2 الشيطان في الديانة اليهودية
والشيطان في المسيحية الأولى
والشيطان الثقافة القبطية
أ الابالسة في الرهبانية القبطية المبكرة
-1
الشيطان اليهودي يحاجج الرب ويناقشه بل ويتحداه ..يأتي إلى عرشه ويقيم معه رهانا
الحكاية التوراتية للشيطان مع أيوب
تقول الحكاية التوراتية :
" وجاء الملائكة يوما للمثول أمام الرب وجاء الشيطان بينهم . فقال الرب للشيطان من اين جئت ؟ فقال الشيطان "
من التجول في الأرض والسير فيها "
فقال الرب "هل استرعى انتباهك عبدي أيوب فهو لا مثيل له في الأرض كلها لأنه رجل كامل ومستقيم يتقي لله
ويحيد عن الشر . "
فقال الشيطان " أيخاف أيوب الرب مجانا.اليس انك سيجت حوله وحول بيته وحول كل ما له .. لكن مد يدك الآن
ومس كل شيء له فترى كيف يجدف عليك "
فقال الرب للشيطان "هوذا كل ماله في قبضة يدك لكن إليه لا تمد يدك "
وبقية الحكاية معروفة ! بل أن الرب في لقاء آخر مع الشيطان يقول له " مع انك حرضتني عليه دون سبب "
سفر أيوب 1 و 2
*فالعلاقة - هنا – بين يهوه اليهودي( لله ) وبين الشيطان علاقة " انسانية " فيها تحدي وفيها تحريض وفيها
أيضا خسارة الشيطان لتحديه .
********************
في عزازيل ونعرف من اسمها ومن التوضيح الذي يعطيه لنا الكاتب أحيانا والراهب أحيانا
أخرى أن عزازيل هو الشيطان ..او شيطان ما محدد ؟
لذا فالشيطان هنا يلعب دورا اساسيا ..ولولا "وسوسة " الشيطان للراهب لما كتب لنا هذا النص
..ولولا وسوته في صدره لما وضع يده على فخذ مارتا
اذن فلنق نظرة على شيطان الراهب الذي – للأسف - لم يعنه الرب عليه فيتنصر أو يسلم بل
بقي على عقيدته الشيطانية !
*وإذا اعتبر زيدان أن " الحية " في الجنة التي اغوت حواء " شيطانا" ..فهي اذن ( أو هو ) كانت تتحرك
بحرية داخل الجنة وتتحادث هي وحواء بلسان مبين ( أو لعله بالوسوسة الباطنية ) .. فهذا الراهب الذي يناقش
لب العقيدة المسيحية ويتشك فيها ؛ لم يناقش - في عقله الصاح المتيقظ – الاسطورة التوراتية عن الجنة
والخلق وحواء وشجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر بل قبلها على علاتها وهو القارئ لأنجيل يهوذا الذي
يفسر "وجود الشر " في العالم وبقية الاناجيل الغنوصية المعرفية !
ما علينا مرة أخرى فالمؤلف عاوز كده !
واهتمامي بالتقصي عن الشيطان العزازيلي ليس مجرد فضول ..
لكن الشيطان هنا يعتبر محركا عضويا لأحداث النص ..
ليس النص فقط بل لكل ما دار من جدل وصراع ( ودماء ) بين الكنائس !
فاستجاب لوسوسته بطاركة وأباطرة وقساوسة ورعاع من اسوان وإسكندرية تسلحوا بسكاكين صدئة.
" الشيطان يلعب بالجميع ..فهل تراه الآن يسعى لكي يلعب بي؟ إلا يكفيه لعبه مع هؤلاء الذين
يستعدون للحرب في افسوس؟ وتلك النار التي يشعلها في الكنائس " ص 342
11996 نشرت بالتعاون مع المعهد - حينما كنت مسئولا عن دار شهدي للنشر في القاهرة 1982
Coptic Art and Culture الهولندي للدراسات الإسلامية والقبطية بالقاهرة كتابا بعنوان
تمت ترجمته إلى العربية بعنوان "في الثقافة القبطية" ما زالت النسخة الانجليزية متواجدة في
مكتبتي الخاصة بعد أن فقدت مني العربية صنوتها.
Demons in Early Coptic Monasticism وفي اخر فصول الكتاب فصلا بعنوان
J.Van Der Vilet كتبه
وهو عالم قبطيات هولندي ..أترجمه أنا هنا بعنوان " العفاريت والجن والأبالسة في الحياة
الرهبانية المبكرة "
وقد فضلت أن اكرر مرادفات الاسم( عفاريت ..جن ..أبالسة ) حتى يكون القارئ متابعا
لتطور الفكر الانساني فيما يتعلق بإيمانه بكائنات ما وراء الطبيعة الخارقة من وجهة النظر
الميثولوجية الاسطورية والدينية .
