الاستاذ والتلميذة
في رحلة من رحلات المترجم إلى بلدان اسيا للعمل ، بشكل مؤقت في منظمة فرعية للأمم المتحدة ، حيث طلبوا
منه اعطاء دورات مكثفة لطائفة من المترجمين من بلدان العالم الثالث ، التقطت عينا المترجم المدربتان ، طالبة
من بلد عربي ؛ ( عرف ذلك حينما راجع الملف الخاص بها ) وشعر بموجات كهربية تنطلق بينهما ( كما قال لها
بعد ذلك ) وذبذبات روحية حية . حينما انتهت الدورة بقي المترجم في هذه المنطقة . وكان قد أدار حوارا
طويلا مع هذه الفتاة التي سنطلق عليها "مؤقتا " لقب التلميذة ، وذلك في الحفل الذي اعقب تخرج المشاركين في
الدورة . اقترح على الفتاة ، أن يلتقيا في الغد بعيدا عن ضجيج الحفل والموسيقى الصاخبة التي لا يتحملها
المترجم. وحينما التقيا في اليوم التالي وتمشيا طويلا في حديقة الفندق ، صارحها برغبته ، أن تبقى معه بعض
الوقت ، وان تساعده في كتاب يقوم بترجمته ، وعرض عليها جزءا سخيا من العائد المالي لترجمة الكتاب .
وافقت التلميذة ، وطلبت "إجازة " من عملها لثلاثة أسابيع ( كما قال لها المترجم ) وبدون أجر ، بعد أن
وافقت على عرض المترجم أن يدفع لها مقدما جزء من مستحقاتها في ترجمة الكتاب .
لم يقل لها المترجم انه توسم فيها شيئا بالغ الخصوصية من ربوبية والاهية حتى لا تنفر وتهرب .ثم تطورت
العلاقة بينهما سريعا ، ولم يكن دافعه سوى غزل صوفي كما قال لها صادقا وكما وثقت هي في قوله.
وتدريجيا ، ادخلها معه في ما يطلق هو عليه "منطقته الخاصة " ودارت بينهما سجالات طوال ، سمحت له
فيها في النهاية ان " يتعبد " فيها ن وبدأت هي تقتنع بأنها "الهة وربة " وتخاطبه احيانا باعتباره كاهنا في
معبدها وراهبا في محرابها ؛ تأمره ، فيأتمر خاصة بعد ان تبين لها ان اعتبارها لنفسها بربوبية معينة يتطلب
منها ان تمارس هذه الربوبية على من اقنعها بها . بل انها اقتنعت داخليا وببطء ، لكن بفرح وانتشاء بقوتها
الخاصة المنبثقة كما قال لها وكما اقتنعت من انها من سلالة الالاهات العظيمات السابقات مثل ايزيس
وعشتار وأثينا وافروديت وفينوس.
كما كانت احيانا تخاطبه بصيغة " الاستاذ " كتلميذة تخاطب استاذها .
، وقبيل انتهاء الأ سابيع الثلاثة وعند اتمام الجزء الخاص بالترجمة الذي طلبه الاستاذ من تلميذته اتفق مع
زميل له اسيوي ، أن يقوده ويعرفّه إلى جورو ، يقيم لمن يرغب " ورشات " خاصة لمن يقبله
الجورو أيضا ، فالورشات مجانية ، وبتالي انتفت منها صفة "الارضاخ " .
هذه الورشات هدفها هو التوصل عبر طقوس معينة إلى الاتصال مع العوالم الأخرى غير المرئية وغير المحسوسة
وجاء هذا العرض بعد أن كان المترجم قد أفضى إلى زميله في لحظة نادرة من لحظات صدقه ، برؤيته عن
الالاهات الأنثويات ، وعن رغبته ؛ أن يجد دربا يوصله إلى مرامه ؛ إلى الاهة وإلى معبد .
واقترح المترجم / الاستاذ على التلميذة / الربة أن ترافقه في رحلته هذه للبحث عن ما يرغب . فوافقت على أن
تقضي بضعة ايام فقط كزائرة وليست طالبة معرفة .
وهكذا ذهبا سويا مع زميل المترجم إلى " الغابة " وهي الاسم الذي يطلقه الجورو على مكان اقامته في
الأحراش .
وفي الفصول التالية ، التي كتبها المترجم على هيئة مذكرات ويوميات غير منتظمة ، لا في التواريخ ، ولا في
الإحداث ، وتركها "وديعة " عند رفيق له كان يشاركه كوخه ، لكي يتصرف بها كما يريد هذا الصديق والزميل
الذي اصطفاه من دون معارفه وأصدقائه القلائل ، ولم يطلب منه إعطائها لزوجته أو لبنتيه . لم يشترط على
صديقه هذا أي شرط ، سوى انه " يتصرف " بها بعد " رحيله " ولم يفصح أكثر .
وعندما تأكد حامل الوصية من " رحيل " المترجم قرر نشرها في كتاب ، دون حذف أو إضافة ، وقبل الطباعة
اكتشف بالصدفة أن المترجم أيضا كتب فصولا طوال من الرواية التي اتفق مع غزال على كتابتها ، وتركها لم
تكتمل ، وتوقف عن الكتابة فيها لسبب لم يُفصح عنه لأحد .
لهذا قرر حامل الوصية ومنفذّها أن يضم الأوراق الأخيرة التي تسلمها من المترجم إلى مخطوط الرواية
الناقصة (من وجهة نظره) لكن في جزء منفصل قائم بذاته ، باعتبار أن هذه الأوراق هي آخر ما سطره
المترجم قبيل " رحيله "
ولن نستطيع أن نسرد جميع التفاصيل هنا المتعلقة بجميع الطقوس إلا ما كتبه المترجم في اوراقه المبعثرة ،
والتي لم يكن يسجل فيها بشكل منتظم كل ما يحدث أو يعن له.
لكن من اوراق المترجم سوف نقدم السرد التالي :
وبعد لقائي الأول بالجورو ، وهو لقاء يقوم به الجورو ليختبر مزاج وصدقية طلاب المعرفة ، حتى يوافق
على انتظامهم معه في الورشة ، وافق الجورو على انضمامي إلى الورشة التي يسميها الجورو فصلا دراسيا
..وكنت بعد أن انتهت مهمتي العملية في كورس الترجمة طلبت " إجازة " من عملي مفتوحة وبدون أجر
لكي ابقى مع الجورو ، في منطقته التي يقيم فيها داخل كوخه البسيط وبجواره بضعة اكواخ بسيطة ، يقيم فيها
من يصطفيهم الجورو. وكنت اقنعت الفتاة التي سأطلق عليها من الآن فصاعدا اسم الربة " ربيع " أن تبقى معي
بعض الوقت لكي تختبر هي بذاتها الوهيتها " المفترضة " لأني احسست أنها كثيرا ما تفقد الثقة في كينونتها
الربوبية ، ولم اكن أريد التأثير عليها بأي شكل من الاشكال .
الفقرات والفصول القادمة هي عن احوالي وأحوال الجورو وبعض احوالنا الربة ربيع وانا .. وبعض ما خطر لي
وما جائني في حلم ورؤيا والهام .
- العسل المر - 1
متتالية
خطرت كاهنة معبد نون الحياة في كينونتها البشرية قبل أن تتجول إلى ربة في كينونتها الربوبية .كان كبير الكهنة
قد دشنها باسمها الجديد "فواحة العطر " ..خطرت ، متمخطرة ، متمهلة ، متوجهة إلى البحيرة المقدسة، الملحقة
بقدس اقداس معبد إلهتها المكرسة ذاتها روحا وجسدا ؛ لخدمتها تريد في ساعة الغروب هذه ، أن تتحمم .كان
هذا طقسها المسائي ، حينما يضيء القمر الهلال ، الجنيني ، سماءه ، يتجول فيها ، متمهلا ، حتى يتوقف قليلا عند
البحيرة المقدسة .
نضت عنها ثوبها الأبيض المشوب بخيوط زرقاء ونجوم ذهبية .كانت ترتديه مباشرة فوق بشرتها. بدا
جسدها العاري الفتي ، الاسمر مشوبا بلون السماء . بدا طريا ناعما كالصبح حينما يتنسم ، ما يزال ،دفقات عطر
الحقول النقي جسد متناسق مع الطبيعة المحيطة به . يتناغم معها وفيها يتماوج عضله كتموج العشب المزهر .
خلجات الجسد وارتعاشاته الناجمة عن تأودها الحركي غير متعمدة ، بل طبيعي فيها كطبيعة سيرها حافية فوق
عشب طويل ،مزدهر بزهور من الأبيض المشوب بزرقة السماء . ها هما نهداها يشرئبان نحو خط الافق ، طريان
متماسكان ، تشكلا منذ بلوغها ثم نضوجها كامرأة مثل ثمرتين صغيرتين من ثمار الكمثرى . يتأثران سلبا وإيجابا
بالأيدي والأصابع التي تضغط وتمسد وتهرس . ايدي ولهانة رقيقة وأيدي قاسية غليظة . هي في حالاتها المتعددة
تحب جميع انواع الأيدي . تبحث أحيانا عن غلظة تهرسها وأحيانا عن حضن يرفق بها .يتطاول النهدان قليلا قبل
استدارتيهما شبه الكاملة ، لتبرز منهما حلمتان سمراوتان ليستا صغيرتان . هذان مفتاحان من مفاتيح جسدها
الكثيرة والمخبأة بحرصها داخلها.
بطنها الضامر يبدو بارزا برقة ، يعلو خاصرتها، التي كانت موضع قبلات بطيئة وطويلة حينما
تستضيف في جسدها ، بين وقت وآخر كاهنها وأستاذها وحامل إسرارها والمتوله بها .. شفتا الكاهن الأكبر
وأصابع كف زميلته الكاهنة الكبرى العظيمة . من تحت بطنها تنبثق خاصرتها هذه ، منبجسة منها دلتاها ،التي
تبدو كبيرة وبارزة ، تحمل داخلها تويجها ، زهرة تويج متفتحة . طالما مسدها الكاهن وقبلتها شفتاه ، كما مسدتها
أصابع وشفتا الكاهنة العظمى. هذه هي طقوس "تحضيرها " لتصبح كاهنة في معبد الألاهة فبل تحولها لربة ..
