عن أهمية الاعتراف بوجود الاادب القبطي و الثقافة القبطية
استوقفني مقال للأستاذ سيد محمود ( وهو ناقد وكاتب وصحافي مشارك في الحياة العامة و ترأس
لفترة من الزمن لرئاسة تحرير مجلة القاهرة التي تصدرها و تمولها وزارة الثقافة المصرية حتى
تركها مستقيلا لأسباب لم يعلنها !كما انه باحث في شعر محمود درويش و له دراسة قيمة عن بعض
اعمال درويش التي لم تتح لها فرصة النشر (!))
ذكرتني مقالة محمود بجدل قديم في مصر عن " المتحف النوبي " الذي قرر اليونسكو
الدولي انتشائه ( أو المساهمة في انتشائه ) في أسوان وثار جدل بين عدد كبير من المثقفين
المصرين " المتنفذين " مثل جويدة و شوشة و غيرهما حول التسمية أي " النوبي " واقترحوا تسمية
"مضللة " أخرى هو متحف جنوب مصر أو متحف الجنوب و لغو كثبر آخر و قد شاركت أنا في
هذا الجدل مصرا على تسمية "النوبة " للمتحف قد نجح اليونسكو في فرض رأيه ( مستندا إلى
رأي علماء الأجناس " الانثربولوجيا ") بان النوبيين كعرق بشري مختلف عن عرق المصريين في
الوادي و لذا يكون من حقهم أن يتأسس لهم متحفا يحمل اسمهم و تراثهم .
فكرة أؤلئك الذين عارضوا مسمى " النوبة " هي مستقاة أساسا من الفكر القومي المنحرف يمينا
الذي لا يؤمن بالاختلافات العرقية بل يريد دمج الجميع في بوتقة واحدة وهو بالطبع فكر سياسي
"آحادي " النظرة .
أتابع بقدر الإمكان آراء و مقولات السيدة نيفين مسعد و لم أكن اعلم مدى تخصصها الأدبي أو
الانثربولوجيا لذا فتحت النيت أطال الرب عمرها لأجد ما يلي و قمت بعملية كوبي باست ووجدت
هذا النص بالتحديد عن السيدة الدكتورة نيفين سعد :
سعادة الأستاذة الدكتورة نيفين مسعد
أستاذة في كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة في جامعة القاهرة
أستاذة في كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة في جامعة القاهرة. عضو حاليّ فى المجلس القوميّ لحقوق
الإنسان. شغلت سابقاً منصب وكيلة معهد البحوث والدراسات العربيّة ثمّ مديرته. وهي أيضاً عضو سابق
فى المجلس القوميّ للمرأة. حائزة على درجتي الماجستير والدكتوراه من كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة
– جامعة القاهرة، ومتخصّصة فى فرع السياسة المقارنة وبشكلٍ أخصّ في النظم السياسيّة العربيّة
واعلق انا هنا فأقول :
لا بأس .فالحق متاح لكل من يريد " الفتوى " في موضع مطروح للنقاش حتى لو لم تكن دراسة صاحب
و مصدر الفتوى تخصصية في موضوع النقاش . فلست معني انا هنا بتفنيد آراء الاخرين المختلفة مع
ارائي . لكني مهتم بما ينتجه الأقباط المصريون أي المسيحيون المصريون على اختلاف طوائفهم
بالسرد الأدبي الابداعي .
بداية أقول أن رواية بهاء طاهر خالتي صفية و الدير غير معنية بالأقباط المصريين بقدر اهتمام
الراوي أي بهاء طاهر بحبكة الرواية وعلاقة " البطل " بالديركمكان للجوء الأمن ..
وكذا البوسطجي ليحي حقي فهي رواية عن "ملل " البوسطجي في بلدة إقليمية فيقرأ خطابات الناس
لبعضهم البعض ( بدون إذن بالطبع ) في الحب و الجنس و العذرية وما يتبع من اكتشاف الأهل لفقد
ابنتهم لعذريتها قبل الزواج .. رواية مصرية صعيدية بامتياز لا أكثر و لا اقل .
