مشروعات حماية الأعراض وترقية السلوك العام .استدراكا لكل معطيات التوجه الإسلامي لخلق ا
المعافى من الفسوق والممارسات الخاطئة لإبراز وإحياء القيم الفاضلة ومحاربة السلوكيات الضارة بوسائل ضبط إداري
وقانوني .
لنص يعددها .العجز في القوة البشرية والعجز في وعن .المعوقات العملية كما جاء في الورقة
لنسبة في التعامل مع الخمور لأن السجون تعاني من الميزانية وعدم نفاذ عقوبة السجن والغرامة الإلزامية خاصة
دة التكدس تجعلها تسعى لتفريغ نزلائها حتى لو لم يقضوا فترة معتبرة مما أفقد السجون فعاليتها كزاجرة . كذلك ز
الهجرات الداخلية إلى ولاية الخرطوم بما تحمل الكثير من الشوائب والمخالفات .
ا تمع هي رسالة إصلاحية شاملة تستدعي أن يشارك الجميع في الوفاء وتوصي الورقة .إن مهمة النظام العام في ا
فكل مسؤول في الأسرة أو المدرسة أو المرفق أو الشارع العام لا بد أن يعمل في نسق واحد لتأتي النتائج بفائدة أكبر
وبمجهود أقل .
لآية ليعذب لله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب لله على المؤمنين . . تختتم الورقة
والمؤمنات إن لله كان غفورا رحيما صدق لله العظيم .
لتأكيد أن لله سبحانه وتعالى أكثر رحمة من شرطة النظام العام فهو الغفور الرحيم
ا .الرأي العام بتاريخ مارس ا إبراهيم آدم إبراهيم المحامي ونشر آما .الورقة المضادة فقد تقدم
. . فقد جاء فيها .نعم لإلغاء هذا القانون لا للتعديل فالقانون الذي لا يستلهم ضمائر الناس لا يجد
احترامهم ثم .قانون النظام العام لا تمليه أي ضرورة دينية أو اجتماعية أو غيرها و.قانون النظام العام يحفل
لمعاني الفضفاضة والتعابير غير المنضبطة مما يجعله عرضا للفهم المزاجي .
تمع السوداني من غليان دف إعطاء القارئ صورة عما يدور في ا ذا العرض المركز للورقتين وسأكتفي
وفوران .