حينئذ ستنقلب الآية ويتعبد لها كاهنها الأكبر وتصلي لها كاهنتها الكبرى تمسدها ألان بيدها ، ألان هي تربت
على البروز أسفل خاصرتها ، متذكرة ما حدث لها بالأمس حينما استلقت على شاطئ البحيرة المقدسة وقد احاط
بها الكاهن الأكبر والكاهنة الكبرى العظيمة. وهما يراقبان جسدها ، يحتضناها فيما بينهما . تلتقط أطراف أصابعها
الحساسة ، ملمس تويجها، بزغبه الخفيف الذي تراعيه باهتمام حتى لا ينمو كثيفا. تلتقط أصابعها - الآن- ملمسه ،
يرطب الاصابع بسائل كل العسل في لزوجته الخفيفة ، ينقط منها ، له رائحة عطر فواح يسحر متذوقة .
كانت هذه واحدة من علاماتها المقدسة الخاصة بها ، التي اكتشفها الكاهن الأكبر حينما كانت صبية ما
تزال لم ينبت الزغب بعد في تويجها الصغير .فعندما مال برأسه يذوق قطراتها الهابطة من نبعها ، وقد مد
لسانه بداخلها ، عرف بعد أن تذوق القطرات الأولى أنها " مندوهة " لخدمة إلهتها وإنها سوف تتمرس لتكون
كاهنتها في معبدها النوني، مكرسة حيويتها وطاقتها للنون الكبرى .
هكذا أطلق عليها اسم فواحة العطر
سرحت الكاهنة المندوهة قليللا ، لتنتبه أن عشبة طويلة خضراء بدأت تحف بساقيها العاريتين تقبلهما ..
تأملت العشبة التي بدت لها كشفتي رجل ، تتمسح بفخذيها متداخلة بينهما . ابتسمت هي ، وهمست للعشبة " كيف
تعرفين مفتاحي هذا الذي اخبأه عن العابدين وادعهم يكتشفونه بأنفسهم ؟ حينما يعرفون طريقهم إلى داخلي
بألسنتهم متذوقة عسلي . انه عسل خاص ، عسل مر. فمن يتذوقه مرة ، يسحره مذاقه ،ويناديه في أحلامه . فانا
المندوهة المنادية للذكور في احلامهم ، إ يستيقظوا وأفيقوا وتذوقوا طعم عسلي في حلوقكم "
هي تحب أن تلعب ان تمزح مع عابديها. هي تعرف أن التعبد لها طقس يقوم به العابدون من خلال جسدها.
فمثلما بنى البناءون معبد نون الحياة ليضم في جنباته الإلهة ، التي يأتي إليها عابدوها ليقدموا عباداتهم
ونذورهم . تدرك ، فواحة العطر ، أن جسدها هو طريقهم المادي للوصول إلى روح الإلهة التي يعبدونها في
عبادتهم . فالإلهة ، اختارتها وحَبتَها بجسد على صورتها ، هكذا يراها عابدو الإلهة . فهم حينما يتعبدون للإلهة
يصلون إليها من خلال جسد فواحة العطر . يتعبدون في الجسد ، يتولهون فيه ، لكي يصلوا إلى روح الإلهة .
وهكذا حينما تقدم لهم فواحة العبير جسدها ، فهي تساعدهم على صفاء روحهم القلقة الباحثة عن الهناءة التي
لا يقدمها جسد انثوي عادي .هناءة تمنح مستحقها قرة العين . يعبرون خلالها إلى مبتغاهم .
حينما اسماها والدها باسمها اليومي السابق ، لم يكن قصدهم العطر المتأجج من التويجات .. كانا
مدفوعان بقوة خارجة عن اليومي والمألوف ،كأنهما يمهدان الطريق لما اطلق عليها الكاهن الأكبر اسمها الجديد
"فواحة العطر"
هي "الجسر " الذي يعبر عليه العابدون . لأنها " قد " تسعدهم بقدر ما يتعرفون على مفاتيحها المتعددة ..
يسعدونها باكتشاف مفاتيح جسدها الكثيرة .
قالت للعشبة : اراكي تتمسحين بفخذي وساقي وقدمي ، اعرف مقصدك ، يا عشبة المساء الظامئة . تريدون
قطرات من ماء الحياة المنبجس من تويجي. تريدين ذلك قبل أن انزل إلى النهر لتذوق من عسلي المر ؟"
انحنت الأعشاب التي تمايلت حول فخذيها ، وتجرأت اشجعها وأحاطت بردفيها الكمثري ، تسحبها إليها ، إلى
الأرض المعشوشبة .هبطت هي بفعل شد الأعشاب لها مستكينة ممكنة جسدها لهم . مستسلمة لخشونة متسربلة
بحنان ، بادئها به العشب الطويل الذي ظهر الآن غليظا سميكا خشنا بعض الشيء ، سميكا ومدببا في رأسه .
أحست بالعشب كأنها اعضاء ذكرية تتداخل فيها ، يتلمس فتحتيها من أمام ومن خلف ، وتحف فوق شفتيها فتفتح
فاها تمتص .
انتشت حالمة ، تأتيها ذكرى بعيدة وقريبة في الوقت نفسه ،ذكرى تكريسها كاهنة ، وهي ترقد فوق المذبح المقدس
عارية إلا من بضعة زهور تحت ردفيها ها وفوق خاصرتها .
العسل المر
تقطير - واحد
اولا
كسر الروح
أكثر " الأشياء " رهافة في الكائن الانساني والكائن الحي على العموم هي "الروح " وهي
شيء لم يستطع احد الوصول إليه تحديدا أو تعريفه بدقة
لكنها الدافع الاساسي في صراع البقاء وفي التواصل الانساني وفي الوصال الرهيف المعتمد على
الإحساس الغامض ، بين بعض البشر والبعض الآخر.
هي الهشاشة الداخلية التي يبحث عنها سارقو الأرواح البشرية .
هي موتور المقاومة الداخلية الذي يحفّز الجسد على الصمود أمام المرض والحزن والجوع
والاهانة والاضطهاد ..وصولا إلى أعلى درجات اللا إنسانية البشرية وهي التعذيب الممنهج مثل
معسكرات الاعتقال النازية أو الأهوج مثل تعذيب الشرطة – في العالم كله - للمواطنين .
ساعتها تكون "الروح " تحت الاختبار القاسي . هل ستصمد أم تنكسر ؟ فصمودها - كما اظهرت
بعض الدراسات المتعلقة بالألم – يوقف سريان الألم الجسدي الناجم عن التعذيب . يتوقف الجسد -
بحيلة من الحيل الداخلية الغامضة على مداركنا – من الاحساس المباشر بالألم .
تبدأ العائلة الصغيرة الشرقية العربية اسلامية ومسيحية ، بخطوات منهجية لكسر روح الأنثى
الطفلة . فمنذ البداية يدخلون في روعها أنها مختلفة . انه ليس من الصائب أن تخالط اترابها من
الذكور ، أو أن تلعب معهم العابهم التي هي في عرف الاسرة خاصة بالذكور . وحينما تبلع سنا
معينة يتم عزلها في البيت أو حرمانها من مواصلة الدراسة . وان تجاوز أهلها العزلتين السابقتين
؛ يطوقونها بعزلة جديدة تكون هي سجانة نفسها ورقيبتها . فهم يفهمونها دائما أن " شرفها "
الشخصي وشرف عائلتها ( وهو اصطلاح غامض ) متعلق بذلك الغشاء بين ساقيها الذي " يعزلها"
عن عالم غامض ومخيف. أن زوجها هو الوحيد الذي يحق له فك "طوق عزلتها " هذه ليستبدله
بأطواق أخرى من صنع مؤسسة الزوجية .هذه المؤسسة التي يتداخل فيها الشرع الاجتماعي مع
الشرع الديني لتحجيم الأنثى وجعل الذكر الواحد بقيمة اثنتين من الإناث (!)
تقاوم الأنثى بالغريزة وحدها، محاولات كسر الروح ، فلا تجد من أمها أو مجتمعها النسائي
العائلي سندا نصيرا بل تجد منهن الحاحا على أن تستجيب وترضخ لمحاولات كسر الروح
وتدجينها .
وستواصل مؤسسة الزوجية من خلال الزوج - بوعي أو بدونه- محاولات دؤوبة لكسر روح
الزوجة والبنات اللاتي ستلدهن . يتم ذلك أحيانا باستخدام قمع جسدي متكرر مع الزوجة والبنات
وتحديد طريقة مواعيد خروجهن ودخولهن ، بل ومن يصاحبن من اترابهن ، أو بعنف ضد جسد
الزوجة كأن يأخذها زوجها عنوة متى اراد، معتبرا أن جسدها ملكه شرعا وقانونا . فيتحول
جسدها المسلوب منها منذ طفولتها وصباها إلى شيء بغيض بالنسبة لها . مقزز . وتقوم المجلات
النسائية التافهة بحشو دماغها ، لتحولها إلى " شيء يتجمّل " بهدف جذب انتباه الزوج اللاهي أو
الفاقد اهتمامه بها ، فيتحول جسدها، إلى "وسيلة " لجذب الزوج جنسيا وغريزيا ، بالثياب التي
تعتقد هذه الطبقة أنها "حسية واغرائية " والعطور حتى تثير حواسه الكورية والغريزية فيرغبها
زوجها بين وقت وآخر . أي يكون اهتمامه الوحيد بها عن طريق ارضاء شهوته ورغباته الجنسية
هو وليست هي . لا يهتم احد بما يحدث داخل روحها ولا العطب الذي يصيب جسدها ، فتصبح مثل
"نورا " في بيت الدمية ، لهنريك ابسن / مسلوبة الجسد والروح. لكن نورا على الأقل بقيت داخل
روحها بعض طاقة للمقاومة ، فتنطلق خارجة من هذا البيت ، وتصفق الباب ورائها بمواجهة
دهشة زوجها وعدم فهمه.
تعالوا نتذكر جداتنا وخالاتنا وعماتنا وأمهاتنا وإخوتنا ..ونحاول أن نسترجع احوالهن ونرى
كيف تم بشكل ممنهج كسر ارواحهن واستلابهن .
العسل المر - تقطير - 2
هزيمة الجسد هي نتيجة كسر الروح .
لا يمكن استرداد الجسد مرة أخرى بدون استرداد الروح المكسورة . فما اسهل حينئذ على الجسد
أن يلتئم مرة أخرى . أن تنشط خلاياه وان تستعيد حيوتها . أن تنهض خلاياه من الموت ، وان
تُبعث حية .
فكيف يمكن إذن استرداد الروح المسلوبة ؟ الروح المكسورة ؟
ليست هناك وصفة سحرية لهذا . لأن كل روح تختلف عن الأخرى .وصاحب كل روح يختلف
عن الآخرين . الروح التي كانت صلبة وقوية ومقاومة ؛ تكون عملية استردادها أكثر صعوبة من
الروح الرهيفة الرقيقة الهشة القابلة بسهولة للكسر .