السؤال هو الذي يجب طرحه بشجاعة : هل اقباط مصر يمثلون " عرقا " مصريا مختلفا عن "
أعراق " المصريين المسلمين ؟
الإجابة بلي
و لمن يريد التأكد من مقولتي هذه عليه الرجوع إلى دراسة الدكتورة سيدة اسماعيل الكاشف " مصر
الإسلامية و أهل الذمة – 1993 - الهيئة العامة للكتاب " و التي تقول فيه بوضوح و بالتفصيل عن نزوح
و هجرة بعض القبائل العربية ( بأسمائها ) إلى مصر و استقرارها على أطراف الوادي و عدم
مشاركتها للفلاحين المصريين في زراعة الارض إلا فيما ندر .. وتقول أيضا عن "تباعد " المصريين
بعد الغزو الإسلامي العربي عن الاختلاط بينهم و بين الغزاة العرب و القبائل العربية بل ونزوج الأقباط
من المدن الكبرى مثل الإسكندرية إلى صعيد مصر والاحتفاظ لمدة طويلة " بلغتهم " القبطية
الدميموطيقية التي ساهمت الصلاوت الكنسية في الاحتفاظ بها لعدة قرون ..
بل أن القوانين المصرية التي تنص على عدم زواج الذكور الأقباط من مسلمات يؤكد "نقاء " الجندر
فالأقباط يتزاوجون فيما بينهم .. وهم سلالة مصرية بالغة القدم في التاريخ المصري أي من بقي منهم
على ديانتهم الأصيلة قبل الاسلمة ..
رواية البشموري هي رواية تاريخية عن ثورة الفلاحين المصريين اقباطا و من اسلموا منهم ضد
التغول الاقتصادي الضريبي للخليفة المأمون الذي قمع الثورة بوحشية .. وقامت سلوى بكر – بعد هجوم
الكاتبة الاسلامجية صافيناز كاظم على الرواية – بتغيير نهاية الرواية في الجزء الأخير منها بجعل
الراهب يعلن إسلامه ( في حديث خاص بيني و بين سلوى بكر ابان رحلتنا المشتركة مع كتاب اخرين
إلى فرنسا بدعوة من كاترين فارحي )
السؤال الثاني هنا : لماذا احتفظ اقباط مصر بهويتهم الدينية رغم المعاناة الاقتصادية " الجزية " و
الاضطهاد أو التمييز المجتمعي ؟
لعل غالبية المصريين المسلمين لا يعرفون أن دولة مصر كانت تدفع الجزية إلى " الخلافة العثمانية
حتى عهد قريب ؟ !
المرجع : اليوم السابع :
ويعود زمن وثيقة إلغاء الجزية على أهل الذمة إلى يناير 1855 ، وبذلك كانت مصر أول دولة فى الشرق تلغى
. الجزية وسبقت فى ذلك الأستانة التى ألغت الجزية فى باقي ولايات الدولة العثمانية عام 1857
وتقول الوثيقة "إلغاء تام للجزية ولا تتم مطالبة أحد من أهل الذمة، ويذكر قيمة الجزية التى تجمع من الأقاليم
القبلية والبحرية والبنادر والكفور ومصر المحروسة بما قيمته ألفين وثمانمائة وسبعة وستون كيسا ومائتين
وخمسة عشر قرشا، لكن (إحسان) الوالى سعيد قد جعله يتجاوز عن ذلك وأيضا يلغى الجزية بأثر رجعى عن العام
السابق ."
انتهى الاقتباس من الانترنيت
معلومة الجزية هذه معلومة هامة لأنها تكشف الوضع القبطي.. أي تكشف بوضوح عن التمييز الديني
الذي ينسحب إلى تمييز المواطنة في مصر حتى عهد سعيد باشا(!)
