عن احمد ناجي و كتابه حرز مكمكم
و تكون الكتابة عن معارف و أصدقاء صعبة لي خاصة اتني أحاول أن اقرأ ولا اكتب ( مثلما جاء في سورة
اقرأ ) فلم يكن فيها أمر بالكتابة لأن الكتابة بشكل عام تفتح أبوابا للمشاكل و العتاب وخاصة من بعض من
اقرأ لهم .. فتعلمت أن "اصهين " عن الكتابة وإذا ما كتبت فيكون ذلك – في الأغلب ليس على العام في
الفيس بوك .
لكن احمد ناجي تحول في قضيته و سجنه لمدة عامين إلى " قضية عامة " لأنه باعترافه ليس سجين رأي
لكنه مسجون " أخلاقيا " كما يعبّر عن نفسه كتابة في كتابه هذا .. فالحرز هنا هو اصطلاح تستخدمه الدوائر
الأمنية الجنائية في الأغلب عن "المضبوطات " التي تستخدمها الشرطة و بالتالي النيابة لإدانة من وُجدت
هذه المضبوطات لديهم ( وجمعها احراز )
اما "مكمكم " فهو ( كما جاء في المنجد- دار الشروق – بيروت 1986 ) كمكم : كمكمة الشيء :
أخفاه.. ولا اعلم هل يقصد احمد ناجي هذا المعنى أم المعنى المتداول في اللغة العامية المصرية وهو
" العطن الرائحة" ؟ وقد أيد احمد ناجي الفكرة الثانية في حوار نشره مع "جدلية " بتاريخ 2021
وموجود على النيت حاليا .
لي أصدقاء قلائل نتيجة لتقدمي في العمر و قد سبقني معظمهم إلى العالم الآخر و كذا نتيجة
المقاييس الصعبة التي أضعها للصداقة و أمارسها فينفر منها الكثيرون .
بالتالي لا اعتبر احمد ناجي صديقا و باتأكيد ليس عدوا لكنه "معرفة " تعرفت عليه كما ذكرت
سابقا من كام يوم في شقة علاء عبد الفتاح ( ومنال زوجته ) في فيصل بعد الإفراج عن علاء
المرة الأولى في عصر مبارك فذهبت لتهنئته.
كنت اعرف والد علاء احمد سيف الإسلام الذي شال قضية التنظيم الشيوعي المسلح ونفذ حكما
بالسجن ليدرس القانون و هو بالسجن و يمتحن فيه و يصبح محاميا لحقوق الإنسان في مركز هشام
مبارك .
وتابعت قضية احمد سيف الإسلام من قبل تسليمه نفسه وحتى الإفراج عنه وأصبحنا أصدقاء بل
أصبح محاميا لدار شهدي للنشر( التي أسستها مع آخرين ) وساهم في حل كثير من المشكلات
القانونية و الشخصية للدار و لي و لشركائي.
وكان ناجي قد قررا لي " بيضة النعامة " كما فهمت منه وإعطاني درافت روايته الأولى " روجرز
" وكنا نلتقي أحيانا في شقة لصديقة مشتركة في منيل الروضة وكان وقتها يعمل في "إخبار الأدب
" تحت رياسة جمال الغيطاني الذي كان لا يزال عائشا حيا يٌرزق " بوقرة وفيرة " (!)
ثم جرت مياه كثيرة تحت الجسر و تقاطعت علاقتي مع الغيطاني بعد أن اتهمته بالسطو على
واستخدم هذه السرقة ليكتب نوفيلا قصيرة بعنوان D.H Lawrence نوفيلا للكاتب الانجليزي
الزويل .
وكانت قد ظهرت ترجمة انجليزية لرواية علاء الاسواني " عمارة يعقوبيان " والتقيت بالصدفة
المترجم الانجليزي الذي لم اكن اعرفه عن طريق صموئيل شمعون الذي كان وقتها بالقاهرة ودار
حوار بيني و بين المترجم خاصة بعد أن قرأت الترجمة الانجليزية التي تحاشى فيها المترجم استخدام
وعرف ناجي بما دار واتصل بي وقال انه "Jaye " اصطلاح " شاذ" ووضع بدلا منه اصطلاح
اخذ موافقة الغيطاني أن ينشر لي حوارا معه ( ناجي ) فيما هو رأي في الترجمة و في الرواية التي
تعاملت معها باستخفاف يليق بها (!)