لكن كسر الروح يبدأ بتحطيم المقاومة الداخلية للإنسان. انه تتحطم تدريجيا وعلى دفعات. يكون
تحطيمها النهائي في فقدان الإيمان الشخصي بما كان يؤمن به الإنسان . بالحب ، بالصداقة ،
بالأبوة ، بالأمومة ، بالإخوة ، بالعائلة ، بالدين. بالشرف ، بالقيم الانسانية العامة وبالقيم الشخصية
بمنظومة القواعد والقيم التي نكتسبها منذ الميلاد ..
ثم يتلو هذا إحساس مهول بالعزلة والخواء الداخلي والخارجي . عزلة عن العالم وإحساس مؤلم
بالوحشة والاغتراب وبأن العالم الخارجي الذي كان يشكّل فضاء مهما لهذا الفرد أصبح بعيدا عنها.
أصبح لا يريده ولا يهتم به. أن هذا الفرد يشعر منذ الآن فصاعدا بوحدته ، وبأن حياته لم تعد لها
قيمة ، بعد أن فقد اتصاله بالعالم المحيط به .
هذا ما يفعله السجن في السجين السياسي على وجه الخصوص. أن يعزله عن محيطه الخارجي .
أن يعطيه الإحساس بان العالم الخارجي فقد اهتمامه به بل ونسيه ويواصل الحياة بدونه .
يكون الجسد الآن في آخر مراحل صموده ، بعد أن وهن بالتعذيب وبسوء الطعام وشحته . تكون
مقاومة الجسد للموت الداخلي في آخر نقاطها ، بحيث يبدأ الضؤ الداخلي في الخفوت التدريجي
والمتسارع لتحل ظلمة كئيبة داخل الجسد . يتسخ الجسد فلا تتاح للسجين فرصة تنظيفه . يمتلأ
بالقمل والقروح . تنهار عضلاته ويبدأ نشاطه العقلي الذي كان يُعتبر آخر خط دفاع له ، في
الاضمحلال .
ثم تبدأ الروح في التشظي .
حينئذ لا يصعب على السجاّن أن يقوم بالضربة القاضية لكسر الروح والقضاء عليها نهائيا
..ليصبح السجين السياسي بعد ذلك مجرد كومة من الثياب الوسخة فوق جسد مهزوم وروح
مكسورة مستلبة .
وفي احيان أخرى يفعل سارقو الطاقة ولصوصها ذلك مع ضحاياهم الذين توسموا أنهم
يحبونهم .
سارقو الطاقة .. ينسجون شباكهم مثلما تنسج العنكبوت شباكها . يفعلون مع ضحاياهم مثلما تفعل
العنكبوت؛ تمتص طاقتهم وتلقي بهم خارج الشبكة التي تتهيأ لضحية جديدة .
حينما تحمل الإلهة /الكاهنة معبدها داخل جسدها
تأملات
-1- الجسد -الحياة - الغابة -
ما تراه في الغابة " الحياة " وتظن انك بالفعل رائيه ؛ هو في الحقيقة أو لعلها ما تظن أنها الحقيقة ؛
غير ما تراه أو تظن انك رائيه .فليس في الغابة حقيقة نهائية وليس في الغابة رؤية كائنية ،لكائن ما .
الغابة تبدو كأنها ، تحتفظ للكائنات التي تحولت ، بصورها الخاصة عن تحولاتهم في أرشيف
ذاكرتها المرئية وغير المرئية . فلعل الشجرة التي تراها إمامك، وتزهر ياسمينا ،ليست شجرة
ياسمين ، إنما بنت في تمام اكتمال جمالها الياسميني، الذي سرعان ما ستذبل براعمه وتتساقط على
عودها في تمام موعد ذبولها وتساقطها. ولعل الهدهد الذي تظن انك رائيه ، يتمخطر على العشب
نافشا تاجه متخايلا ؛ ليس بهدهد انما شاب في مقتبل قوته وفتوته وشبابه يتعاجب بنفسه تمايلا في
سيره متباهيا ، سرعان ما يقع نتيجة غبائه المعتاد والطبيعي في شراك صيادة ماهرة تضمه إلى
مجموعة طيورها وحيواناتها التي أوقعتها في شباكها وشراكها.
مثل ما كانت جدات هذه الصيادة ؛ من السيرينات يفعلن مع عابري المحيطات المظلمة سالفا وحتى
الآن .
فلنتفق إذن على أن الغابة /الحياة ، الغابة ، مرآة لها خاصيتها المدهشة العجائبية .مثل المرآة السحرية
في قصص الجدات ، وبالتالي تجبر هذه الغابة / المرآة الرائي أن يتحرك غير مطمئن تمام
الاطمئنان لما يراه بل عليه أن يشك دوما في رؤاه باعتبار أن الشك هنا ديكارتي وانه الخطوة الأولى
للمعرفة المقترنة بعمق الرؤيا التي ترى كما يقول المتصوفة .
ثق بالباطن ولا تنخدع بالظاهر.
فالباطن هنا ليس غابة بل حياة عادية لبشر عاديين . بشر يستيقظون في الصباح مثل غيرهم من
المستيقظين الذين كابدوا في اغلب ساعات نومهم أحلاما تقارب الكوابيس . تقلبوا فوق فرائش
سرائرهم بقلق الخائف الذي تتقاذفه ساحرات الليل . وهنا أيضا سيقع المتأمل لحال هؤلاء البشر في
خطر الخطأ ، حينما يعتبرهم بشرا عاديين يعيشون حيواتهم العادية . فليسوا هم بالعاديين وان كانوا
من البشر.
وليست حيواتهم بالعادية وان كانت حيوات بشرية.
أنهم جميعا بشر وحيوانات وطيور وأشجار لكنهم يحتفظون بخاصية بالغة الخصوصية وهي أنهم
،يجتازون دوما وأبدا عبورا على قوانين تحولات ميتامافورزية، هي التحولات التي مر بها يوسف
ك والتي رصدها كافكا ، حينما استيقظ يوسف ك ليجد نفسه لا يستطيع النهوض من فراشه المعتاد في
غرفته المعتادة في بيته المعتاد مع أسرته المعتادة في مدينته المعتادة ليواصل عمله المعتاد.
يكتب المترجم وليس كافكا :
ساعتها في ذلك الصباح المعتاد لم يعد شيئا من تلك الأشياء بالنسبة ليوسف ك ، معتادا. لأنه
هو نفسه تحول من كائن بشري "معتاد " إلى خنفسة بشرية غير معتادة. خنفسة لكنها تفكر
بعقل البشر وتتصرف كما البشر : تخجل وتغضب وتتوقع وتأمل . وقد رصد اوفيد قبل ذلك
بقرون كثيرة تحولات ميتاموارفوزية بشأن البشر المحبين والبشر الخاطئين في كتابه
ونحن نعلم الآن أن كافكا - مثله مثل فان خوخ – كان يرى العالم . Metamorphoses
بعينين تختلفان كثيرا عن أعيننا رغم التشابه المقيت بين وظائف اعين البشر جميعا إلا وهي
رؤية ما يمكن رؤيته بالعين المجردة .
كافكا وفان خوخ ، أُبتليا بأن أعينهما، لا ترى مثلما نرى نحن ألأشياء؛ لكنها ترى الأشياء
مجردة من ما يغلفها أو ما نظن نحن انه يغلفها .إذن أي تجريد هذا الذي يريانه ولا نراه نحن إلا
حينما يتم " اختيارنا " لكي نرى؟ انه تجريد الجسم البشري والجسم الآخر ( وانا اسميه هنا الكينونة
الربوبية اللإلهية ) من أقنعته التي أعطتها إياه الطبيعة بهدف وحيد وأناني سقيم وهو " البقاء " ..
احتار المحللون في سبب قطع فنسنت فان خوخ لأذنه وإعطائها لصديقته التي يقال أنها كانت من
"بنات الليل " عزوا هذا الفعل إلى "جنونه الهادئ " خاصة انه كان يتطبب من وقت لاخر في
مصحة عقلية وقد رسمها كثيرا في لوحاته ، باردة ، لكنها مثمرة معشوشبة موحشة. اعتقد انه
اعتبر اذنه التي كانت صديقته هذه معجبة بها و"تحبها " ذبيحة يقدمها عابد وثني للآلهة ، مثلما
كانوا قديما يقدمون ابنائهم . الم يأخذ ابراهيم أبو الانبياء ابنه وحبيب فؤاده اسحق ليقدمه ذبيحة
للرب كما امره ؟ ثم فداه بكبش ، وجده ابراهيم مربوطا من قرنيه بالقرب من المذبح الحجري . فان
جوخ قام بهذا العمل "الدموي " في الصباح وليس تحت تأثير السكر أو المخدرات ، ثم لف اذنه
في ورقة وذهب إلى بيت صديقته ودق عليها الباب وقدمها لها !
أي فعل رائع هذا يفوق كل "الكلام " الذي يقوله المحبون ، وكل " الأضاحي " التي يضحي بها
العابدون لآلهتهم ؟!
نحن نسير في العالم خلف أقنعة مخاتلة في الأغلب ، يتقّنع بها الضعيف في مواجهة القوي... فترى
حشرة حقيرة تتخذ لنفسها صورة ورقة الشجر التي تقبع فوقها فتخطئها عين النسر – الجريء الأبي -
وتتخطاها . بينما لم تحبو الطبيعة نسرنا بأقنعة مخاتلة فما تراه دوما هو النسر ؛ فتتحاشاه الفرائس
ويتعرف عليه الصياد .
وسوف تواصل الحشرة الحقيرة الحياة بفضل مخاتلتها ، لكن النسر سرعان ما تصيبه سهام
ورصاص الصائد فتحوله من سيد الفضاءات إلى عبد اعمى ، توضع الأقنعة فوق عينيه ، كي لا
يرى إلا ما يرده صياده ومالكه الجديد؛ أن يرى. يقنع بالأكل من يد صائده .
هي إذن ليست غابة مألوفة لكننا سنعتبرها عابة مألوفة . ليست إذن حياة لكنها "قد " تكون
حياة لمن أرادها كذلك.
فالأسماء والمرادفات ، تعوز اللغة، مثبطة في لا نهائيتها ، نهائية بلاغتها ، تضطرها إلى
الدوران حول نفسها كما الطريق الدائري. تدور اللغة حول نفسها لتسلمنا مرة أخرى إلى
لفظة الحياة ..فلا مناص!