ثمة كتاب هام من إصدارات الهيئة العامة للكتاب – تاريخ المصريين بعنوان " أهل الذمة في مصر
في العصر الفاطمي الأول " تأليف د. سلام شافعي محمود - 1995 به فصول عن الحاكم بأمر لله
وكيف عانى اقباط مصر في عهده لن نخوض فيها هنا لكن سنشير فقط إلى منعه الأقباط من ارتياد
حمامات المسلمين ومدارسهم ومنع النساء القبطيات من الخروج إلى الشوارع بقردتي حذاء
متجانستين ..الخ إضافة طبعا إلى تعليق قرم من الخشب فوق صدور الأقباط تدل على هويتهم الدينية
ألخ .. وهو لم يخترع كل هذه الأشياء من عنده لكن الكاشف تقول أن فقهاء المسلمين بعد الغزو
العربي الإسلامي لمصر أعلنوا ما هو واجب على الأقباط أن يفعلوه و ما هو مستحب ( حسب تعبيرها
) بطريقة ركوب الدواب و ارتداء ثيابا معينة .. الخ
وبغض النظر عن هذه التفاصيل فإن الجزية التي تم فرضها على الأقباط في مصر هي متعلقة بقرار
ُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ّ ديني ملزم "قاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِا ّ
( الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ – {التوبة 29
انه تاريخ طويل و محزن من قسوة التمييز و القمع ل" مواطنين " كل ما يفرقهم عن الاخر هو
الدين .. وكما قلت سابقا لماذا بقيت هذه الأقلية تدفع الجزية عن يد وهم صاغرون ؟
هذا أمر يتعلق بالشخصية القبطية لأسلافنا الذين قرروا البقاء على ديانتهم مهما كلفهم هذا من شطط
.. عناد حقيقي بغض النظر عن كونهم فقراء ام اغنياء فهذه تفصيلة أيضا غير هامة .. لكن هذا
يرجعنا إلى " الجندر" القبطي المصري كما تقول الباحثة زبيدة محمد عطا في بحثها بعنوان " قبطي
في عصر مسيحي " الهيئة المصرية العامة للكتاب - 2013 حيث تحدثت الباحثة عن" الأدب
القبطي" هكذا سمته في العصور الأولى للمسيحية . وهو ادب كان يعتمد على اللغة القبطية التي
انحدرت من لغة الأسلاف المصريين الفراعنة و امتزجت باللغة اليونانية القديمة ..
ما أود طرحه هنا أن " الجماعة القبطية " المصرية في مصر كانت لها كتابات خاصة متعلقة
بالتصوف أي الرهبنة المسيحية والغنوسية أي الحكمة ..
بالطبع لم يكن هناك أدبا بالمفهوم المعاصر لهذا الاصطلاح ..
السؤال هنا هل بالفعل يرى "جميع " المبدعين الأقباط أن اصطلاح الأدب القبطي هو خطاب
إبعادي إقصائي عن التيار العام للأدب المصري الذي يحتل المسلمون نسبة عالية من المبدعين فيه
بل دعنا نقول هل " الثقافة المصرية " التي هي مكون أساسي من الشخصية المصرية ( للمسلمين و
المسيحيين ) هي نتاج مشترك للمسيحين و المسلمين المبدعين ؟
ونسأل ذات السؤال "كم قبطي أو ما هو عدد الأقباط المسموح لهم بالانشغال بالثقافة
المصرية العامة ؟ " و السؤال غريب بالطبع فلا يوجد في الدستور أو سياق الحياة المصرية ما
يحظر على الأقباط الانشغال و المساهمة في الثقافة المصرية العامة و الأمثلة على ذلك و التي تجيب
على السؤال خذ عندك بسلامة موسى و لويس عوض و غالي شكري ..
وآخرون..
لكن من هم هؤلاء الآخرين ؟ !!
الآخرون يخدمون عند الحكومة و الدولة المصرية مثل نيفين مسعد ( مثلا) والقلائل الذي يقوم
رئيس الجمهورية بتعينهم في البرلمان أو مجلس الشيوخ أو ماشابه .
كام واحد وواحدة ؟
عشرة أشخاص من بضعة مئات من النواب المسلمين ..