وكان هذا أخر لقاء لي مع ناجي .. ثم عرفت عن عزلته في نويبع أو ماشابه ذلك ثم عن القضية
التي تم اتهامه فيها بخدش الحياء العام و باقي ذلك كتب عنه ناجي بالتفصيل في حرز مكمكم ..
اعتقد أن هذه المقدمة كافية لكي ادخل إلى كتاب حرز مكمكم بعد قراءتين متأنيتين للعمل
( ليس رواية بل كتاب عن السجن وعن الكتابة بشكل عام و عن الكتابة في السجن بشكل خاص أو
ما يطلق عليه ناجي أدب السجون "
ملاحظات عامة عن الكتاب - 2
أولا تقنية الكتابة فيه
استخدم ناجي ( احمد ناجي ) تقنية التشظي التي كنت أول من استخدمها في السرد العربي
في كتابي الأول بيضة النعامة الذي يجمع بين السيرة الذااتية و الحكي الروائي .. والحقيقة لم
اجد مبررا لاستخدامه هذه التقنية خاصة انه " يروي " وقائع سجنه الشخصية كما يروي وقائئع سجن
الآخرين ليس بالتفصيل بل هو يمر عليهم مرورا عابرا ..
فليس للتشظي في حرز مكمكم وظيفة سوى القفز – بدون داع – على الأيام و الشهور و السنوات في السجن
وهي باعترافه – وكما نعلم جيمعا – أيام عادية مملة لا يقطع مللها سوى القراءة و الكتابة .
بل انه يعترف انه ذهب إلى بيت الدكتور جابر عصفور ليشكره على شهادته الايجابية له في قضيته مع أن
هناك كان صنع لله إبراهيم و محمد لسماوي ..
هو استخدم شخص صنع لله و اسمه ككاتب له روايته الأولى " تلك الرائحة " التي تمت مصادرتها في
مصر ثم نشرتها له دار شهدي للنشر كاملة مع بضعة قصص قصار و مقدمة كتبها كمال القلش و رءوف
مسعد كمانيفستو للكتابة الجديدة .. وكانت هذه أول مرة تنشر تلك الرائحة كاملة في مصر بعد مضي حوالي
عشرين سنة على طبعتها الأولى المصادرة .
ومع أن ناجي اكتشف تلك الرائحة في مكتبة السجن ومن المؤكد انه قرأها في طبعة دار شهدي .. الا انه
اخطأ في ذكر ناشرها المصري وذكر اسما لناشر أخر ولم يذكر دار شهدي .
اعرف صنع لله إبراهيم منذ أن التقيت به مع كمال القلش في معتقل و سجن الواحات الخارجة منذ عام
1962 وحتى هذه السنوات و الشهور الأخيرة .. فمن المؤكد أن صنع لله تحامل على نفسه و
على إمراضه وهو العزوف عن الخروج من بيته و حضور جلسات محاكمة أشخاص آخرين
ليشهد فيها.. لأنه يخاف على وقته مثلما يخاف البخيل على نقوده .. لكن هذا لم يمنع ناجي من
السخرية من "كل " كتابات صنع لله والتي كتبها صنع لله باقتناع كامل مؤمنا بايدلوجيته
الماركسية حتى لو أعلن مؤخرا أن هدف الكتابة هي المتعة (!) ..