هنا خطر حقيقي . فكل من فان خوخ وكافكا ومعظم من لف لفهما في تلك الخاصية اللا بشرية
المحكومة عليها باللعنات ؛ خاصية الرؤية الفوق بشرية التي تجرد الإنسان من اقنعته والطبيعة من
مخاتلتها ، كان مآلهما ومآلهم بؤس المصير وخيبة المآل. تخاطفهما الجنون والفقر والكآبة كما
تخاطفت زملائهم المجردين والتجريديين الذين سأطلق عليهم هنا لفظة الرائيين . إنهم الراءون
الغاوون المقيمون في وادي عبقر وادي الجن .. بالعند في اللغة وفي دورانها العقيم البائس.
فهي إذن – وأيضا - حياة - غابة .
إنها ملتقى الراءون ؛ يأتونها من كل فج عميق ، يحجون إليها بدون ثياب أحرام ،عرايا ، يحملون
أجسادهم الجميلة والشائهة ، المكتملة والناقصة ، يقفون أمام رب أرباب الغابة الحياة ، يتوسلون إلى
كهنته أن يتوسطوا بينهم وبينه. يحملون أضاحيهم للتقدمة الحتمية المطلوبة . ليست أضاحيهم ماعزا
أو خرافا .
لكنها قلوبهم وعقولهم فهذا ما ملكت أياديهم .
هؤلاء فئة من المختارين .
أنهم يدينون بدين السعادة والاكتفاء الممنون للذات. يعبدون ذواتهم. ومن خلال تعبدّهم لذاتهم ،
يكتشفون معبوداتهم ومعبوديهم الجدد . قد يكّن إناث من سلالة الآلهة، يراهن الرائي الساذج فيظن
إنهن نرجسيات ، ممتلئات بذواتهن .
يراهن البشري ، يرى إلى هاته الذوات ، فلا يشاهد سوى إناث قد تخضبن بالمساحيق ، تسرن
مهتزات الأعطاف ، فيظنهن صيدا سهلا .
وقد يكونوا ذكورا تنطبق عليهم ما ينطبق على تلك الاناث اللاتي ذكرتهن !
لكن الراءون الحقيقيون يرونهم اناثا و ذكورا ، على حقيقتهم من خلف اقنعتهم البشرية .. ويرونهم
( حينا يشاهدن الاناث ) صيادات أمازونيات قويات ممتلئات بالعزم والأنفة والحكمة . لسن
نرجسيات نرسيسيات لكنهم يقتربن كثيرا من نرجس النرسيسي . يتعبدن في ذواتهن من خلال السماح
للعابدين الرائيين أن يتعبدن فيهن . ويتيهن فخرا بأعينهن التي ترى ما لا تراه اعين الكائنات البشرية
، بالرغم من بلوتها ، باعتبار أن بلوة كهذه ، نعمة ينالها المختارون فقط دون سواهم.
إنهن زهرات ياسمين ولو تغيرت الأسماء والصفات .
حياتهن ؛ لمن لم يبلوها، ولمن لم يخبرها ؛ تبدو ناشفة غليظة . لكن لمن بلاها وخبرها ستبدو ناعمة
رقيقة مكتفية ومكتملة.
اما بالنسبة للذكور فتكون احوالهم كما اوليس في رحلته قافلا إلى ايثاكته !
المعبد- الجسد – الغابة – الحياة
-2-
عن كاهنة نرجسية
.
فهي ، لأنها نرجسية ، لا تضع معبدها واضحا فوق رقعة من الأرض مثل بقية المعابد. لكنها تخبئه
معبدها ، داخل أعطافها ، فتخدع الرائيين المتعجلين ، الغير متعمقين . الذين لا يرون في أعطافها
سوى لحما أنثويا شهيا حبتها به إلهتها ، أثداء ممتلئة نافرة الحلمات ،وليونة في الخصر وانبعاج فوق
الخاصرة وأخدود ملتهب في دلتاها.تأود في الأرداف ، تحملها أفخاذ مستقيمة مثل أعمدة رومانية
متوجة بقدمين شهيتين حسيتين تغريان عابدوها بالتقبيل تثيران الرغبة وتوقدان الشهوة ، يحتضنها
الجاثي أسفلها يمرر شفتيه فوق أصابع قدميها يتلمسهما مقبلا ممتصا ، واحدا ..واحدا فهم وصاياه
العشر، في لوح جسدها المحفوظ من كل عين حاسدة وكل سهم مسموم.
حملتاها قدماها عبر تواريخ وأزمان وصحاري ووديان ، قادتاها إلى قدس الأقداس ، إلى معبدها
الداخلي الذي يمد مسام جدرانه بعصب ودم ، فتفردهم فوقها وتحتها ، كما تفرد سفينة أشرعتها تبحر
بها إلى ملذاتها،مشاركة إياها متعبديها مرتلة هذا هو جسدي كلوه، وهذا هو دمي اشربوه فتنالوا
البهجة الأزلية ، فانا الكل في واحدة ، الكثيرة في اختزال ، أمتص ملذاتي من المتعبدين وهم
يرتشفون عسلي المر ، نضع أفواهنا فوق بعضها نخلط ونمزج ما امتصصنا وما ارتشفنا ، ما
امتصصت وما ارتشفوا ، إكسيري أشركهم فيه . يشاركوني قسمتهم . أقسو عليهم فترجف أعطافهم
سرورا وشبقا . أحب غلظتهم تهرسني أجسادهم ؛ فيتقاطر عسلي بريقا ووهجا . آمرهم بهمسة ..ان
انهضوا من ملاعبكم ، قوموا بواجباتكم التي انتم لها مُكرسون فيفردوا جسدي أشرعة سفينة
يمتطونها تتحول إلى فرس وهم فرسان بلا سيور ولا لجام سوى شعري وسروجهم أردافي انهب
الأرض بهم وهم راكبون علىّ وانا ساجدة على أربع ، امخر البحر فراشي ، جسدي سفينة فاردة
اشرعتها ، فرجي دفتي يهرسون ثديي ، فأحلق طائرة ..
هذه طبيعة ياسمينها النرجسي البنفسجي ، الذي يبهج الرائيين وهو "زهر حزين "
هذه هي المراوغة التي تحبو بها الإلهة كاهنتها حتى تواصل حمل معبدها بين أعطافها ، يتعبد فيه
العابدون الحقيقيون الأصلاء..، حينما تحول الآلهة ، جسد كاهنتها إلى معبدها الخاص ، إلى جسد
انثوي مغر للرجال ، ساعتها في لحظة خارج الزمن المألوف تندمج الالهة مع الكاهنة في جسدها
البشري محولتها الى حالات متعددة ، جسد ذكوري انثوي تغواه النساء لأنه يقدم لهن خصوصية
نادرة طالما بحثن عنها في أحلامهن السرية ، ينجذبن إليها كما ينجذب الفراش إلى النور ، فيضيء
جسد الكاهنة عندئذ مثل الحبق،فاتحة كنوزها الخبيئة ، كنوز تحولاتها ، فتصبح آكلة مأكولة شاربة
مشروبة هاطلة لعسلها المر فوق الشفاه العطشى ومستقبلة رذاذهن مطرهن فوق ياسميني ا النرجس
يرويهن بدمع شبقهن بعرقهن فيخضر ويزهر داخلي يغيض فيّ بفيضه يملؤني حتى الحافة .
تتحول من معبودة إلى عابدة ، ذكر وأنثى حبيب وحبيبة أم وعشيق ، قسوة ورحمة غلظة وحنان
مبتدأ ومنتهى في اللانهاية
عن الغابة - 2
اليوم قال لي " استاذي " الجورو عليك أن تذهب إلى الغابة . كنا في عنق اعماق الغابة ، لكني
فهمت مقصده الذي لم يفصح لي عنه قال لي . وعندما طلبت منه أن يعطيني "علامات " قال :
مثلما قلنا عليك أن تأخذ الطريق الدائرى ، والذي نسيت أن أقول لك ، متعمدا ، بالطبع لكي تتوه في البداية - أن
ثمة فتحة صغيرة بدون علامات ولا اشارات في عكس السير من الناحية الأخرى هي التي ستأخذك إلى الغابة .
لكنك ستجد انه من المحال أن تنحرف، بسيارتك أن كنت راكبها ، أو بقدميك أن كنت راجلا ، في عكس السير .
لكن هذه ليست مشكلتنا نحن. فقد حللناها على طريقتنا . كل واحد عليه أن يحلها بطريقته.
وبافتراض انك وصلت إلى الفتحة التي بعكس خط السير ، ستهبط عبر مدرجات حجرية وأخرى خشبية وبعضها
متصدع ومشقق ومتآكل ومهتز ، حتى تجد نفسك على مشارف نهر متلاطم . لا تحاول أن تعثر على معدية . ولا
تحاول أن تجد قاربا . لأن المعدية ستأتي اليك في حينها بعد أن تيأس تماما . ولأن جميع القوارب الموجودة هناك
غير مرئية .
ستنقلك المعدية ، خائفا واجف القلب لأنك ستكتشف أنها بلا معداوي . أنها تسير عبر حبال وسلاسل مشدودة في
الطرف الآخر من الغابة . حالما تصل لا تحاول أن تكتشف من كان يشد حبال المعدية . ستتلفت فلا تجد ماء أو نهرا
أو معدية . انتظر مكانك ، حتى ينهمر عليك ظلام الغابة مثل شلال مياه دافئة . ظلام داكن لكن يدا ستلمسك ،. لا
تخف ولا تجفل. فهي اليد التي ستقودك عاريا بعد أن تنضو اليد عنك ثيابك . فالغابة مثل كعبة يحج الناس إليها بلا
ثياب يومية ارتكبوا بها خطاياهم وذنوبهم. يحجون عرايا .
وستنام نوما عميقا لكنه ليس نوما بل رؤيا ، تبدو كالنوم .حينما تفيق من نومك وتبدأ رؤاك ، ستجد نفسك في
كهف دافئ يربض على بابه نمر وفيل .ستخرج بعد أن تشرب السائل الموضوع بجوار رأسك حينما استيقظت .
سيركع لك الفيل لتركبه. سيزمجر النمر في خفوت وهو يلحس قدمك. سيستقيم الفيل وينطلق بك . سينطلق الفيل
متتبعا اثر النمر الذي يقوده عبر مسارب الغابة الخفية .
سيتوقف بك الفيل بعد أن اختفى النمر . سيمد خرطومه ، يلتف عليك برفق . يحيطك بحنو. ينزلك إلى ألأرض .
سيختفي عندئذ الفيل كما اختفى النمر . وستبقى في الغابة وحيدا. ستجد نفسك الآن في الغابة عاريا ووحيدا .
ستعرف عندئذ انك بلغت بداية مقصدك .