هل يوجد نواب مسيحيين فازوا في أية انتخابات ؟
لا اعلم لأنه لا توجد إحصائية دقيقة .. هل ظهر في يوم من الأيام منذ إنشاء وزارة الثقافة وزيرا
مسيحيا للثقافة ؟ لا لم يظهر حتى ألان .. كان هناك في عصر مبارك بعض الإرث الوزاري
المسيحي خاصة لعائلة بطرس غالي لكن تم اتهامه بالتربح من العمل في وزارته فهرب إلى الغرب
.ز ويا دار بعد كده ما دخلك شر !! اقصد قبطي إلا وزيرة مسكينة في وزارة مسكينة اسمها الهجرة !
إذا " أنت " تعتبرني مواطنا مثلك فلماذا تحدد نوع ديانتي في بطاقة الرقم القومي ؟
هل نذكر غضب أهالي فنا ابان ثورة يناير حينما عين رئيس الوزراء عصام شرف محافظا قبطيا لقنا
و رفض الأهالي له بدون أسباب واضحة سوى انه قبطي كما أعلنوا ذلك بوضوح؟
إذن هناك بالفعل تمييز ديني لا يستطيع احد إنكاره !
شخصيا لا أرى انتقاصا لما اكتبه لو صنفته أنا أو اخرون بأدب فبطي . لأنه هناك بالفعل "آداب "
منتجة عبر طوائف دينية . فماذا نسمي الأدب اليهودي / الإسرائيلي الصادر عن جماعات دينية
/عرقية تعيش في دولة تقول عن نفسها إنها " اقصائية " .. وماذا عن أدب و إبداع الشيعة الإسلامية
؟
إلا يختلف إبداع السينمائيين الايرانيين( الشيعة ) عن غيرهم من سينمائيين مسلمين ؟
إلا يوجد أدب إسلامي ؟
بلى يوجد
و يوجد فن إسلامي يظهر بوضوح في المساجد و الُبل و غيرها من " المقاصد " الدينية الإسلامية
مختلف تماما عن الفن المسيحي في المعابد المسيحية.
بالطبع من حق بل من واجب الأدباء " الأقباط " الشبان بأن يرفضوا مقولة " الأدب القبطي " وان
يعتبروا أنفسهم جزء من الابداع المصري العام .. هذا حقهم
لكني اعتقد أن جيل ادوار الخراط مثلا الذي كتب " رامه و التنين " و هي رواية قبطية بامتياز
يفضل مثلي أن يتم تصنيف كتاباته الإبداعية بأنها " قبطية/ مسيحية "
ومن يقرأ بتمعن روايات و قصص نبيل نعوم سيجد التأثير الديني المسيحي واضحا قي هذه
الأعمال . فليس هاما أن يكون المبدعون الأقباط ممارسون أو مهتمون بممارسة الطقوس
الدينية لكن " الثقافة " المسيحية السائدة في بيوت الأقباط من مبدعين و غير مبدعين هي
ثقافة "مؤثرة " بقوة في رؤى هؤلاء المبدعين لما يحيط بهم من طقوس دينية "احتفالية "
مثل الأعياد و المناسبات المسيحية الأخرى من زواج و جنازات ..الخ
فلنتسائل : لماذا حافظت الكنيسة المصرية الارذسوكسية على اللغة القبطية حتى ألان في الصلوات
و الابتهالات التي يقوم بها الكهنة ؟ لان اللغة هنا هي التعبير الخاص لجماعة خاصة شبه مغلقة على
ذواتها في مواجهة لغة أخرى للغالبية الدينية المختلفة ومتسلطة بلغتها الخاصة بها أي العربية ..
لكن لان الكنيسة أيضا اعتبرت نفسها حامية للجماعة التي تلتف حولها أي جماعة المسيحيين
الأرثوذكسيين بمواجه الغزاة العرب و لغتهم و بمواجهة التسلط و الهيمنة الأوربية الدينية المسيحية
أيضا
رءوف مسعد
2022/8/29