لكن في محاولة ناجي و محاميه الإمساك باية قشة طلبوا شهادة صنع لله و عصفور و سلماوي
والاثنان الأولان لهما مناصب رسمية آنذاك في دولة مصر فعصفور كان رئيسا للمحلس الأعلى
للثقافة بدرجة نائب وزير و سلماوي رئيسا لاتحاد الكاتب المصريين ثم العرب ثم اتحاد كتاب
أسيا و أفريقا و كان يترأس تحرير جور نال " الابدو " الفرنسي الذي تصدره مؤسسة الأهرام
العتيدة .. والحقيقة أن شهادة هؤلاء الثلاثة لعبت دورا هاما في تخفيف " الجرم " عن كاهل احمد
ناجي و تحويل مصطلحاته التي استخدمها إلى " أدب " وليست عبارات نابية تخدش الحياء
العام.( هذا في المحاكة الأولى التي حكم لها بالبراءة قبل استئناف النيابة و التي تم الحكم عليه
بسنتين سجن)
هذا يقودني إلى نقطة محورية في الكتابة الايروتيكية ( وهي غير البار نوجرافية ) عن
الاصطلاحات و التعبيرات الحميمة اللغوية ومدى ضرورتها أو عدم أهميتها أحيانا في هكذا نوع
من كتابات حميمة ( أطلق على هذا النوع اصطلاح حميمة ) حتى أتحاشى الدخول في
اصطلاحات مطروقة )
فمنذ الف ليلة و ليلة في طبعاتها الأولى ثم كتاب رجوع الشيخ و الكتب المماثلة كانت بعض
الالفاظ و المصطلحات " الحميمة " ترد إثناء السرد .. بل ظهرت في السنوات الأخيرة كتابات
: 01/09/ نعبر عن " الولع " الجنسي عن العرب منها " القاموس الجنسي عند العرب " 2002
الناشر :رياض الريس للكتب والنشر..
وكنت - أنا – من أوائل من اقتحموا مجال الكتابة الايروتيكية في العصر الحديث بعد إحسان عبد القدوس (
مثلا) وقبله " خليل حنا تادرس " الذي كنا نقرأ له ونحن في المراهقة كتبا و سرديات ساذجة تجمع بين
الايروتيكية و البارنجرافية لكن لم يتم مصادرة ايا من كتبه ( حسب علمي )
في سردياتي لم استخدم اصطلاحات جنسية " شوارعية " بدلا من القضيب و الفرج و المؤخرة و الكفل و
الردفين لأني لم أر لها ضرورة أدبية/ سردية واعتقد أن اسنخدامها في غير محلها ينم عن فجاجة وقلة ذوق
فأنا أعيش في هولندا" الأوربية " ومتاح لي بوفرة مشاهدة جميع الأفلام البارنوجرافية حتى في التلفزيون
الذي بالمنزل .. لكني اعزف عن هذه المشاهدة الا إذا كانت الأفلام تحتوى على فكرة "ما " ولو كانت الفكرة
خاصة بالفتيش أو المتعة المجردة (!)
لذلك وأنا اقرأ حرز مكمكم لم استسغ استخدام ناجي لاصطلاح الضراط و الفسا والطيز .. رغم إني اعرف
لماذا التجأ الكاتب إلى هذه المباشرة لأنه السجن ببساطة يقضي على " الخصوصية " بأنواعها خاصة تلك
الجنسية ومن المؤكد أن ناجي اعتبر استخدم هذه الالفاظ لكي يصدم القاري الساذج الذي لم يدخل سجنا في
حياته ولا حتى قسما للشرطة (!)
بالتالي لاني لم اقرا الرواية ولا الفصل المنشور منها في إخبار الأدب لا استطيع أن أعطي نفسي الحق في
الحكم على العمل الأدبي سبب سجن ناجي لكني من المؤكد كنت ارفض أن اذهب إلى المحكمة لأشهد بان ما
كتبه ناجي أدبا (!) هذا رأي الخاص ..
كنت سأطالب المصة بان تعطي لأحمد ناجي الحق في أن يكتب ما يري من الفاظ يتم استخدانها يوميا على مدار
الساعة في الشارع و بين بعض الطبقات . كنت سأطالب أن من حق احمد ناجي أن يكتب ما يريد بالطريقة التي
يرتئيها.
تم الحكم على ناجي في المحكة الأولى بالبراءة ثم استأنفت النيابة الحكم و جائت قضيته عند قاض أخر حكم
عليه بسنتين سجن بتهمة خدش الحياء العام .
وهذا يقونا بالتأكيد إلى نوعية القضاء المصري الآن !