الرؤيا
خطرت كاهنة معبد نون الحياة في كينونتها البشرية قبل أن تتجول إلى ربة في كينونتها الربوبية .كان كبير الكهنة
الذي يشبهني وبدا كأنه اخي التوأم ، قد دشنها باسمها الجديد "فواحة العطر " ..خطرْتْ ، متمخطرة ، متمهلة ،
متوجهة إلى البحيرة المقدسة، الملحقة بقدس اقداس معبد إلهتها المكرسة لها ذاتها روحا وجسدا ؛ تقوم على
خدمتها .
تريد في ساعة الغروب هذه ، أن تتحمم . هذا طقسها المسائي ، حينما يضيء القمر الهلال ، الجنيني ، سماءه ،
يتجول فيها ، متمهلا ، حتى يتوقف قليلا عند البحيرة المقدسة .
تنضو عنها ثوبها الأبيض المشوب بخيوط زرقاء ونجوم ذهبية . ترتديه مباشرة فوق بشرتها. جسدها
العاري الفتي ، الاسمر مشوبا بلون السماء .يبدو طريا ناعما كالصبح حينما يتنسم هوائه البارد المختلط بدفيء
الليل ما يزال ، ممتزجا دفقات عطر الحقول النقي جسد متناسق مع الطبيعة المحيطة به . يتناغم معها وفيها
يتماوج عضله كتموج العشب المزهر . خلجات الجسد وارتعاشاته الناجمة عن تأودها الحركي غير متعمدة ، بل
طبيعي فيها كطبيعة سيرها حافية فوق عشب طويل ،مزدهر بزهور من الأبيض المشوب بزرقة السماء . ها هما
نهداها يشرئبان نحو خط الافق ، طريان ومتماسكان ، تشكلا منذ بلوغها ويواصلان اكتمالهما و نضوجها كامرأة
ثمرتين صغيرتين من الكمثرى . يتأثران سلبا وإيجابا بالأيدي والأصابع التي تضغط وتمسد وتهرس . ايدي
ولهانة رقيقة وأيدي قاسية غليظة . هي في حالاتها المتعددة تحب جميع انواع الأيدي . تبحث أحيانا عن غلظة
تهرسها وأحيانا عن حضن يرفق بها .يتطاول النهدان قليلا قبل استدارتيهما شبه الكاملة ، لتبرز منهما حلمتان
سمراوتان ليستا صغيرتان وليستا كبيرتان مدسوستان في لحم الثدي بارزتان على اهبة النهوض متى لمستهما
أصابع حاذقة مدربة ، برفق في البداية ، سرعان ما يغلظان عليهما ، فتئن صاحة الحلمتين ، اللتان تنهضان
بازغتان نافرتان تحمحم كأنها فرس غاضبة وهي ليست كذلك غاضبة
. هذان مفتاحان من مفاتيح جسدها الكثيرة والمخبأة بحرصها داخلها.
بطنها الضامر يبدو بارزا برقة ، يعلو خاصرتها، موضع قبلات بطيئة وطويلة حينما تستضيف في
جسدها ، بين وقت وآخر كاهنها وأستاذها وحامل إسرارها والمتوله بها .. شفتا الكاهن الأكبر وأصابع كف
زميلته الكاهنة الكبرى العظيمة . من تحت بطنها تنبثق خاصرتها هذه ، منبجسة منها دلتاها ، كبيرة وبارزة
مبطرخة ، تحمل داخلها تويجها ، زهرة تويج متفتحة . يسدها الكاهن وتقبلها شفتاه فتنفتح اعطاف الزهرة شقين
عميقين ، مفتتح قدس اقداسها الأرضي ، يوصلان إلى منابع سرها ومتعتها ولذائذها الإلهية التي تمن بها على من
ترغب من رعاياها. تسدها أصابع وشفتا الكاهنة العظمى. هذه هي طقوس "تحضيرها " لتصبح كاهنة في معبد
الإلهة في طريق تحولاتها لتصبح ربة .. حينئذ ستنقلب الآية ويتعبد لها كاهنها الأكبر وتصلي لها كاهنتها الكبرى
يقف كاهنها بجوارها الآن يمسدها بيديه ، تربت كفه على البروز أسفل خاصرتها ، ويبتهج قلب الكاهنة / الالهة
متذكرة ما حدث لها بالأمس حينما استلقت على شاطئ البحيرة المقدسة وقد احاط بها الكاهن الأكبر والكاهنة
الكبرى العظيمة. وهما يراقبان جسدها في تحولاته ، يحتضناها فيما بينهما . تلتقط أطراف أصابعهما الحساسة ،
ملمس تويجها، بزغبه الخفيف الذي تراعيه باهتمام وتشذبه من وقت لآخر ، حتى لا ينمو كثيفا. تلتقط أصابعها -
الآن- ملمسه ، يرطب الاصابع بسائل كالعسل في لزوجته الخفيفة ، ينقّط منها ، له رائحة عطر فواح يسحر
متذوقة .
هذه واحدة من علاماتها المقدسة الخاصة بها ، التي اكتشفها الكاهن الأكبر حينما كانت صبية ما تزال لم
ينبت الزغب بعد في تويجها الصغير . وكان هو يلف القرى والنجوع بحثا عن صبية تكتمل فيها شروط
الكهنوت والربوبية . فعندما مال برأسه يذوق قطراتها الهابطة من نبعها ، وقد مد لسانه بداخلها ، عرف بعد أن
تذوق القطرات الأولى أنها هي ، هي " المندوهة " لخدمة إلهتها وإنها سوف تتمرس لتكون كاهنتها في معبدها
النوني، مكرسة حيويتها وطاقتها للنون الكبرى .
لتصبح الاهة فيما بعد حينما يأتي أوان تحولاتها
هكذا أطلق عليها اسم فواحة العطر .
سرحت المندوهة قليللا ، لتنتبه أن عشبة طويلة خضراء بدأت تحف بساقيها العاريتين تقبلهما .. تأملت
العشبة التي بدت لها كشفتي رجل ، تتمسح بفخذيها متداخلة بينهما . ابتسمت هي ، وهمست للعشبة " كيف
تعرفين مفتاحي هذا الذي اخبأه عن العابدين وادعهم يكتشفونه بأنفسهم ؟ حينما يعرفون طريقهم إلى داخلي
ا :Deleted
بألسنتهم متذوقة عسلي . انه عسل خاص ، عسل مر. فمن يتذوقه مرة ، يسحره مذاقه ،ويناديه في أحلامه . فانا
المندوهة المنادية للذكور في احلامهم ، استيقظوا وأفيقوا وتذوقوا طعم عسلي في حلوقكم "
هي تحب أن تلعب وان تمزح مع عابديها. هي تعرف أن التعبد لها ، طقس يقوم به العابدون من خلال جسدها.
فمثلما بنى البناءون معبد نون الحياة ليضم في جنباته الإلهة ، يأتي إليها عابدوها ليقدموا عباداتهم ونذورهم .
تدرك ، فواحة العطر ، أن جسدها هو طريقهم المادي للوصول إلى روح الإلهة التي يعبدونها في عبادتهم .
فالإلهة ، اختارتها وحَبتَها بجسد على صورتها ، هكذا يراها عابدو الإلهة . فهم حينما يتعبدون للإلهة يصلون
إليها من خلال جسد فواحة العطر . يتعبدون في الجسد ، يتولهون فيه ، لكي يصلوا إلى روح الإلهة . و حينما
تقدم لهم فواحة العبير جسدها ، فهي تساعدهم على صفاء روحهم القلقة الباحثة عن الهناءة ، التي لا يقدمها
جسد انثوي عادي .هناءة تمنح مستحقيها قرة العين . يعبرون خلالها إلى مبتغاهم .
حينما اسماها والدها باسمها اليومي السابق ، لم يكن قصدهم العطر المتأجج من التويجات .. كانا
مدفوعان بقوة خارجة عن اليومي والمألوف ،كأنهما يمهدان الطريق لما اطلق عليها الكاهن الأكبر اسمها الجديد
"فواحة العطر"
هي "الجسر " الذي يعبر عليه العابدون . لأنها " قد " تسعدهم بقدر ما يتعرفون على مفاتيحها المتعددة ..
يسعدونها باكتشاف مفاتيح جسدها الكثيرة .
وقد يكون سوء مآلهم علي يديها ..ايضا !
قالت الكاهنة للعشبة : اراكي تتمسحين بفخذي وساقي وقدمي ، اعرف مقصدك ، يا عشب المساء الظامئ . تريد
قطرات من ماء الحياة المنبجس من تويجي. تريد ذلك قبل أن انزل إلى النهر لتذوق من عسلي المر ؟"
انحنت الأعشاب التي تمايلت حول فخذيها ، وتجرأت اشجعها وأحاطت بردفيها الكمثري ، تسحبها إليها ، إلى
الأرض المعشوشبة .هبطت هي نتيجة جذب الأعشاب لها مستكينة ممكنة جسدها لهم . مستسلمة لخشونة متسربلة
بحنان ، بادئها به العشب الطويل الذي ظهر الآن غليظا سميكا خشنا بعض الشيء ، سميكا ومدببا في رأسه .
أحست بالعشب كأنها اعضاء ذكرية تتداخل فيها ، يتلمس فتحاتها جميعا تقبلّها وتتمسح بها وفيها ،من أمام ومن
خلف ، وتهفهف فوق شفتيها فتفتح الكاهنة فاها تتلقف العشب تمتص .
تنتشي حالمة ، تأتيها ذكرى بعيدة وقريبة ،ذكرى تكريسها كاهنة ، وهي ترقد فوق المذبح المقدس عارية إلا من
بضعة زهور تحت ردفيها ها وفوق خاصرتها . وكاهناه مكتشفها أستاذها ، يقف امامها مثل الإله مين بكل جلال
انتصابه وبهائه !!
1--
نشيد القبلات للربة ربيع
ليست القبلة الولهانة تلامسا جسديا ، فالوله ، يفوق العشق ويتفوق على الحب .لأن الوله يوجهه الولهان الى إلهة،
يميزها المتوله عن غيرها من البشر ، بخصائص مختلفة عن ما هو موجود داخل البشر.
فالإلهة، تسمو عن الدناءة وتتعفف عن الصغائر ، روحها تستشرف الذرى العالية ، مقامها مع النسور في قمم الجبال ،
حتى لو كان جسدها ارضيا يخضع مجبرا لقوانين الطبيعة .
الربة ربيع خطوها فوق الروض يزهر بالورود ، وابتسامتها حينما تهبط على عابديها تكون كأشعة شمس الحياة .
لذا اطلق عابدها عليها : الربة ربيع .
