لم تكن موجة “البست سيلر” لتظهر دون الاستثمارات والأموال التي ضُخَّت في سوق النشر وتوزيع الكتاب في الفترة
.من 2005 إلى 2010
الجزء الأكبر من الأموال التي ضُخت في سوق الكتاب أتى من برنامج دعم صناعة الكتاب الذي موَّلته هيئة المعونة
من أكثر الأمريكية المعونة يئةخصصت ه بوش جورج عهد في الديموقراطية نشر حمى الأمريكية. ففي إطار
بهدف تشجيع دور النشر على طباعة كتب “معينة” من أجل ،المصري الكتاب صناعة لدعم دولار مليون عشرين
المطلوبة، كأن المدارس. شكَّلت هيئة المعونة الأمريكية لجنة وضعت شروطًا محددة للكتب توزيعها على مكتبات
المساواة بين الجنسيين، والإسلام المنفتح، وحب تكون مشوقة وقادرة على جذب الأطفال والشباب، وأن تحمل قيم
أمريكا وحب الديموقراطية
غلاف كتاب في ظلال القرآن، لسيد قطب من إصدارات دار الشروق وأحد أكثر الاصدارات مبيعا في تاريخ الدار. ..
سيد قطب جعل الشباب يقرأون
.
النشر للتقدم بعروضها، لكنها وضعت عدة شروط؛ أهمها أن تكون دار فتحت هيئة المعونة الأمريكية الباب لدور
حكومية وقومية من لا حكومية، وأن تمتلك دار النشر مطبعتها الخاصة. وبهذا لم تتمكن دور نشر النشر خاصة
الخاصة، وكأن المناقصة قد فصلت لتناسب دور نشر المنافسة، وكذلك دور النشر الصغيرة التي لا تمتلك مطبعتها
طبعت حصلت دار الشروق ودار نهضة مصر على تلك الملايين. وفي مقابل هذه الملايين محددة. وكانت النتيجة أن
هيئة عنها أعلنت التي الأرقام هذه طبعًا ،مدرسة ألف 20 من يقرب ما على ووزعتها كتاب ألف 80 الشروق دار
.منها للتحقق سبيل ولا الأمريكية المعونة
والحصول على ملايين الأمريكان. فالشروق حققت احتاج إبراهيم المعلم إلى إعادة طلاء واجهة الدار من أجل التوقيع
بالغزالي، الكتب العلمية والموسوعية، ودخلها الأكبر من الكتب الدينية، بداية شهرتها وثروتها من خلال نشر
و”البيست سيللر” الأول. ومن ثم لم يكن من والقرضاوي، وحتى سيد قطب الكاتب الأعلى مبيعاً في تاريخ الدار
ا، فبدأت الدار خطة الممكن أن يذهب إلى الأمريكان ا وتقدمي للاستحواذ وإدارة بوش ليقدم نفسه بصفته ناشرًا حداثي
أعمال نجيب محفوظ مقابل مليون جنيه، بينما على كتب ومؤلفات عدد من كتاب جيل الستينيات، بدأتها بشراء حقوق
يئة الشروق من جهة أخرى. وحتى بعد توقيع الاتفاق استمرت الانتقادات لتوقيع ه تنساب ملايين الدولارات إلى
المعونة الأمريكية لعقد نشر مع ناشر المنظر الأولى للجماعات الإرهابية
الدار واستحواذها على حصة أكبر من السوق، وزاد الأمر بعدما ساهمت ملايين المعونة الأمريكية في توسع
شبكة مكتباتها، القلعة الاستثمارية على دار الشروق، إذ لم تكتف الشروق بالنشر بل توسعت في استحوذت مجموعة
.لتنتج أعمال كُتَّابها وبجوار النشر أسست شركات الإنتاج التليفزيوني والسينمائي
9
القلعة مجموعة جميع الاستثمارات الكبرى في سوق الكتاب المصري خلال العقد الأخير تدفقت من خلال
الطاقة، والنقل، وهي تكتل استثماري ضخم ظهر في 2004 . تمتلك القلعة عدة شركات بعضها في مجال ،الاستثمارية