*يقول المؤلف أن الإنسان القديم كتب عن الابالسة في القرون السابقة للمسيحية ويدلل على ذلك
بكتابات الفيلسوف الوثني يامبليشيوس ( نهاية القرن الثالث قبل الميلاد ) بوصفه لهذه الكائنات بأنها
" كائنات ارقى من الإنسان وغير مرئية ولا يمكن تباينها بحواسنا "
*بينما عبر القديس انطونيوس ( مؤسس الرهبنة المصرية ) عن وجهة نظر مشابهة في واحدة من
رسائله.
ويقول المؤلف " أن قراءتنا لسيرة حياة القديس انطونيوس التي كتبها القديس اثناسيوس تجعلنا
سرعان ما نكتشف كيف أن الشيطان ومعه مجموعة من الجن والأبالسة والعفاريت ظهروا للقديس
انطونيوس في هيئات مرئية مثل صبي اسود البشرة ووحوش وأفاعي كذا نساء وجنود ..الخ"
( ملحوظة : ألا يجيلنا الصبي اسود البشرة إلى "راع الغنم " الذي التقاه الراهب بالقرب من الدير
في إنطاكية وحاول" إغواء" الراهب ؟ " لكزت حماري بكعبي فناطلق شرقا بكل ما فيه من عزم
. انطلق الحمار كأنه يهرب من ، أو لعله ادرك مثلي إن هذا الفتى ليس بفتى ، وانما الشيطان قد
تجسد لنا في صورة آدمية ليعبث بني- ص 260 .. والمدهش إن زيدان قص قصة الراعي والراهب
بالتطويل والتفصيل من ص 255 إلى 260 ! وهي لا تقوم بأي دور هام في النص الا في اللعبة
الايروتيكية التي حاول زيدان إن يلعبها)
********************
وتورد الدراسة عن حياة القديس انطونيوس بأنه اصر في رسائله على عدم ظهور الشياطين بل انه
اسس تقليدا أدبيا اتصوير الشياطين والعفاريت بأشكال مثيرة للاهتمام . حقيقة أن تصويرهم كان
مؤثرا وتشكيليا في حياة هذا القديس لدرجة أنها اثرت كثيرا في تأسيس تقاليد أدبية مزدهرة في
الفن الأوربي حيث أن ثيمة " اغواء القديس انطونيوس " ما زالت حية ومتواصلة لأيامنا هذه. كما
كتب –نصا ادبيا - جوستاف فلوبير بعنوان " اغواء القديس انطونيوس "
هذا جزء من المنحة الكبرى التي قدمتها الرهبانية المصرية إلى العالم المسيحي والذي تشكل فيه
الرهبانية طريقة حياة للتبتل .
ويشير الباحث إلى نقطة هامة هنا وهي أن الشياطين والعفاريت والأبالسة كانوا يبدون بوضوح
في الحياة الرهبانية القبطية .. لكنهم في الوقت نفسه لم يلعبوا دورا هاما في فن التصوير القبطي
الرهباني ؛ فهذه الكائنات لا تشكل حيزا كبيرا في رسومات وتصاوير وايقونات الأديرة بنفس
التواجد القوي لها في القصص المتعلقة بالأديرة ورهبانها .
ويقول الباحث:
الأديرة وحياة الرهبنة تشكل بكل تأكيد حالة خاصة تماما من التبتل . وهذا يتضح بجلاء منذ أن
يختار شخص ما ؛ أن يكون راهبا وطقوس ادخال هذا الشخص إلى الرهبنة تبدأ بتلاوة رسالة
10 " تسلحوا بسلاح لله الكامل لتقدروا أن تقاوموا مكائد : القديس بولس إلى أهل افسس أصحاح 6
ابليس ، فنحن لا نحارب اعداء من لحم ودم بل أصحاب الرئاسة والسلطان والسيادة على هذا العالم.
عالم الظلام والأرواح الشريرة في الأجواء السماوية "
يقول الباحث " أن سطور القديس بولس لا تحدد فقط بداية طقس الرهبنة فحسب ، لكنها أيضا
ولدرجة معقولة الحياة والأجواء في الأديرة . أن رسالة الأسقف آمنون تقدم لنا صورة حية عن
الدير في بابو تحت حكم ثيودور الذي تسلم القيادة بعد القديس باخوم .يصف لنا كيف كان ثيودور
يجلس تحت شجرة نخيل في فناء الدير ومحاط بمئات من الرهبان الذين كان يرشدهم روحيا .
وكانت تعليماته هي عن تقوية روح الأخوة في الصراع ضد من هم " ليسوا من لحم ودم " كما
يؤكد القديس بولس في رسالته إلى اهل افسس . وفي ذات الرسالة يوضح الكاتب سلطة راهب كبير
بالنسبة " لحصوله على قدرات كبيرة من المسيح لمحاربة الشياطين " ونحن نعرف أن القديس
باخوم شن " حروبا " ضد الأرواح الشريرة خلال تلمذته في دير البلمون .
ويشير الباحث إلى تفشي ممارسة السحر بين الرهبان كنتيجة لتواجده السابق على المسيحية
ويضرب مثالا بان الروح الشريرة " الباساديرا من منطقة " الباويت " أصبح اسمها في المسيحية
Aberzelia
عبرزيا اليا وهو الاسم القبطي السحري للتعويذة المخصصة لحماية الأم ووليدها الطفل .