جسد الإلهة الأرضي قد يكون عبئا عليها ، فهو لمن لا يعرف خبيئتها ، يراه جسدا شهوانيا ، باحث عن المتعة ،
مثيرا لحواس الرجال. وليس في هذا ما يعيبها ، فتجسدها في هيئة بشرية ، لابد ان يضفي على هيئتها ، اثارة وشهوة
، وشبقا فهي ليست الهة اعتيادية ، لكنها ربة الحب والوله والعشق ، والجنون ، والهيام وسحر الألباب ، ربة الولاء
والصفاء .
لذا فحين يقبل إليها عابد متعبد ، عارف ببواطنها المخبئة عن العالمين والتي لا تكشفها الا لمريديها وعارفي الوهيتها ،
يقبل الى معبدها ، الى جسدها ، يصلي فيه . يستنشق شذاها ، عبيرها المتدفق من مسامها ، يتذوق بشفتيه ، رائحتها
الخاصة ، المنبعثة من اعماقها مع عسلها . و اذا منّت على عابدها ، وسمحت له ، ان يرتشف من رضابها الشهدي
، حينئذ ، توصله الى حالة الجذب التي يبتغيها الصوفي من معبوده.
ها هي واقفة شامخة في محرابها .
يتقدم اليها عابدها ، يطلب الإذن منها ، فتومأ اليه بعينيها ، ان نعم ، لكن عليك ان تعرف مكانك وموضعك ، فما
انت الا واحد من عباّدي اصطفيتك ، لأخصك بمنح لم امنحها في السابق الا لمن خبرتهم واصطفاهم فؤادي .
تمد له الإلهة قدمها ، فينحني العابد يلثمها ، فتحذره " ليست كلها " سأخبرك متى سأسمح لك حينما اثق في
عبادتك وتعبدك وعبوديتك لي .
"عليك ان تتعبد فقط في اصبع قدمي الصغير " ، فيلتقط العابد اصبع قدمها الصغير ويضم شفتيه عليه يمتص
رحيقه .
تنتشي الربة ربيع ، قليلا، فهي لا يرضيها الا اشياء صعبى تكاد تكون مستحيلة ، لكنها ربة عطوف . تشفق على
عابدها المتوله فيها ، فتهمس لعابدها ، لا بأس ، وثقت الآن انك لا تتجاوز حدودك ، سأسمح لك ان تقبّل باطن
قدمي .
يسجد العابد شاكرا عطف الربة " ربيع " يلثم باطن قدمها. يضع باطن قدمها فوق وجهه متأملا جمال القدم، وروعة
انسيابها وقوتها المتضمنة حلاوتها ورقتها المتضمنة مواطن بهجة الربة ، يلحسها بلسانه يتذوق طعمها الخاص
الذي يثير ولهه ، ويقبلها بشفتيه ، يتمدد على الأرض راقدا على ظهره ، واضعا قدمها فوق وجهه.
يكون العابد قد اقترب من رضى الربة لأنه اقترب من مناطق مفاتيح صناديق اسرارها الخبيئة .
وتعابثه الربة ربيع ،مبتسمة ، تحرك اصابع قدمها فوق شفتيه ، يفتحهما تضع اصابع قدمها في فمه ، يمتص
العابد الأصابع ، يدور بلسانه حول كل اصبع وبين كل اضبع ، مستمتعا بعطية الربة إليه ، بعد ان غابت عطاياها
عنه طويلا .
تقول الربة عليك ان تبحث عن بقية مفاتيح صناديقي ، فلست غنيمة سهلة حتى لعابدي الولهان .
2- قبلات للربة ربيع
-1 تحولات الربة والكاهن
التحول الأول: تحول الربة
التبادل بين قدس الاقداس و "يوني "
الربة ربيع تحب ممارسة التحولات وخاصة تلك التي تقوم فيها بالتحول من ربة الى امرأة .
فهي حينما تكون في هيئتها الجسدية ، تكون مغناجة ، تحب الاطراء ولا ترتو من الغزل . فهي في صورتها
البشرية لا تبتعد كثيرا عن الاناث الاعتيادية حتى لا يخافها الرجال فيبتعدون عنها خشية وتوجسا . هي تريد
الرجال حولها ، فهن مصدر قوتها ، قوتها الانثوية ، التي كلما ازدادت عنفوانا ، تزايدت قدراتها الربوية
وإمكانيات حلولها الإلهية.
وهي هنا لا تختلف عن بقية الربات ، التي يخشاهن الآلهة الذكور الكبار ، فخلقوهن ، بصفة بشرية ، تتغلب
احيانا على صفات الوهيتهن ، فيكون هذا سببا لانتمائهن البشري اكثر منه انتمائهن الربوي ,
وبالتالي مصدر ضعفهن البشري ، وبالتحديد ضعف الربة ربيع التي تغار منها الآلهة الذكور لتميزها ، فجعلت
نقطة ضعفها الاساسية ، جسدها البشري وكيف يسيطر عليها احيانا برغباته الصعبة واحتياجاته المعقدة التي
قد توردها – ان لم تنتبه – موارد الهلاك .. أي تنفي عنها نهائيا صفتها الربوية ، وتأسرها في ملامحها البشرية .
لذا ، تحقيقا للخطة التي دبرها لها الآلهة الذكور وتأكيدا لنقاط ضعفها ، صاغوا لها جسدها ، كما
يحب الرجال ان يكون جسد الأنثى دون ان يهابوها .
ووضعوا داخلها الرغبة التي لا تنطفئ في جلب المتعة لمشاعرها والتي تذهب بها احيانا الى ابعد من ما كانت
تتخيل انها ذاهبة ، حيث زرعوا فيها ، الخيلاء ، بأنها تستطيع دائما ان تكون مستيقظة مدافعة عن حقوقها
الربوية وعن صفاتها البشرية ، دون ان تتنازل عن واحدة منها للأخرى .
قام الكاهن الأكبر الخاص ، بالكتابة في سجله الكهنوتي المقدس عن " الرؤيا " التي كشفت له فيها الربة ربيع
عن خواصها البشرية ، ذات ليلة ، كانت ذروة في التحولات الربيعية الخاصة بالإلهة ربيع .
كانت ترقد عارية بعد ان قامت الكاهنات الصغار العذارى والكهنة الشباب بتحميمها في البحيرة المقدسة
بالقرب من معبد الكرنك .
التحول الثاني : تحولات الكاهن
من كاهن مُعلم الى عبد عابد
ارسلت الربة ربيع تطلب حضور كاهنها الأكبر في حضرتها .
كانت تريد منه ان يقوم بطقوس سحره الخاص الذي يتميز به عن الكهنة الكبار الآخرين ، وهي تعاويذ خاصة لا
يعرفها سواه ورثها ابا عن جد ، وطورها هو بأن رافقها بلمسات من يده وأصابعه ، ممتزجة بزيت عطري
يحضره من نباتات نادرة ، تظهر في اوقات محددة من الدورة القمرية وسرعان ما تختفي . يقوم الكاهن بالتلاوة
وبرش قطرات من هذا الزيت على الجسد المضنى وعلى الروح المتعبة ، فيزيح عن الجسد السقم .
وبعد ان امرته باسمة ان يقوم بطقوسه على جسدها العاري ، وبعد ان قام بواجباته على اكمل وجه ، مدت له
قدمها ، فجثى ، وقبلها ، لكنها ابقتها على شفتيه وفوق فمها ، فعرف ماذا تقد وتبغى ، من قبل خاصة تحبها
هي يقوم ، على اصابع القدمين ويعض برقة على باطن الكعب ، ويدغدغ بلسانه باطن القدم ، يرطبه لاحسا
، ومصه بشفتيه كل أصبع من اصابع القدم .ثم يلحس ما بينهما ، مثيرا موجات صغيرة متلاحقة من متعة ،
متجددة في كل مرة يقوم فيها بهذا الطقس التعبدي لها . الطقس الذي قام الكاهن الخاص بتدريب الكهنة الشباب
على اسراره والتي لا يقوم بها أي كاهن الا للربة ربيع .
تنهدت مرتاحة حينما انتهى .
نظر اليها من مكانه جاثيا ، فقد استمتع هو ايضا بقبلات قدميها استمتاعا خاصا به، جعل
روحه تصفو وقلبه يبتهج . لأن الربة العارفة لأسرار البشر المختبئة ، تعرف ايضا اسرار
كاهنها الخاص والتي لا يعرفها سواها .
فهو من اكتشف الوهيتها حينما كانت مجرد فتاة عادية تسعى في الاسواق . كان هو قد اضناه
البحث عن الربة ربيع ، ليجده ذات يوم بالصدفة بعد ان كاد ان ييأس ، ليأخذها تحت حمايته
ويبوح لها بأسراها التي كانت قد غابت عنها ، ويجد لها حقوقها الربوية ، وينقلها بالتدريج من
انثى بشرية ، إلى إلهة .
فكلاهما كانا قد وصلا الى مرحلة اليأس . هو يريد ربته التي لا يشعر بالأمن او السعادة الا في
التعبد لها ، وهي تريد عابدين متعبدين لها يعبدونها الهة ، ويعشقونها انثى بشرية . فهي
ادركت انها ، ايضا لا يمكن ان تحقق رضاها الانثوي البشري بدون اكتمالها الإلهي ، وبدون
امتزاج الحالتين .
وهو يعرف انها تحمل معبدها في جسدها وان بوابة معبدها /جسدها ؛ هما القدمين ، الذي يجب
ان يقدم لهما الاحترام والخضوع والمحبة والتوله ،تاليا ترانيمه ومطبقا عليهما طقوسه حتى
، ترضى الربة وتطمأن ، فتفتح البوابة المغلقة لجسدها / معبدها .
فمن حسن حظه ان قدميها هما ابواب معبدها/ جسدها..
امرته الربة ان لا يذهب بعد ، كانت تريد ان تكافئه على خدمته لها وتعبده ، فهي الآن في
المنطقة المازجة بين انثتها البشرية ومزاجها الإلهي .
قربته منها .
اشارت بيدها ، فانحنى في وضع سجود مريح . مدت قدميها ووضعتهما على رأسه . تعرف الربة ان كاهنها
الذي يهابه الجميع ويخافونه ، يتحول امام الربة الى منفذ مطيع لحالاتها المختلفة . وهي تحب احيانا ان تشعر
بتسيدها البشري عليه ، فتعامله كعبد مطيع. هو يعرف رغباتها الداخلية ، فيرضى بها مسرورا لأنها تتوائم
مع اسراره الخفية . فيتحول هو الكاهن الأكبر الآمر المُطاع المتسيد على الآخرين بواسطة سحره وقوته
الغامضة ، الى مسند لقدمي الربة ، حينما ترغب في ذلك ، بل ويطلبه هو سرا ولا يستطيع ان يطالب الربة به
لأنه يعلم انها تنفر من طلبات عابديها حتى لو كان كاهنها الأكبر حينما تكون في احدى تحولاتها الصعبة .