والتي لا يعرفها الجمهور المصري العادي، “تنوير“ شركة هي واستثمارات بعشرات المليارات. إحدى تلك الشركات
كلا تمتلك التي الشركة لكنها ببساطة ◌ً ، وصحيفة الشروق، وصحيفة المال، ديوان مكتبات سلسلةو ،الشروق دار ؛من
.وعدة مكاتب وشركات أخرى في مجال الطباعة الفنية والتجارية، وشركات إنتاج سينمائي وتليفزيوني
ااشترت مجموعة القلعة الحصة الحاكمة في دار الشروق، و من % 58 الحاكمة الحصة هيكل أحمد يمتلك رسمي
لكنهم مع هذا احتفظوا بإبراهيم المعلم كواجهة أكثر فائدة، ومطمئنة لقطاعات .يالعرب للنشر المصرية الشركة
ملياردير سبق اتهامه بالتربح والفساد ومنعه المثقفين والكُتَّاب. فليس من اللائق أن يكون مدير أكبر دار نشر مصرية
هيكل في 2011 ، قبل أن تعود الأمور لنصابها ويغلق ملف الاتهامات ويستمر أحمد من السفر فترة مؤقتة بعد الثورة
. .في مناصبه، بالتالى فالأفضل الحفاظ على إبراهيم المعلم كواجهة
أحمد هيكل المالك الحقيقي لدار الشروق ومكتبات ديوان، والصانع الخفي لأسطورة البيست سيللر
لمكتبة ديوان، والتي توجهت إلى الطبقة ترافق شراء القلعة لمكتبات ودار الشروق، مع توسعها في فتح أفرع جديدة
.”شراء الكتب. ونتيجة لما سبق ظهرت مسألة “البست سيلر الغنية القادرة على تحمل تكاليف دفع
لم يصنع الجيل الجديد من كُتَّاب .ودخلت إلى سوق الثقافة والأدب وجوه جديدة قادمة من أعلى السلم لا من أسفله
والنحت في أنواع أدبية منبوذة مثل أحمد خالد توفيق، ولم تنتشر كتبه البست سيلر شهرته من خلال العمل لسنوات
والاستثمارات الرأسمالية وأموال حب القراءة أبعد من حدود مصر. بل هبطوا من أعلى بدعم دور النشر الكبرى بدافع
.المعونة الأمريكية
أي من كتبه لأعمال سينمائية أو تليفزيونية إلا وعلى الرغم من الشعبية الجارفة لأعمال د. أحمد خالد توفيق، فلم تُحوَّل
له. في أحمد مراد كانت الشروق هي المنتج لأولى المسلسلات التي أنتجت عن عمل روائي بعد وفاته، بينما في حالة
أن هؤلاء الكتاب هم “ما يطلبه خطة واضحة لفرض أسماء ووجوه محددة بصفتها “البيست سيللر”، واقناعنا
.تنتصب في المدينة الجمهور”. هم الرموز والتماثيل الجديدة التى
لجماعات ثقافية هامشية تحلم بتغيير العالم. بل لم يعد الإنتاج الثقافي حكرًا على مؤسسات الدولة، أو مغامرات متمردة
والإدارة إلى سوق الإنتاج الثقافي ونشر الكتاب، ساحبين خلفهم نظريات التسويق دخل من يحكمون العالم بالفعل
والتهليب والبلطجة وغيرها من قيم مجتمع وحسابات الربح والخسارة والممارسات الاحتكارية، ومختلف قيم النهب
.المال والأعمال المصري
لوحة للفنان حجازى، تصلح لمناسبات كثيرة وتصلح لشرح مفهوم السوق الحر في صناعة الكتاب في مصر
10
.في السوق الحر، من حق الجميع الاستثمار، ومن حق الجميع أن يكتب
في النهاية للقارئ. لكن سوق النشر في السوق الحر يمكن أن يتنافس الكُتَّاب على كعكة “البست سيلر” والقرار
.والكتابة في مصر ليست حرة بالتأكيد
بالاستثمار في قطاعات لا يسمح بها لأي فمجموعة القلعة لديها استثمارات مشتركة مع السلطة في مصر، ويسمح لها