الرهبنة هدفها الديني الفلسفي هو تحرير ا لإنسان- الراهب من الشياطين . فالراهب صراعه هو
من اجل أن يستعيد وضعه الأول فبل سقوط آدم . سيكون صراع الراهب مع العالم المادي ومع
جسده وكلاهما " آثمين " وصراع الراهب من شقين؛ صراع ضد العالم الكبير وصراع ضد
"العالم الصغير" وهو طبقا للاعتقاد السائد آنذاك يكون " الانسان " وعلى المستوى الشخصي
عليه أن يحارب " الخطيئة " أي أن يطهّر جسده من الرغبات الجسدية في انتظار رفقة حياة
الملائكة في مملكة السماء . يجب عليه أن يطرد الشيطان من داخله ليستقبل روح لله بدلا منه
والتي من خلال نارها سوف تطهر القلب وتنقي الجسد. وبهذا يعتبر الراهب أن العفاريت
والشياطين هي اعدائه الطبيعيين. كما أن حياة الرهبنة لا تعاش باعتبارها نقيض للنقص داخل
الإنسان نفسه لمنها أيضا نقيض العالم لأنها تنادي بقواعد وأسس مناقضة لقواعد وأسس العالم .
أي أنها تقدم قواعد وأسس ملكوت السموات ؛ وهذا معاد لما تقوم به الشياطين.وهكذا فالراهب
لا يتعامل خارج العالم فحسب ؛ لكنه أيضا ضد العالم . والحياة في الدير تُصور على أنها "حياة
الملائكة "
محاولة زيدان خلق " الراهب الضد " لكي ينفخ الحياة دراميا في نصه عديم الروح باءت
بالفشل . ثمة تجربة سابقة له كتبها اناتول فرانس في رواية شيقة بعنوان "تاييس"
تاييس" وهي غانية جميلة ثرية تعيش في القرن الرابع الميلادي حياة صاخبة، وهناك
"بافنوس" الراهب الذي يعشقها . فبينما تكف هي عن حياة الرذيلة يجد الراهب نفسه لا
يكف عن التفكير فيها فيتعلق فوق عمود في الاسكندرية لكي يعاقب جسده .
بالطبع من الممكن أن يستجيب الراهب هيباتا لإغواء الشياطين وخاصة شيطان الجسد لأن المؤلف
يريده " إنسانا بشريا " لكن على الأقل كان يجب أن يدير صراعا ما بينه وبين شياطينه(خاصة
الجنسية ) إذا ما كان الراهب هيبا يعيش في القرون الأولى للمسيحية وتواجد الشياطين جنبا
إلى جنب معترف به عند الرهبان على ألأخص .
بل أن التفسير الوحيد المقدم هنا للصراع والجدل اللاهوتي انه من فعل الشيطان " الشيطان يلعب
بالجميع ..فهل تراه الآن يسعى لكي يلعب بي؟ إلا يكفيه لعبه مع هؤلاء الذين يستعدون للحرب في
افسوس؟ وتلك النار التي يشعلها في الكنائس " ص 342
بل انه يرى مارتا شيطانا "حدقت في ملامحه فوجدتها قد تغيرت . لم يعد الرجل المتأنق المبقع
وجهه بالبهاق ولا الفتي الذي التقيته ..صار ارق وجها وأقل حجما وبدا وجهه اشبه ما يكون
بوجه مارتا . حدقتُ فإذا هو مرتا بتمامها " 343
وهو يتحدث هنا عن "كيان غير منظور " يتخذ أحيانا وجه أمه ووجه الراعي ..الخ حتى يصل
إلى وجه مارتا.
ثم حوار فلسفي بعد ذلك عن أن الشيطان داخل هيبا
ثم يكتشف – الآن فقط – أن الشيطان أو ما تخيله هو عزازيل !!
هذا يأخذنا مرة أخرى إلى بداية الكتاب والى الحديث الشريف الذي سجله زيدان ونسبه إلى الإمام
البخاري " رواه الإمام البخاري بلفظ قريب "
" لكل امرئ شيطانه ،حتى أنا ، غير أن لله اعانني عليه فأسلم "
.. ونفهم من الراهب أن شيطانه هو عزازيل ونعرف من قراءتنا للتوراة انه شيطان يهودي نجس
وان مكن يقترب منه بأضحية عليه أن يتطهر بعد ذلك وان من القابه سيد الذباب وسيد الزبالة (!)
مسكين الراهب الذي تلبسه شيطان يهودي ولم يعنه لله عليه فلم يسلم!.
بل مسكين هذا الراهب الذي لم يعنه لله على نفسه فلم يسلم !( مثل القول القريب في رواية
البخاري / زيدان )
قال له الشيطان " أنا لست حولك يا هيبا أنا فيك " وبقية الفصول - الرقوق - تحصيل حاصل !
معذرة ! فثمة رق بعنوان قانون الأيمان .. يطعن فيه الانبا بيشوي بانه غير دقيق .ولذا
سنترك الانبا وخبير الرقوق يتناحران..