ينتظر صابرا بهدوء ، حتى تتذكره الربة ، وتذكر مطالبه التي ترضيها وتسعدها ايضا لأنها تعبّر عن اخلاصه
اللا محدود واللا مشروط ، فيحن قلبها عليه ، وتنتشي اعطافها ، ومسام جسدها ، فتورد انثتها كوردة صافية
تريد اخلاصا وتعبدا وعبودية وكاهنا خاصا بها ولا احد سواها ؛ فيأتيه الأمر المرتجى ، فيذوب قلبه وجدا ،
وتنطلق روحه محلقة الى السماوات البعيدة ، فيبدع في كتابة نصوص التوله والحكمة ، وأسرار المعرفة .
اكتشفت الربة ذلك فكانت تحب ان تأمره ان ينغمس في اللإبداع ، متيحة له الوسائط التي يحبها، بعد ان
دربها هو على ذلك ، فبرعت وتعمقت فأبدعت وكادت ان تتفوق على استاذها .
فهي تحترمه كما يحترمها ، هو بالنسبة لها استاذ ومعلم وحكيم ، وهي بالنسبة له ربة وإلهة .
لذا يستمتعان احيانا كل منهما بطريقته الخاصة ، بان تحول هي استاذها الى عابد لها متعبد في اعطافها
ورحابها ، وان يحول هو هذه التلميذة الأنثى الى وضعها الربوي وصفتها الإلهية .
فرغبتها في تحويله الى ما تريد يؤكد له حدسه الصادق في الوهيتها ، وقبولها تعبده ، يزيد يقينه من صدق
حدسه . ويرضيها بأنها بأوامرها وبرضاها الربوي يستطيع الكاهن ان يصل الى الذروة العليا في ابداعه وانها
هي السبب والحافز . تعرف هي هذا ويعترف هو لها مسرورا .
كينونتها الالهية ضرورية له كما انها ضرورية لها ، في تلخيص هذه الكينونة في كهانته في معبدها وتعبده لها
وعبادته .
ضرورية لها حتى تستطيع حينما تكون في هيئتها الأنثوية ان تتغلب على نقاط ضعفها التي اعطتها لها الإلهة
الكبار .
هكذا يعرف الكاهن الأكبر
وهذا هو ما سجله في الرقاق المقدس في الهيكل الخاص بالربة حتى تبقى وثيقة للأجيال المقبلة :
قدمان جميلتان بمفهومي ككاهن عارف لأسرار الجسد وتجلياته وخاصة القدمين . فأنا كاهن متخصص في
عبادة الربة واعرف كيف افسر الرؤية الذكورية لجمال القدمين كما أراهما . أي انهما ليست نحيلتان ولا ايضا
غليظتان . اصابع القدم متدرجة من الاكبر الى الأصغر بلطف وانسيابية . كاحلاها قويان مدملجان بالقوة المحببة
لذكور من نوع الكاهن يحب في الانثى ليونة مع قوة . الساق مسحوبة بخفة من الكعب ، بارزة بعض الشيئ عند
الكاحل ، لتنطلق كقمع السكر المقلوب ، لتصل الى نهاية الفخذ .
فخذان قويان يحملاها يوميا لساعات طويلة وهي ترقص بهما ممارسة حياتها البشرية .بهما نعومة وطزاجة
البنت العذراء. أي ان الفخذ ملفوف ومدملج وطري ، طراوته تخفي عضلاته التي يحب الذكر ان يتحسسها ،
فبشعر بقوته وقوتها. خاصة حينما تلف حول رقبة الذكر تجذبه الى داخلها ، او حينما تسجد منحنية فوق فخذيها
ضامتهما الى جسدها ، مبرزة بهاء جسدها من الخلف .هنا يشعر الذكر بقوته التي رضخت لها هذه الانثى ، هذه
العذراء الالهية، التي قدمت نفسها وليمة في فراشه . وليمة لمن يستحق وهم قلة قليلة . هذه القوية الجسد
صحيحته ليس بها عيب هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة لا يشتكي منها قصر ولا طول . الربة شكلّت عجيزتها كحبة
الكمثرى. يتصل طرفها الدقيق بالفخذين ليتطاولا ، منفصلان بعض الشيء ، لكن لا ينفلتان من مطرحهما متدفقان
كبعض الاناث حيث تتلاطم اليتهما تلاطما مثل اهتزاز الماء في قربة غير ممتلئة ، لكن الربة لها اهتزازها
الموسيقي الخافت الخاص بها، كنوتة موسيقية تتصاعد ثم سرعان ما تخفت لتتصاعد مرة اخرى وهكذا دواليك
(!) انها حركة اهتزازية محكمة ، تجعل الرائي يطل النظر اليهما لكي يتأكد مما يراه ، كنغمة موسيقية خافتة لكنها
قوية تنبعث من هناك. هكذا ينساب جزءا العجيزة ليلتحما عند الخصر بارزان لحيمان قويان بعضلتين نافرتين .
التحول الثاني للربة
من إلهة الى فرس
الكاهن في جثوه بين ساقي الربة يمتص رحيق قدميها ، حيث يتحولان ببطء وتدريجيا الى زهرتين بريتين
متضوعتان بعبيرها الخاص .
هاهي الربة في حالة من حالات تحولها . ترنو الى كاهنها ؛ فهو يعرف وضعها الإلهي كما يعرف هيئتها البشرية
... لذا حينما تسمح له بولوج بوابة معبدها /جسدها ، فهو يلجه، مقتربا خاشعا من قدس اقداسها المنبثق
متوهجا متحولا الى زهرة تيوليب. يعرف ان هذه لحظة امتزاجها الربوي بالبشري ، مثل ما يصب النهر في البحر
، عند نقطة التقاء فيختلط الماءان. ها هي الآن ممتزجة الهيئتان الإلهية والبشرية . ومن من تسمح له من
البشر القلائل او من الكهنة العابدين وهم كثيرون ، او من بعض الإلهة ذكورا او إناثا، الذين يستمتعون بين
وقت وآخر بأنوثتها البشرية ، تسمح لهم بان يلجون قدس اقداسها .
فهي تفعل هذا لأنها رضية القلب راضية الروح ، تفعل هذا بحنان الربة على عابديها ، محولة قدس اقداسها الى
"يوني " الذي هو بوابة السماء وجسرها الى الأرض ومهبط الميلاد والحياة واللذة . انه الجسر وبوابة ايضا
يعبر فوقه ، وعليه، ومن خلاله يدخلون الى سمواتها الكثيرة الألوان ، يتذوقون اسرار وليمتها المتجددة .
يهزجون في تبتلهم ، بأشعار وترانيم وموسيقى. بينما تعبر هي من فوق جسرها بوابتها ، من ربوبيتها الى
بشريتها ، مفسحة مكانا للمحظوظ الذي عبر الجسر الى فردوسها كذكر النحل الذي يجب عليه ان يهزم كل
الذكور الآخرين متفوقا عليهم ليصل الى الملكة ، وما ان يمنحها حياة جديدة وتمنحه لذته ، حتى يشعر ان هذا
مبتغاه من العالم ، يغادره مسرورا بعد ان اوصلته الملكة الى سدرة المنتهى .
تفسح الربة جسدها مستقبلة هداياهم وعطاياهم واضحياتهم وترانيمهم وتولههم بها ، مفسحة لهم داخل
جسدها البشري ، محولته الى معبدها الخاص .مقدمة هيئتها البشرية لمحبيها وعابديها وليمة شهية نادرة حافلة
بأسرار المتعة واللذة ، التى لم يذقها بشري من قبل مع جسد بشري آخر فان مثله . فبشرية الربة ربيع ، تختزل
داخلها أسرار انثوية مختلفة عن انثوية امرأة عادية . فمع انها في هيئتها البشرية ، تبدو كالأنثى ، بما لها من
معالم جسدية واضحة ، إلا ان هذا الجسد رغم اشتراكه في التفاصيل مع رموز الجسد الأنثوي ، تكون هذه الرموز
عند الربة إلاهية ، كما انها في هيئتها البشرية تتميز بأنها خاصة ومختلفة .
فالنظر الى قدميها وساقيها ، كما تعرّف عليهم الراهب في " احلامه المقدسة الإيروتيكية " وكما وصفهما
لمريدي الربة ، تبدو اعتيادية ، الا انه ما ان يقترب العابد الولهان من معبد الربة /جسدها البشري ؛ حتى يتبين
له ان هذا الجسد له ابواب متعددة وأولها القدمان ، وأنهما لن يسمحا لعابد ان يدخل المعبد دون معرفته
لطقوس فتح باب القدمين ، وممارسته هذه الطقوس .
سيعرف العابد الولهان ان جسدها ليس جسدا محدودا بقامة معينة او ببروز معين ، لكنه جسد يختزل داخله
اجسادا انثوية متعددة ، بكل ما فيها من خيالات فانتازيات ولذائذ. جسد خاضع لمن يريده خاضعا ، و جسد
مسيطر لمن يريده مسيطرا . جسدا حنونا لمن يريده هكذا وقاسيا لمن يبغي ان تُستخدم القسوة تجاهه وسيلة
لجلب لذته الخاصة المتميزة بفانتازيتها. انه الجسد / الوليمة . لكنها ليست وليمة سهلة للسذج المتعجلين الحمقى
فهو تجسيد يكشف أسرارا هائلة لكن ليست للفضوليين ، وليست للكاذبين الذين يدعون تأليهها ، وليست
للمخادعين ، الذين يعبدون آلهة أحرى سواها ؛ يكشفها فقط للوالهين الصادقين في تولههم ، للعابدين
المؤمنين بإلوهيتها حتى وهي في ثوبها البشري . حينئذ يبدأ جسدها البشري في تحولاته المتعددة . يبدأ من
قدميها اللتان تتحولان الى باب للمعبد ، الى زهرتين بريتين حينما يمارس العابد طقوسه فوقهما وعليهما ،
زهرتان تتضوعان بأريج خاص بعبير الربة ربيع .
ويعرف الكاهن الخاص ، انه لكي يلج المعبد عليه ان يقدم التحية للقدمين / البوابتين ، فهما الباب والمفتاح
معا .