الانتعاش في سوق النشر والكتب مستثمرين آخرين إلى دخول السوق والمنافسة، مستثمر آخر. وعلى سبيل المثال دفع
تحاول منافسة الشروق.. لكننا وظهرت سلسلة مكتبات “ألف” منافسًا لمكتبات ديوان. كما ظهرت دور نشر أخرى
.جميعًا نعرف مصير هذه المشاريع
الشروق الناشر الرسمي طول عقود لكتب فسلسلة مكتبات ألف تعرضت للإغلاق بتهمة الانتماء للإخوان، بينما دار
هيكل كان متورطًا في قضية التلاعب في البورصة مع جمال وعلاء مبارك، الإخوان لم يتعرض لها أحد، بل إن أحمد
الشرطة مقرات ناشرين أحكام بالسجن، ومع ذلك لم يلق القبض عليه ولا مرة. في الوقت الذي تقتحم فيه وعليه
لديهم شرعية أم مقرصنة، وتُلفَق لهم القضايا سريعًا، وفي ”منافسين للشروق لتسألهم ما إذا كانت نسخة “الويندوز
.الأخبار عن تلك القضايا الملفقة في صحيفة الشروق اليوم التالي تنشر
لشيء إلا لنشرهم أو توزيعهم يعاني ناشرون آخرون من الرقابة ومصادرة كتبهم، بل وسجن بعض الناشرين، لا
.للسوق دون أي مشكلات أمنية لبعض الكتب، بينما يستمر نمو الشروق واحتكارها
.حتى داخل الشروق نفسها تعمل آلية الرقابة على تهميش كُتَّاب وإبراز آخرين، لخدمة الأجندة السياسية للنظام
من المكتبات، وتوقفت الدار عن الترويج فعلى سبيل المثال كل الكُتَّاب الذين غضب عليهم نظام السيسي رُفعت كتبهم
البست سيلر” منذ البداية مثل علاء الأسواني، أو بلال فضل، أو حتى عز الدين“ لها. نتحدث عن كُتَّاب صنعوا ظاهرة
كتبهم، لكن الشروق ترفع كتبهم من فشير. فهؤلاء الكتاب الذين أصبح مصيرهم المنفى، لم يصدر قرار بمصادرة
.واجهة مكتباتها وتتوقف عن طبعها
خدمته، مثل يوسف زيدان وأحمد مراد. الذين في المقابل تستمر طباعة وتوزيع كتب المؤيدين للنظام والعاملين على
الجديدة التي حاول نظام السيسي تشكيلها وزراعتها، وكان يواظب على لقائها مثَّلوا في 2014 النخبة الثقافية
قائلا 2014 في بالتصريح سارع الذي مراد أحمد باستمرار. وهو ما التقطه ◌ً أنه رجل يحب شعرت“ عن السيسي
فهو في النهاية وزير الدفاع الذى يمثل أقوى منصب بلده جدًا، وتأكدت أن تصديه للإخوان كان هدفه مصلحة البلد،
فإما إنه في البلد، فأن يتخلى عنه « في وش المدفع » مجنون أو ويتولى منصب رئيس الدولة الذي يجعله كما يقال
.“إنه يحب مصلحة بلده لدرجة تعريض نفسه لأقصى أنواع الخطر من أجلها
وصودرت كتبهم، وحذفت أسماؤهم من طبعًا هناك كُتَّاب آخرون لم يروا في السيسي ما رآه مراد، فسجنوا ونفوا،
تترات مسلسلاتهم. فأين إذن السوق الحرة؟
طريقة محمد رمضان. لكن هل هذا يدافع مراد عن نفسه بأنه لا يهتم بالنقد، لأن الجمهور واقف في ضهره؛ على
يختار هذا الجمهور بحرية إذا كان لا يجد أمامه إلا ما تريد صحيح؟ هل الجمهور هو من يقف في ضهره؟ وكيف
جهات أخرى ترفض هيكل وإدارة الفكر والإعلام بالأمن الوطني له أن يراه؟ أم تقف في ضهره الشروق وأحمد
الكشف عن أسمائها؟
11
لعبته المؤسسات الثقافية والأكاديمية في في مقال زينة حلبي عن العنف الأدبي وسلطة الناقد. تشير إلى الدور الذي