ساقها هما الرموز المقدسة المنسوج فوقهما بغلالات من ضوء نقي اسمائها المقدسة التي يجب على العابد
يقبلّها اسما .. اسما ورمزا بعد رمز ، تاليا فوق كل ساق تعويذته الخاصة به ، حتى يبدآن في الرفرفة مثل
جناحي يمامة كبيرة ، لكي تصفو روح الربة تجاهه ، فتبدأ الربة ربيع في تحولها الى طاووس كبير يبدأ في
الطيران فاردا الساقين ضمهما ، و حركة ساقيها هذه يحملان فوقها الابد الولهان يقودانه وهو متشبث بهما ،
لينفرجان، في تحليقهما ليكشفان له عن بهاء الفخذين وما هما الا النهران المقدسان ، النابعان من الجنة واللذان
سيقودان العابد الى الدلتا ، التي هي غاية مراد المتعبدين .. لكن الإبحار في النهرين المتلاطمين ليس سهلا او
بسيطا . فقد يغرق فيهما العابد المتعجل . على العابد الذكي الحصيف ، ان يبتهل للنهرين ، ان يقدم لهما فروض
الطاعة والولاء عبر جسده وبواسطته . يبحث في كل فخذ/ مجرى نهر، عن دواخله تياراته وجنادله ودواماته ،
هو نهر على العكس من الانهار الاخرى قاطبة ، لأن دواماته هي مفاتيح وبوابات الوصول . فالسابح المتجل على
السطح لن يصل ، سيجد نفسه منبوذا ، ملقى على شواطئ صخرية حارة . لكن الذي يقبل على الدوامة ويبح
داخلها ، ساحبة اياه الى اعماقها ، سيجد نفسه مثل غواص الاعماق ، في جزر مرجانية ومباهج سرية .فهو
اعمى تقوده شفتاه وأصابعه . يغوص في المجرى حتى يصل الى قراره البعيد . مثل غواص الؤلؤ ، طويل النفس
صبورا . ثمة اماكن خفية عليه ان يستكشفها في المجرى ، وكل مجرى يختلف عن الآخر في اسراره المستترة
. يقوم العابد بتلاواته ، وابتهالاته ، بشفتيه ولسانه وأصابعه ،همسا وصياحا ، مجربا تمائما مختلفة ومفاتيحا
متنوعة حتى يصل الى التمائم الصحيحة والمفتاح الذي يفتح له البوابات . متحاشيا الفخاخ حينئذ الى
المغاليق الكثيرة التي تنفتح له واحدة بعد الأخرى ، عليه ان يتجنب السيرينات التي تحاول اغوائه وإبعاده عن
الابحار في المجرى مثلما حاولت مع اوليس . حينئذ تخضع له السيرينات ، فيمتطيها كقارب ، تبحر به الى الدلتا
المبتغاة والهدف الأسمى والجائزة التي لا مثيل لجائزة تشبهها .
لكن الدلتا لا تظل دلتا فقط ، انها ايضا تواصل تحولاتها ، فتتحول الى " يوني " انثوي ، يتميز عن غيره بطعمه
الفتاكّ ..
لأن من ذاقه من قبل ، قُضي عليه ولا شفاء له الا ب بتحوله من عابد الى عبد اسير ، لكنه اسر محبب !!..
انه طعم من الصعب وصفه الا لمن تذوق قبل ذلك عصير عدة " يونيات " لكي يتمكن من المقارنة . مقارنة لا
يستطيع القيام بها الا كهنة الربة ، الذين سمحت لهم بعبادتها فتخصصوا فيها وفي تحولاتها الجسدية البشرية
والا بشرية ايضا ..
فهي بإمكانها ان تتحول الى فرس جموح يطمع الفرسان في امتطائه وترويضه ، او عصفور طلق ، لا يرضيه ولا
يغريه قفص حتى لو كان من ذهب ، لكنه يبحث عن عش تأسس على الحنان .
الحنان هو احد مفاتيح الربة ربيع السرية .
هو مفتاح سري ايضا لأنه يحمل داخله عدة مفاتيح ، اهمها المفتاح الذي يتيح لحامله ان يرى الربة في
تحولاتها المتعددة !
ها قد وصل العابد الى قدس الاقداس ..وقد لا يصل ، فليست هناك ضمانات واضحة مع الربة ربيع ..لهذا فهي ربة
تمنح من تشاء وتمنع من تريد ، ولا مراد لحكمها ولا استئناف .
لكنا سنصف هنا تحولاتها من النصوص المقدسة التي وصلتنا من كهنتها السابقين .
انهم وصفوا عصير قدس اقداسها بعصير ثمرة ناضجة من الفردوس الإلهي . لا يتدفق الا بعد تقديم التضحيات
الخاصة به ، وأهمها الصبر على صد الربة لهم ، وانزوائها عنهم بل وقسوتها ولا مبالاتها . هي تقوم بكل هذا
عمدا لكي تختبر صدق عابديها واستعدادهم للتضحية في سبيلها وفي سبيل الحصول على رضاها ، وبالتالي
مباهجها الأنثوية .
التحول الثالث للربة
تحولات اليوني
جاء في النصوص المقدسة أنه : يصبح كزهرة عصفور الجنة ، هكذا قال واحد من كهنتها .
- لا بل كعصفور الجنة نفسه يرفرف بأجنحته فوق العابد . يهفهف على روحه المتعبة ، فيزيح
عنها العناء والسقم . قال كاهن آخر
.. - زهرة لوتس .. عليك ان تقبّل تويجاتها حتى تصل الى قلبها وستراه هناك ينبض .. قال كاهن
ثالث توله في حب الربة وتنسك في معبدها
عابدوها ما ان يصلوا الى زهرة عصفور الجنة ، يقبلونها ، حتى سرعان ما تتحول الى عصفور الجنة يهفهف
بأجنحته على ارواحهم ، ساعتها تسري فيهم قوة سحرية ، فيرونه يتحول الى زهرة لوتس تحتضن وجوههم
في تويجاتها الناعمة المبللة بالعصير ، تسحبهم الى اعماقها ، الى سرها غير المستباح .
يقبلونه وأعينهم مسبلة هيبة واستمتاعا . يطرقون ابوابه بخفة بألسنتهم يتمسحون بها فوق جسر اتصال
الفخذين، انه جسر الوصل الذي يبحث عنه اهل التصوف في مطلبهم الدائم للوصال . يتحولون الى مجذوبين
ودراويش ، بينما يزدهر اليوني متحولا الى بتولة قانية ، تبدأ في نشر تويجاتها.تويجات هي مطلب المجذوبون
الذين اذا ما تذوقوا طعمها ، المزيج بين عسل وعلقم ، والذي رائحته مزيج من مسك وعنبر ، لن يستطيبوا بعده
طعما ولن يستطيعوا ان ينتزعوا رائحته من خياشيمهم التي دفنوها في تويجاته . العابدون الذين يعبدونها في
تحولاتها البشرية ، لم يعبدوا إلالهة غيرها ، لأنها تعرف خبيئة كل عابد . تعرف ماذا يريد كل واحد منهم ،
يأتون الى رحابها فرادى .البعض يريد منها ان تستعبده ، فتستعبده مسرورة الفؤاد ، تحيله الى عبد طائع لكل
همسة تصدر من انفاسها. بعضهم يريد ان يسيطر عليها ويروضها ، فتحول نفسها الى انثى وديعة قابلة
للترويض والتسيطر ، حتى ترضي نوازع عابديها الذين كفروا بكل الربات الأخريات .
ولأنها تحدس النوايا فهي تحدس نوايا كاهنها الأكبر العجوز ؛ انه يريد الشيئين الصعبين العظيمين شبه
المحالين ، معا . ان يكون عابدها المتوله وكاهنها الأكبر القائم على خدمتها ، عبدها المطيع لأوامرها ، وان
يراها في تحولاتها من هيئتها البشرية الى حلم لكنه حي ومتجسد ،لربة من لحم ودم ، . يرغب في ان ويقودها
الى اسرار جسدها ويكشف لها مخابئ روحها. وان يجعلها تستمتع بالمتع التي تهبها له من عطاياها الكثيرة
وهباتها التي اسبغتها عليه ، تلبي رغباته الكهنوتية بكونها إلهة تأمره ، فيطيعها ، وان تصبح انثى بشرية تتدلل
فيدللها .
يشاهدها ويخبرها؛ فرسا برية ، يمتطيها بدون سرج او لجام يمسكها من عرفها الاسود الطويل ، يروضها
وحينما تسمح له بالتعبد فيها ولها ، يعرف انها ، نجحت ان تسترجع صفتها الإلهية بين وقت وآخر لكي تسعد
عابديها ، فلا يضلوا سواء السبيل ، تمنح ؛ لكل منهم ، ما اشتهي القلب .
حينما تقبل ان تتحول الى فرس وحشي بري ، تبحث عن حالة تفتقدها ، هي المزج بين الآخذ والمأخوذ ، السيد
والمسود ، القوي والضعيف . لأنها ، تعرف انها بوصولها الى هذا التحول الصعب ، تكون قد بلغت سدرة
المنتهى .
فارسها ، الذي يمتطيها يشعر بها طائرة في الريح قوية ، لكنها ايضا خاضعة ومستجيبة للمساته ، واوامره ،
ووخز كعبه في خاصرتها .وضربة كفه على كفلها .
كاهنها يعرف الطريق الى سدرة المنتهي التي يبغى الوصول اليها معها ومن خلالها، وعبرها وممتطيا عبيرها
مستندا اليه وفيها ، قبل ان تطلبه الآلهة ليصعد اليها نهائيا ..
وهو يعرف انه بتحولاتها هذه ، وبقوتها الالهية وبضعفها البشري هذا ، قادرة على اعطائه مبتغاه تساعده على
تحقيق تحولاته .
لهذا فهو حينما يطلب منها الإذن ان يقبّل قدميها وان يلحس باطن قدمها وان يمتص اصابع القدمين، فهي
لأنها الهة تفهم طلبه ، وتسمح له بذلك باعتبار ان سماحها له ، استجابة الهية لطلب كاهنها الخاص .مكافأة
له على تبتله وإخلاصه .كما تكافئ سيدة القصر عبدها المطيع بأن تٌقريه منها وتفسح له مكانا عند قدميها
يغسلهما بالطيب ويمسحهما بالزيوت المعطرة ، وهو لا يعتبر هذا سوى منحة ، ومتعة خاصة له ، مكافأة له
على فعل شجاع ..
يعرف الكاهن انها بسماحها بما سمحت وستسمح ؛ سيكون سهلا عليها بعد ذلك ان تتحول الى فرس ..
جموح لكنها ذكية ، ترضى لكاهنها ان يروضها فرسا إلهية ، بعد ان خبرا سوية اكتشافها لتحولاتها ،
ونفض الغبار عن ذاكرتها الإلهية مضيئا لها الدروب السماوية بين النجوم والمجرات ، لتتمكن ان تصبح مرة
اخرى ربة بشرية!