وينبع فطه حسين ليس كاتب أو ناقد، بل أستاذ جامعي ورئيس مجمع اللغة العربية، .تأسيس رأس المال الرمزي للناقد
ثقافية لعب العميد دورًا في تشييدها، ولا تزال ثقل رأيه لا من كونها آراء كاتب يمكن الرد عليها، بل آراء مؤسسات
.أبنائها رؤيته هي المهيمنة على
ظهرت فيه أشكال جديدة من السلطة لكن هذه المؤسسات اضمحلت تمامًا طول العقود الأخرى، والمشهد الثقافي
الخليجية. وأصبحت تلك السلطة هي السلطة النقدية الحقيقة التي تحكم السوق منبعها سلطة المال والجوائز الثقافية
.وتوجِّه الأدب
والرأسمالية، هم الكتاب والرموز الثقافية هذه الوجوه التي “تجعل الشباب يقرأون” وينحازون للسلطة السياسية
.مجموعة القلعة وجوائز شيوخ الخليج الجديدة الذين أفرزتهم أموال
اللفظي لتهميش الآخرين. بل إنهم قادرون وهؤلاء لا يكتفون مثل طه حسين، بالتعبير عن آرائهم أو استخدام العنف
لترسيخ تربعهم على العرش الوهمي “للبست سيلر”. سواء من خلال كتابة على استخدام وسائل مادية أكثر عنفًا
.التقارير في المنافسين، أو التهديد بالسجن لمن ينتقدونهم
الآخرين، أو يعلِّق عليها. لكن أحمد مراد كان أقصى ما يفعله طه حسين وهو رأس السلطة الثقافية أن يحقِّر من كتابات
معلنًا والاعتراض على بعض تصريحاته أصدر بيانًا هدد فيه الجميع؛ صحفيين وإعلاميين أخيرًا وبعد حملة التعليقات
حسام .الماء العكر بالاستمرار، وسأغلق من جانبي باب الرد، بعد تكليف المحامي د لن أسمح لهواة الصيد في“
…لطفي المحامي بالنقض باتخاذ الاجراءات اللازمة
التفرغ لعملي، والنأي بقرائي عن متابعات ليس الغرض منها سوى النيل وليس لتوقفي دلالة سوى الحرص على
تفكيري بدون أي هدف قد يخدم مسيرة بدأتها بجهد وعرق، فيما يسعى البعض إلى سحبي بعيدًا عنها وتشتيت من
.”المجتمع
مات، وللدقة قتله مستر هايد. وهو الآن فدكتور جيكل؛ الطيب الذي كان يسهر مع المثقفين والكتاب في دار ميريت قد
الفيسبوك معدلة بالفوتوشوب، محاطة بهالات الغموض والتأثيرات يواظب على نشر صوره على صفحته على
…الهوليودية
القاضي ناجى شحاتة، صاحب أكثر من 500 حكم إعدام، وأحد رموز السلطة القضائية التي هدد مراد باستخدامه ا
ضد أشباه المثقفين
بسيلانترو، وظهر الآن مستر هايد الذي وداعًا دكتور جيكل الشاب الطيب الذي فضَّل يجلس في ركن غير المدخنين
.نقد يجالس الرئيس السيسي، ولا يتحمل أي
عشرات النقاشات، وتكون بمثابة الدينامو قديمًا كانت المعارك الثقافية تحدث على صفحات الصحف والمجلات، وتولِّد
جدل. فهم لا يتحمل رموز السلطة الثقافية الجديدة، أبناء “البست سيلر” أي نقاش أو المحرك للحياة الثقافية. لكن الآن
وتدعمهم. لا يمتلكون رأس مال ثقافي ليناقشوا مسنودون بسلطة رأس المال، وبالسلطة السياسية التي يمدحونها
بل عكس ما يروجون؛ لا يتركون المجال “للسوق المفتوحة” أو للقارئ ليفصل بينهم، ويتحملوا الاختلاف، وهم على
“غالي، لا يتحمل ترهات أشباه المثقفين القانون يحكم بيني وبين حملة معاول الهدم، والوقت“ كما ختم مراد بيانه
: الوسوم
1سبتمبر 11